«Alt-J»... موهبة من دون تجميل تَختتم «مهرجانات بيبلوس»
«Alt-J»... موهبة من دون تجميل تَختتم «مهرجانات بيبلوس»
اخبار مباشرة
ميريام سلامة
جريدة الجمهورية
Friday, 21-Aug-2015 00:22
هو الحفل الذي انتظرَه الشباب والأجانب في لبنان، والحفل الذي أقفَلت من خلاله مهرجانات بيبلوس الدولية بوّابة صيف 2015، مخَبِّئةً المفتاحَ لوهلةٍ تحضيراً للعام المقبل. حفلٌ ضخم غيرُ لبناني خَتَم سلسلة الحفلات التي، على رغم غياب الطابع اللبناني عن أغلبيتها، إلّا أنّها زَيَّنَت بلدَنا الصغير حبّاً للحياة وأملاً بمستقبل ثقافي باهر. Alt-J، الفِرقة البريطانية كانت آخِرَ مَن اعتلى مسرح بيبلوس 2015، موَضِّبةً في الإطلالة الأخيرة أمام القلعة الأثرية الجبَيلية، مآسي 2015 و»نفاياتها».
مرَّت مهرجانات بيبلوس هذا العام بهدوء من دون افتتاح لبناني ضخم أو اختتام أضخم. قد نَعتب على اللجنة الفنّية لعدمِ اختيارها في برنامج هذا الصيف أصواتاً لبنانية تجذب الجمهور اللبناني قبل الأجنبي، ولكن سرعان ما يشغلُ ذهنَنا سؤالٌ يردّ على عتبنا هذا؛ أين هي تلك الأصوات اللبنانية المحترفة التي ستشفي غليلَ الثقافة الوطنية؟ فنّانو لبنان قليلون، وبرنامج مهرجانات بيبلوس اليوم، ليس سوى انعكاس لحال الفنّ، الذي يوماً بعد يوم يتّجِه نحو التجارة والأموال والمظاهر، متناسياً الهدف السامي للموسيقى.

استعاضَت لجنة المهرجانات عن الفنّ اللبناني «الهابط» بفِرَق أجنبية عالمية، كلّ منها له جمهوره الخاص، وتنَوَّعَت بين الكلاسيك، الروك، البوب، الجاز، الأوبرا، الموسيقى اللاتينية وغيرها، فكان الجمهور قليلاً في أغلبيتها، وكأنّ اللجنة انتقَت الجماهير بدِقّة في كلّ حفل. وكانت آخرَ الحفلات لفرقة Alt-J البريطانية التي استطاعَت في سنتَين إحرازَ النجاحات الكبيرة عالمياً، متفوّقةً على أبرز الفرَق الأخرى.

وقبل أن تعتلي Alt-J المسرح، كان لفرقة Who Killed Bruce Lee اللبنانية عرض افتتاحي، غَنَّت خلاله أبرز أغنياتها التي ألهبَت الجمهور المحبّ للروك تحضيراً للفرقة البريطانية. وقبل انتهاء العرض الافتتاحي أعلنَ المغنّي الأساسي في الفرقة اللبنانية انتقالَها إلى خارج لبنان لتوسيع أعمالها والانتشار عالمياً.

وبعد نصفِ ساعة من التحضير التقني بين Who Killed Bruce وAlt-J، اعتلى الموسيقيون الأربعة خشبة مسرح بيبلوس على وقعِ هتافات وصراخ الجمهور الذي بدأ يتوافد من كلّ المناطق قبَيل ساعات على بدء الحفل.

وما إنْ بدأت الأغنية الأولى حتى خَفتت الأضواء لتستمرّ على هذا الحال، خلال الحفل كلّه. لا معالم وجوه للموسيقيين ولا نور سوى الضوء الأزرق القاتم، لا سمات شخصية غير إحساس المغنّي المتمثل بنبرة صوته الهادئة وعزف الموسيقيين، حيث تدَفّق الإحساس الداخلي الكياني. فلا يظهر إلّا أصحاب الأصوات والموهبة موسيقية فقط.

لا إضاءة على وجوههم ولا مجال للتعرّف إليهم إلّا مِن خلال أصواتهم وعَزفِهم. وكم نحتاج إلى حجبِ النظر حاليّاً عن المظاهر المصطنَعة لنستمعَ أكثر إلى الموهبة والإبداع فقط من دون تجميل.

تمكّنَت هذه الفرقة البريطانية المؤلّفة من أربعة أعضاء من عزفِ الروك البديل الذي روى تعَطّشَ الجمهور لهذا الحفل المنتظَر منذ لحظة إعلانه. وغنّوا أشهر أغنياتهم من الألبومَين الصادرَين عامَي 2012 و2014 مثل Matilda، Hunger of the pine، Breezeblocks، وغيرها من الأغاني التي ردّدَها الجمهور مع المغنّي الذي تتميّز خامة صوته بالفرادة، والذي يعيش الأغنية إلى أبعد حدود فيتغيّر صوته وفق كلّ شعور وإحساس.

ويظهر الانسجام بين أعضاء الفرقة في كلّ نوتة تُعزَف وفي كلّ نغمة تتصاعد من الموهبة الفريدة لهم، فقد تشَكّلَت الفرقة عندما التقى جو نيومان المغني وعازف الغيتار بغويل ساينسبوري عازف الغيتار والباس، وغاس أونغر هاميلتون عازف الأرغن، وطوم غرين عازف الطبل في جامعة ليدز عام 2007 في بريطانيا. ويَنبثق النوع الموسيقي الذي يعزفونه من واقع أنّهم يعيشون في مساكن للطلّاب حيث يجب إبقاء الصوت منخفضاً لعدم إزعاج الآخرين.

لم يكن حفل Alt-J اختتاماً لمهرجانات بيبلوس الدولية بل جاءَ افتتاحاً لتلقّي الموسيقى الغربية بكلّ تموُّجاتها وعصريتها داخل قلوبنا ونفوسنا المتمايلة مع نسمات صيف جبَيل وتموّجات بحرها. وقد لا نفهم ما هو المميّز في أغنياتهم أو ما هي الفرادة فيها، ولكنّ تجانسَ الموسيقى والأصوات أرسَلنا بعيداً إلى عوالم إبداع الموسيقى الغربية.
theme::common.loader_icon