لمَن أوصى غريغوار حداد بثروته؟
لمَن أوصى غريغوار حداد بثروته؟
اخبار مباشرة
راكيل عتيِّق
مات غريغوار حداد رافضاً خلعَ ثوبه «الأحمر». تزامن رحيله مع ولادة يسوع، الذي صنع هذا الثوب ولوّنه بدمائه التي افتدى بها «الإنسان». لم يرتدِ الأخ غريغوار إلّا ثوب المسيح، مهما حاول البعض إلباسه رداءات من نسج عقولهم المريضة وقلوبهم التي لم ترتوِ من خمرٍ أحمر، من دماء يسوع المسيح.
غادرنا المطران غريغوار حداد ليلَ الأربعاء الأخير عن عمر 91 عاماً، بعد صراعٍ مع المرض الجسدي، وبعد صراعٍ مع الأمراض المتغلغلة في مجتمعاتنا مثل الطائفية، والتعصّب، والعنصرية، والانعزالية، والطبقية... وغيرها.
رداؤه «الانسان»
غريغوار حداد المطران السابق لطائفة الروم الكاثوليك هو نخلة أمين حداد الذي وُلد عام 1924 في سوق الغرب، درس الفلسفة واللاهوت متعمّقاً في الأفكار المسيحية الأساسية، بانياً عليها طريقة تفكيره ونمط عيشه.
شكّل المطران الذي خلع عنه كلّ الألقاب والمظاهر المادية، مرتدياً «إنسانيّته» فقط، موضوع سجال وجدل في الأوساط المسيحية الدينية والمدنية، بعد بروز أفكاره وكتاباته التجديدية في مجلته «آفاق».
إنتخبه سينودس الروم الكاثوليك مطراناً على أبرشية بيروت وجبيل وتوابعهما عام 1968 وبقي في منصبه حتى عام 1975. أسّس خلال هذه الفترة مجلّة «آفاق» مع لجنة رباعية، ونشر فيها مقالات لاهوتية روحية، أدّت إلى نشوب أزمة بينه وبين البطريرك والسينودس في آب 1975، فتقرّر عزله عبر نقله من أبرشية بيروت إلى أبرشية «أضنا» الفخرية. لكنّ تقرير الفاتيكان أقرّ ببراءته من كلّ انحرافٍ لاهوتي نُسب إليه.
تولّى مناصبَ كهنوتية عدة قبل اعتكافه عام 1992، وأسّس عام 2000 مع مجموعة من المناضلين العلمانيين «تيار المجتمع المدني» وهو حركة سياسية مجتمعية علمانية تسعى لبناء مجتمع الإنسان، «كلّ إنسان وكلّ الإنسان». أصدر كتباً عديدة أبرزها: العلمانية الشاملة، تحرير المسيح والإنسان، المسيحية والمرأة، تأمّلات روحية، البابا ولبنان».
معاقبة حداد
أمّا على الصعيد الاجتماعي، فتاريخه حافل بالمساعدات والعطاء، فأسّس في العام 1957 «الحركة الاجتماعية»، التي حازت الرخصة عام 1961 وتألّفت لجنة تأسيسها من شبّان وشابات ينتمون الى مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية في لبنان.
«الحركة الاجتماعية» منظّمة غير حكومية، طوعية، لا حزبية، لاعقائدية، تعمل في ضوء الدراسات والأبحاث في الحقول الاجتماعية، كما أنها تعمل بالتنسيق مع الدوائر الحكومية، وتسعى بعمل جماعي متكامل إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
عَمَل غريغوار حداد في الحقل الاجتماعي، انفتاحه على المسلمين والدين الاسلامي، تضامنه مع القضية الفلسطينية، تخلّيه عن المظاهر الكهنوتية المسيحية، مناداته بالعلمانية، شطب طائفته عن هويته... عوامل أدّت إلى اطلاق الناس عليه اسم «المطران الأحمر» و«مطران الفقراء».
