هبة طوجي «تثور» بين الشرقي والغربي في «بيبلوس»
هبة طوجي «تثور» بين الشرقي والغربي في «بيبلوس»
اخبار مباشرة
ميريام سلامة
جريدة الجمهورية
Monday, 10-Aug-2015 00:06
لم نتوقّع أثناء توجّهنا إلى مدينة جبيل تلك الليلة، إذا كنّا سنشاهد حفلاً موسيقياً لـ هبة طوجي الشرقية أم الغربية. فبعد تثبيت قدراتها الصوتية في اللغة الأجنبية ضمن برنامج «The Voice» فرنسا، ومشاركتها في الجولة العالمية معهم متوقفةً في لبنان «مشاركة عادية» مثل جميع المشاركين، تشوّق جمهورها لمشاهدتها في مهرجانات بيبلوس، حيث ستملأ المسرح وحدها مع أسامة الرحباني، لتثبت مرّة أخرى أنها نجمة لبنانية قبل أن تكون عالمية.
في عرض أخرجه مروان الرحباني ومع أوركسترا قادها أسامة الرحباني، أطَلّت هبة طوجي، صاحبة الصوت القوي والمتقن، على مسرح مهرجانات بيبلوس الدولية، واعدةً جمهورها بحفل يؤكّد نجوميتها الشرقية قبل الغربية.

روح ثوروية

قبل بدء الحفل، عَلت الدردشات بين محبّي هبة: «صوتها بالأغاني العربية أجمل»، «لم تظهر طاقاتها في «The Voice»، حاملين في أيديهم برنامج الحفل المازج للأغاني العربية والغربية.

اتّخذت الفرقة الموسيقية أماكنها وجلس أسامة الرحباني خلف البيانو، ليمهّدوا إطلالة هبة التي افتتحت الحفل بأغنية «ماشية وما بعرف لوين»، واقفةً على الدرج وسط المسرح، مرتدية ثياباً برّاقة، تتناسب مع خلفية المسرح الملوّنة بالنجوم، فبدت وكأنها في الفضاء، تنتمي إلى نجوم السماء التي توحّدت مع نجوم الأرض في جوّ بيبلوس الساحر.

موسيقى أسامة أعادتنا إلى زمن الرحابنة العظيم، بألحانها الرومانسية حيناً، والثورية حيناً آخر. عزفٌ مُتقن وأوركسترا متناسقة أدارها أسامة الرحباني بإحساس عال نقل الجمهور إلى مسرحيات الرحابنة الجميلة، حيث رسائل الحياة والانتماء إلى الوطن وأرضه تخرق القلوب مؤجّجة روح الثورة داخلنا.

وكأنّ اللبناني بحاجة إلى هذا التحفيز لينتفض، فمع كلّ أغنية وطنية داعية إلى الانتفاض تقفز قلوب الجمهور من أجسادهم، مستعدةً للهجوم، للتحرّر من هذا النظام المهترئ. أمّا صوت طوجي، فهو الداعي الأكبر إلى الثورة، بقوّته وكماله، حيث كل من يسمعه يتسلّح فنّاً ويدخل معترك الحياة على جبهة الثقافة والفنّ الجميل الهادف.

رقص ورومانسية

لم تتوقف الثورة طوال الحفل، لكن بين صرخات هبة الداعية إلى الحرية في «لازم غَيّر النظام» والإحساس الفائض من أوتار صوتها الملائكي في «Ne me quitte pas»، احترنا في أيّ لون صوتها أجمل. تعيش هبة الدور في أغانيها إلى أقصى الحدود، لتعطي الصورة المناسبة والمشهد الدقيق الذي رسمه مروان الرحباني من خلال اللوحات الراقصة، تحرّك طوجي على المسرح، اللباس المناسب لكلّ أغنية ولون.

