«عتبة الباب»... بلاغة حرب خُطَّت على أوراق الخوف
«عتبة الباب»... بلاغة حرب خُطَّت على أوراق الخوف
اخبار مباشرة
ميريام سلامة


عندما تدقّ الحرب باب الحياة، توصَد المخارج. نُحتجز داخل أنفسنا، وتُقيّد أرجلنا فلا نقوى على الحركة. الحرب غير مرحّب بها عندنا، والخروج من دوّامتها مستحيل. تقف على الباب منتظرةً أن نفتح لها، لتنقضّ على أجسادنا وتنهشها بوحشية، ولتعتدي على أرواحنا وتؤرق سباتنا الهانئ. لا تيأس الحرب، فقد تقف أياماً وأشهراً وسنوات وهي تدقّ الباب من دون توقّف. الحرب السورية ما زالت تطرق أبواب الحياة، فليس هناك من مواطن يفتح لها ولا أمّ ولا زوجة ولا إنسان يستجيب لها. فاخترقت الباب بلا استئذان، وطردت الأرواح من مواطنها، مُجبرةً إيّاها على اجتياز «عتبة الباب».
كثيرةٌ روايات الحروب والمعارك، التي تسردها ألسنة الأجداد وتخطّها أقلام الروائيين. بعضها تأريخ لأحداث، وبعضها الآخر وصف لشخصيات، ولكن في «عتبة الباب» تُمسك الكاتبة السورية سندس برهوم بيدنا فنعبر معها حدود الخوف مُكتشفين، في صفحات قليلة، خوفاً لم نذق طعمه يوماً وقلقاً لا تشعر به إلّا أمهات العالم. نخترق نفوس الشخصيات، وتمتزج مشاعرنا بأحاسيسهم وفِكرهم، فنكتسي بحيواتهم ونعيش لحظاتهم، مُختبرين الحرب السورية وهَول معاركها.
عن دار هاشيت - أنطوان، نشرت برهوم روايتها الأولى «عتبة الباب»، فأيقظت داخل نفوس الأجيال القديمة مشاعر الخوف المدفونة في دهاليز الماضي السحيق، وخلقت لدى الأجيال الجديدة الخوف من منظار مُختلف وعلى مستوى أعمق.
حفرت الكاتبة في عمق الوجع، في عمق الألم، والمعاناة في ظل الحرب المحتدمة في سوريا، مُستخرجة من قلوب القرّاء تأوّهات حقيقية عن حرب لم يعيشوها يوماً. تطرح الأسئلة التي تؤرق كل سوري لم ينغمس في وحل هذه الحرب. لعلها تحفر عميقاً بحثاً عن مخرج، حالها حال جميع الأمهات الباحثات عن وسيلة لحماية أطفالهنّ.
هي قصة لور، الأم، الزوجة والمرأة السورية التي نبشَت من قعر كيانها القوّة لتسلّح أولادها بها. تحدّت قلقها ونفسها الضعيفة لتنتصر الأمومة وتكون السند لأطفالها الصغار الذين لم ولن يفهموا قريباً لماذا اختار ابن وطنهم أن يَشهر البندقية في وجههم، أو كيف يخطر في بال إنسان إنهاء حياة إنسان آخر، لا يختلف عنه بشيء.
«في الحقيقة، لم أكن أودّ إخباره أنّ هناك أناساً يقفون في الطرقات ويصطادون أشخاصاً معيّنين ويذبحونهم ويقطّعونهم، وأننا لا نستطيع السفر على طرقات بلادنا وفي أي وقت نشاء، لم أكن أريد إخباره بأنّ الجيش الذي تدرّب لسنوات طويلة ليحارب على جبهات وطنه اكتشف أنّ عدوّه أمامه، التقى به وجهاً لوجه أمام باب بيته فصدّق أنّ معركته هنا، ولعب الحرب بكل جوارحه وأسقط شهداء يزفّهم أناساً ويبصق عليهم آخرون». (ص 14)
عرفت برهوم كيف تُدخل القارئ ساحة المعركة، مُستخدمةً تعابير موجعة وكلمات قوية، يتخيّل القارئ من خلالها الأشلاء البشرية على الطرقات ويسمع دوي الانفجارات والقنابل، فتقول: «أناشد الله أن تنتهي الحرب قبل أن يكبر كريم، تنتابني الأفكار السوداء حول وجع الإصابة بالرصاص، أو الحرق في دبابة مغلقة، أو الخطف والتعذيب الذي سيناله قبل موته، لا أعتقد أني سأغرّد إذا عاد إليّ في صندوق على أكتاف رفاقه» (ص 55).