اتهمه البعض بالكفر، ورجمه بالحجارة اللفظية بسبب مواقفه وآرائه. وبعد تهديدات عدّة، تعرّض لحادث اعتداء مساء 14 حزيران عام 2002 أمام مبنى تلفزيون «تيلي لوميار»، على يد شاب مسيحي متعصّب أراد أن يعاقب المطران «المحروم».
لكن لماذا أراد هذا الشاب معاقبة غريغوار حداد؟ وما سبب اتهام البعض لحداد بمسّه بالمبادئ المسيحية الكَنَسية، بالشيوعية، بالأسلمة وغيرها؟
«كلّكم أخوة»
تقرأ وتسمع عنه، أنه عاش فقيراً يعمل من أجل الإنسان، كلّ إنسان. يرفض لقب السيد المطران أو الأب. ألم يقل المسيح «لا تدعوا لكم على الارض أحداً سيّداً، ولا معلّماً ولا أباً، لأنكم كلّكم أخوة»؟ لم يتزيّن بصلبانٍ من ذهب بل حمل صليب المسيح، صليب الإنسان الفقير والمحتاج والمريض والحزين... لم يجلس أو يُدع إلى الموائد الغنيّة بل أكل حاجته اليومية من أفقر الأنواع، فكيف يكون قد شذّ بذلك عن تعاليم المسيح؟
ألم يولد المسيح في مذودٍ؟ ألم يكتفِ بارتداء ثوب متواضع مثل قلبه؟ ألم يجل بين الناس مساعِداً، فاتحاً يديه وقلبه لأيّ إنسان، لكلّ انسان؟ ألم يعلّم أتباعه الصلاة التي يردّدها المسيحيون اليوم بعد 2015 سنة على مجيئه، «أعطنا خبزنا كفاف يومنا»؟
الاشتراكي الأول في التاريخ، هو يسوع المسيح، الذي رفض المتاجرة بالإنسان، الذي رفض الطبقية والتفرقة، وقال «إن أردتَ أن تكون كاملاً، فاذهب وبع أملاكك، واعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني»، الذي توجّه إلى تلامذته قائلاً «الحقّ أقول لكم أنه يعسر أن يدخل غنيٌّ إلى ملكوت السماوات. وأقول لكم أيضاً أنّ مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيٌّ إلى ملكوت الله».
كما أنّ «الإشتراكية المسيحية» وُجدت عبر التاريخ في أوروبا وكان رجال الدين المسيحيون من مؤسسي هذا الفكر المبني على تعاليم المسيح. فهل تصبح اتهاماً إن استثمرها البعض وحوّلها إلى نهج وعقيدة سياسية، وشوّهها؟
أمّا تشبّثه بالعلمانية والمناداة بإلغاء الطائفية السياسية، أليست منبثقة من صلب الإنجيل وأقوال المسيح؟ ألم يقل المسيح «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله» وبالتالي بفصل الدين عن الحكم والدولة بأيّ شكلٍ من الأشكال؟
«لا إله إلّا الله»
في زمن تفشِّي التطرّف والتطرّف المضاد، الكره والكره المُواجِه، نفقد إنساناً استطاع أن يكون «على صورة الله ومثاله». انفتح على الدين الإسلامي مُبدياً رأيه فيه بعمقٍ روحيّ إنساني متخطياً حدود الخوف من الآخر.
قال الشهادة في إحدى المرات «أشهد أنْ لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول الله»، وألا يؤمن كلّ مسيحي بإله واحدٍ؟ وألا يؤمن المسيحي بأنّ للّه رسلاً على الأرض؟ إلّا أنه اعتبر أنّه عندما يميّز المسلم بين الدين والمجتمع، يصبح مسيحياً، وأنّه يجب أن يتغيّر الإسلام كي يصبح إيماناً وليس ديناً، فالإيمان بالله مطلق إنما الأديان نسبيّة.
حذّر يسوع المسيح ممّن سيعظون الناس بإسمه مطبّقين عكس ما يقولون، فقال «اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم». أما غريغوار حداد فنتعلّم منه قولاً وفعلاً. انتقل إلى «أبيه الوحيد» تاركاً ثوباً يناسب مقاسَ «كلّ إنسان»، وثروةً من محبة وسعادة تكفي جميع الناس. رحل فارغ الجيب، مممتلئاً بفرح العطاء.