حتى في سكون صوتها قوية، فأثبتت في الأغاني الرومانسية الهادئة أنّ الصوت القوي ليس فقط في الطبقات العالية بل في سكون الأغاني. فصدى صوتها دوّى في النفوس وارتفع هدوءاً في فضاء الأحاسيس.

حفل رحباني بامتياز

الحفل الرحباني بامتياز تألّق بالعمل المشترك بين آل رحباني جميعهم، ففي كلّ أغنية نسافر على متن الكلمات والمعاني التي كتبها غدي الرحباني إلى أحداث الأغنية. يسرد لنا غدي قصص المجتمع وويلات الحرب ومآسي الحياة. فنشعر وكأننا شخصيات القصة تتقاذفها الأزمنة من شارع إلى آخر ليحطّ بنا صوت هبة على برّ الأمان.

وقبل انتهاء الفصل الأول من الحفل، غَنّت هبة ميدلي أغاني وطنية لمنصور الرحباني، حيث وقف الجمهور مصفقاً وممتلئاً عنفواناً على أنغام أغنيات «وحياة اللي راحوا» متذكّرين شهداء الوطن الذي دفعوا دماءهم خلاصاً للبنانيين، و»لمعت أبواق الثورة» حيث شعرنا بضرورة الانتفاضة والتغيير.

وعادت هبة في الفصل الثاني بـ ديو مع أم كلثوم، وغَنّتا «إنت عمري»، هبة من على مسرح «بيبلوس» وأم كلثوم من على مسرح الحياة، ليتوحّد الصوتان ويطوفان في الهواء الصيفي الجُبيلي. وفجأة يختلف المشهد، من «إنت عمري» إلى «Crazy in Love» لـ بيونسيه، وتتغيّر شخصية هبة من الشرقية إلى الغربية.

وللأجنبي حصّة

وكان لجيلبير جلخ مشاركة في الحفل في أغنية «أطيشي»، حيث رقص جلخ الدبكة مع أسامة الرحباني الذي في كل أغنية وطنية وقف عن كرسي البيانو ورقص، راسماً البسمة على وجوه الحضور.

اختتمت هبة حفلها بأغنية «Désert Rose» التي أبدعت فيها إلى جانب الأغاني الأجنبية كلّها، فيتساءل المرء لمَ لَم تغني هذه الأغنيات في «ذو فويس». «Ne me quitte pas»، «Where have you been»، «Crazy in Love»، «I have nothing»، «Desert Rose» هي التي ظهر صوتها فيها أجمل من الأغنيات الشرقية، لأنها قريبة أكثر من أسلوبها وشخصيتها. فمن المؤكّد أنه لو غنّتها لكانت فازت بلقب «ذو فويس» فرنسا.

بأيّ لون بَرعت؟

خرجنا من الحفل وفي بالنا تساؤلات كثيرة، خصوصاً من بعد الأغنية الأخيرة التي غنّتها من بعد هتافات الجمهور بعودتها إلى المسرح لتقدّم أغنية إضافية، فغنّت «I can’t explain» لراشيل فاريل التي تعتمد على الارتجال في الغناء.

وفي تلك اللحظة، ظهر جمال صوت هبة والتقنية العالية والمحترفة التي تغنّي بها، وقد يكون صوتها في زمننا هذا أجمل صوت في الوطن العربي. فخرجنا وفي نفوسنا أسئلة كثيرة: هل اللون الأجنبي مناسب أكثر لهبة طوجي حيث بَدا واضحاً شغفها به في كل لوحة ورقصة ومشهد؟

أم أنّ أغنيات الثورة والوطن مناسبة أكثر، كونها تعطيها من نفسها عنفواناً وقوّةً تبرز في صوتها الذي يخترق النفوس؟ قد لا نجد الجواب عن هذه الأسئلة، ولكننا بعد حفلها في مهرجانات بيبلوس، أجبنا في داخلنا عن سؤال واحد. فقد فهمنا لماذا شاركت هبة طوجي في النسخة الفرنسية من برنامج «ذو فويس».
theme::common.loader_icon