ومن بين هذه المآسي كلّها، أوجدَت برهوم من خلال لور الأمل والبحث عن أسباب الحياة المُنبثقة من تحت رماد الموت والفراغ الذي كلّما انفجرت عبوّة على أرض الوطن كُلّما اتّسعت رقعته في نفسها، ليحتلّ كيانها كلّه.
حينها فقط، تخلق لور الأسباب التي تدفعها إلى الحياة وعندها فقط تطرح تساؤلات عن أمل المستقبل: «كيف سأعيش إذا قصفت الحرب عمر طفلي؟ إذا لم أكمل رسالتي وأزفّه إلى عروسه، وأنتظر أطفاله، وأراه يشيخ قليلاً أمام عينيّ؟» (ص 55).
«إنها المغامرة الوحيدة التي لم نقرّر يوماً خوضها بل فُرضت علينا ووضعتنا أمام الموت وجهاً لوجه» (ص 11). هكذا تحاول سندس برهوم في روايتها «عتبة الباب» وصف الحرب، في كلّ فرصة تُسنح لها.
«الحرب تقصف أعمار الشباب، تمزّق رسائل العشّاق، تلوّن ثيابنا بالسواد وتزرع البؤس في كل البيوت» (ص 55). عرّفت الحرب بطرق مختلفة وكثيرة لتفهم في النهاية أن لا مخرج منها، ستظلّ تعيش الفراغ القاتل في داخلها، الذي سيمزّقها وينهش حياتها.
«سأقذف الفراغ اللعين من جوفي هنا وأهرب، لن يستطيع اللحاق بي، فهناك لن أخاف، هناك كل شيء سيكون جيداً... افتقدتُ أنا والسوريين التحدّث عن الغد» (ص 82). شاسع هو ذلك الحاجز الذي يفصل بين عالمين، وثقيلة تلك الخطوة اللازمة لاجتيازه. تُلملم لور خطاها، تعضّ على الألم وتنتصب كالرمح، كما فعلت طوال السنوات الأربع الماضية. خطوة واحدة وينتهي كلّ شيء.
الحياة هنا باتت مستحيلة. سترحل تاركةً في ذاكرتها صور أطفال نائمين لن يستيقظوا، وبيوتاً لم يبقَ فيها حجر على حجر. ستترك وحشة حياة لم تعد كما كانت، وستمضي. ليس عليها سوى اجتياز العتبة. فقط اجتياز العتبة.
عن دار هاشيت - أنطوان، نشرت برهوم روايتها الأولى «عتبة الباب»، فأيقظت داخل نفوس الأجيال القديمة مشاعر الخوف المدفونة في دهاليز الماضي السحيق، وخلقت لدى الأجيال الجديدة الخوف من منظار مُختلف وعلى مستوى أعمق.
حفرت الكاتبة في عمق الوجع، في عمق الألم، والمعاناة في ظل الحرب المحتدمة في سوريا، مُستخرجة من قلوب القرّاء تأوّهات حقيقية عن حرب لم يعيشوها يوماً. تطرح الأسئلة التي تؤرق كل سوري لم ينغمس في وحل هذه الحرب. لعلها تحفر عميقاً بحثاً عن مخرج، حالها حال جميع الأمهات الباحثات عن وسيلة لحماية أطفالهنّ.
هي قصة لور، الأم، الزوجة والمرأة السورية التي نبشَت من قعر كيانها القوّة لتسلّح أولادها بها. تحدّت قلقها ونفسها الضعيفة لتنتصر الأمومة وتكون السند لأطفالها الصغار الذين لم ولن يفهموا قريباً لماذا اختار ابن وطنهم أن يَشهر البندقية في وجههم، أو كيف يخطر في بال إنسان إنهاء حياة إنسان آخر، لا يختلف عنه بشيء.
«في الحقيقة، لم أكن أودّ إخباره أنّ هناك أناساً يقفون في الطرقات ويصطادون أشخاصاً معيّنين ويذبحونهم ويقطّعونهم، وأننا لا نستطيع السفر على طرقات بلادنا وفي أي وقت نشاء، لم أكن أريد إخباره بأنّ الجيش الذي تدرّب لسنوات طويلة ليحارب على جبهات وطنه اكتشف أنّ عدوّه أمامه، التقى به وجهاً لوجه أمام باب بيته فصدّق أنّ معركته هنا، ولعب الحرب بكل جوارحه وأسقط شهداء يزفّهم أناساً ويبصق عليهم آخرون». (ص 14)