رداؤه «الانسان»
غريغوار حداد المطران السابق لطائفة الروم الكاثوليك هو نخلة أمين حداد الذي وُلد عام 1924 في سوق الغرب، درس الفلسفة واللاهوت متعمّقاً في الأفكار المسيحية الأساسية، بانياً عليها طريقة تفكيره ونمط عيشه.
شكّل المطران الذي خلع عنه كلّ الألقاب والمظاهر المادية، مرتدياً «إنسانيّته» فقط، موضوع سجال وجدل في الأوساط المسيحية الدينية والمدنية، بعد بروز أفكاره وكتاباته التجديدية في مجلته «آفاق».
إنتخبه سينودس الروم الكاثوليك مطراناً على أبرشية بيروت وجبيل وتوابعهما عام 1968 وبقي في منصبه حتى عام 1975. أسّس خلال هذه الفترة مجلّة «آفاق» مع لجنة رباعية، ونشر فيها مقالات لاهوتية روحية، أدّت إلى نشوب أزمة بينه وبين البطريرك والسينودس في آب 1975، فتقرّر عزله عبر نقله من أبرشية بيروت إلى أبرشية «أضنا» الفخرية. لكنّ تقرير الفاتيكان أقرّ ببراءته من كلّ انحرافٍ لاهوتي نُسب إليه.
تولّى مناصبَ كهنوتية عدة قبل اعتكافه عام 1992، وأسّس عام 2000 مع مجموعة من المناضلين العلمانيين «تيار المجتمع المدني» وهو حركة سياسية مجتمعية علمانية تسعى لبناء مجتمع الإنسان، «كلّ إنسان وكلّ الإنسان». أصدر كتباً عديدة أبرزها: العلمانية الشاملة، تحرير المسيح والإنسان، المسيحية والمرأة، تأمّلات روحية، البابا ولبنان».
معاقبة حداد
أمّا على الصعيد الاجتماعي، فتاريخه حافل بالمساعدات والعطاء، فأسّس في العام 1957 «الحركة الاجتماعية»، التي حازت الرخصة عام 1961 وتألّفت لجنة تأسيسها من شبّان وشابات ينتمون الى مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية في لبنان.
«الحركة الاجتماعية» منظّمة غير حكومية، طوعية، لا حزبية، لاعقائدية، تعمل في ضوء الدراسات والأبحاث في الحقول الاجتماعية، كما أنها تعمل بالتنسيق مع الدوائر الحكومية، وتسعى بعمل جماعي متكامل إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
عَمَل غريغوار حداد في الحقل الاجتماعي، انفتاحه على المسلمين والدين الاسلامي، تضامنه مع القضية الفلسطينية، تخلّيه عن المظاهر الكهنوتية المسيحية، مناداته بالعلمانية، شطب طائفته عن هويته... عوامل أدّت إلى اطلاق الناس عليه اسم «المطران الأحمر» و«مطران الفقراء».
اتهمه البعض بالكفر، ورجمه بالحجارة اللفظية بسبب مواقفه وآرائه. وبعد تهديدات عدّة، تعرّض لحادث اعتداء مساء 14 حزيران عام 2002 أمام مبنى تلفزيون «تيلي لوميار»، على يد شاب مسيحي متعصّب أراد أن يعاقب المطران «المحروم».
لكن لماذا أراد هذا الشاب معاقبة غريغوار حداد؟ وما سبب اتهام البعض لحداد بمسّه بالمبادئ المسيحية الكَنَسية، بالشيوعية، بالأسلمة وغيرها؟
«كلّكم أخوة»
تقرأ وتسمع عنه، أنه عاش فقيراً يعمل من أجل الإنسان، كلّ إنسان. يرفض لقب السيد المطران أو الأب. ألم يقل المسيح «لا تدعوا لكم على الارض أحداً سيّداً، ولا معلّماً ولا أباً، لأنكم كلّكم أخوة»؟ لم يتزيّن بصلبانٍ من ذهب بل حمل صليب المسيح، صليب الإنسان الفقير والمحتاج والمريض والحزين... لم يجلس أو يُدع إلى الموائد الغنيّة بل أكل حاجته اليومية من أفقر الأنواع، فكيف يكون قد شذّ بذلك عن تعاليم المسيح؟
ألم يولد المسيح في مذودٍ؟ ألم يكتفِ بارتداء ثوب متواضع مثل قلبه؟ ألم يجل بين الناس مساعِداً، فاتحاً يديه وقلبه لأيّ إنسان، لكلّ انسان؟ ألم يعلّم أتباعه الصلاة التي يردّدها المسيحيون اليوم بعد 2015 سنة على مجيئه، «أعطنا خبزنا كفاف يومنا»؟
الاشتراكي الأول في التاريخ، هو يسوع المسيح، الذي رفض المتاجرة بالإنسان، الذي رفض الطبقية والتفرقة، وقال «إن أردتَ أن تكون كاملاً، فاذهب وبع أملاكك، واعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني»، الذي توجّه إلى تلامذته قائلاً «الحقّ أقول لكم أنه يعسر أن يدخل غنيٌّ إلى ملكوت السماوات. وأقول لكم أيضاً أنّ مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيٌّ إلى ملكوت الله».
كما أنّ «الإشتراكية المسيحية» وُجدت عبر التاريخ في أوروبا وكان رجال الدين المسيحيون من مؤسسي هذا الفكر المبني على تعاليم المسيح. فهل تصبح اتهاماً إن استثمرها البعض وحوّلها إلى نهج وعقيدة سياسية، وشوّهها؟
أمّا تشبّثه بالعلمانية والمناداة بإلغاء الطائفية السياسية، أليست منبثقة من صلب الإنجيل وأقوال المسيح؟ ألم يقل المسيح «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله» وبالتالي بفصل الدين عن الحكم والدولة بأيّ شكلٍ من الأشكال؟
«لا إله إلّا الله»
في زمن تفشِّي التطرّف والتطرّف المضاد، الكره والكره المُواجِه، نفقد إنساناً استطاع أن يكون «على صورة الله ومثاله». انفتح على الدين الإسلامي مُبدياً رأيه فيه بعمقٍ روحيّ إنساني متخطياً حدود الخوف من الآخر.
قال الشهادة في إحدى المرات «أشهد أنْ لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول الله»، وألا يؤمن كلّ مسيحي بإله واحدٍ؟ وألا يؤمن المسيحي بأنّ للّه رسلاً على الأرض؟ إلّا أنه اعتبر أنّه عندما يميّز المسلم بين الدين والمجتمع، يصبح مسيحياً، وأنّه يجب أن يتغيّر الإسلام كي يصبح إيماناً وليس ديناً، فالإيمان بالله مطلق إنما الأديان نسبيّة.
حذّر يسوع المسيح ممّن سيعظون الناس بإسمه مطبّقين عكس ما يقولون، فقال «اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم». أما غريغوار حداد فنتعلّم منه قولاً وفعلاً. انتقل إلى «أبيه الوحيد» تاركاً ثوباً يناسب مقاسَ «كلّ إنسان»، وثروةً من محبة وسعادة تكفي جميع الناس. رحل فارغ الجيب، مممتلئاً بفرح العطاء.
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
06:52
بري يقود الشيعة إلى «أفضل الممكن»
1
06:39
"الميكانيزم" في لقائها المدني الثاني: بداية الجديّة وتراجع الغوغائيّة
2
06:33
نحو مجْمعٍ وطني لحماية وجود لبنان
3
07:37
رئيس الوزراء الايرلندي في بيروت
4
12:19
وفاة الممثل اللبناني وليد العلايلي عن 65 عاماً
5
Dec 19
خلاصة "الجمهورية": خطة لإنصاف المودعين.. الودائع ما دون 100 ألف دولار ستعود كاملة
6
08:57
ترامب: عمليّة "عين الصقر" ضدّ "داعش" ناجحة جداً
7
06:21
مانشيت: «الميكانيزم»: تقدّم المسارَين الأمني والسياسي ضروري وعون: الأولوية لعودة الأهالي... ودعم مصري متجدّد
8