عرفت برهوم كيف تُدخل القارئ ساحة المعركة، مُستخدمةً تعابير موجعة وكلمات قوية، يتخيّل القارئ من خلالها الأشلاء البشرية على الطرقات ويسمع دوي الانفجارات والقنابل، فتقول: «أناشد الله أن تنتهي الحرب قبل أن يكبر كريم، تنتابني الأفكار السوداء حول وجع الإصابة بالرصاص، أو الحرق في دبابة مغلقة، أو الخطف والتعذيب الذي سيناله قبل موته، لا أعتقد أني سأغرّد إذا عاد إليّ في صندوق على أكتاف رفاقه» (ص 55).
ومن بين هذه المآسي كلّها، أوجدَت برهوم من خلال لور الأمل والبحث عن أسباب الحياة المُنبثقة من تحت رماد الموت والفراغ الذي كلّما انفجرت عبوّة على أرض الوطن كُلّما اتّسعت رقعته في نفسها، ليحتلّ كيانها كلّه.
حينها فقط، تخلق لور الأسباب التي تدفعها إلى الحياة وعندها فقط تطرح تساؤلات عن أمل المستقبل: «كيف سأعيش إذا قصفت الحرب عمر طفلي؟ إذا لم أكمل رسالتي وأزفّه إلى عروسه، وأنتظر أطفاله، وأراه يشيخ قليلاً أمام عينيّ؟» (ص 55).
«إنها المغامرة الوحيدة التي لم نقرّر يوماً خوضها بل فُرضت علينا ووضعتنا أمام الموت وجهاً لوجه» (ص 11). هكذا تحاول سندس برهوم في روايتها «عتبة الباب» وصف الحرب، في كلّ فرصة تُسنح لها.
«الحرب تقصف أعمار الشباب، تمزّق رسائل العشّاق، تلوّن ثيابنا بالسواد وتزرع البؤس في كل البيوت» (ص 55). عرّفت الحرب بطرق مختلفة وكثيرة لتفهم في النهاية أن لا مخرج منها، ستظلّ تعيش الفراغ القاتل في داخلها، الذي سيمزّقها وينهش حياتها.
«سأقذف الفراغ اللعين من جوفي هنا وأهرب، لن يستطيع اللحاق بي، فهناك لن أخاف، هناك كل شيء سيكون جيداً... افتقدتُ أنا والسوريين التحدّث عن الغد» (ص 82). شاسع هو ذلك الحاجز الذي يفصل بين عالمين، وثقيلة تلك الخطوة اللازمة لاجتيازه. تُلملم لور خطاها، تعضّ على الألم وتنتصب كالرمح، كما فعلت طوال السنوات الأربع الماضية. خطوة واحدة وينتهي كلّ شيء.
الحياة هنا باتت مستحيلة. سترحل تاركةً في ذاكرتها صور أطفال نائمين لن يستيقظوا، وبيوتاً لم يبقَ فيها حجر على حجر. ستترك وحشة حياة لم تعد كما كانت، وستمضي. ليس عليها سوى اجتياز العتبة. فقط اجتياز العتبة.
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
09:03
للحدّ من مُمارسات "الحزب".. أميركا تدلي برأيها في اختيار "حاكم المركزي الجديد"!

1
09:52
زياداتُ رواتب الموظفين والمعلمين للعام 2025... "وزارة التربية" توضح!

2
08:17
عدوانٌ إسرائيليّ جديد... استشهاد مواطن وجرح آخر في بلدة ياطر

3
Mar 15
الخطة الهادئة لإدخال «الحزب» في التسوية

4
Mar 16
الغارات تجدّدت على مواقع عسكرية للحوثيين... 31 قتيلاً بـ"ضربات أميركية"

5
Mar 16
الأنظار نحو كلمة جنبلاط اليوم.. رسائلٌ للداخل والخارج

6
Mar 16
اللاذقية.. حصيلةٌ جديدة لضحايا انفجار الصاروخ من مخلّفات الحرب

7
Mar 16
روبيو أبلغ نظيره الروسيّ بشأن الضربات الأميركية ضد الحوثيين

8
