مهرجانات الأرز الدولية بعد 50 عاماً.. وائل ألهب المسرح والسياسيون رقصوا
مهرجانات الأرز الدولية بعد 50 عاماً.. وائل ألهب المسرح والسياسيون رقصوا
اخبار مباشرة
ميريام سلامة
جريدة الجمهورية
Monday, 03-Aug-2015 00:05
من خلف شموخ جبل الأرز، أطلّ القمر مسترقاً النظر على مشهدٍ لم يره في غابة أرز لبنان منذ 50 عاماً. استرق النظر ووقف مستغرباً: هل عاد الفرح والحياة إلى بقعة الأرض هذه، بعد فترة الغياب هذه؟ لم يفهم المشهد إلى حين ضجّت المفرقعات في ليل الشمال الصافي، منافسةً نور القمر الحائر، مُعلنةً افتتاح مهرجانات الأرز الدولية من جديد. ضحك القمر حينها، ولم يعد يسترق النظر محتمياً بجبل الشموخ والقداسة، بل شعشع نوره غابة الأرز، منيراً عظمة الرب على الأرض ومهلّلاً لشعبٍ أبى الانكسار ورفض الموت متحدّياً الغدر والإرهاب، مُعلناً الانتصار من الأرز... انتصار ثورة حبّ الحياة.
ساعاتان ونصف الساعة كانت كفيلة لننفض عنّا غبار العاصمة الفائضة شوارعها نفايات واختلافات سياسية، ولتعبق نفوسنا بنسمات الشمال وروعته، فيصفو بالنا وتنقشع الرؤية في ضمائرنا: مشوارنا هذا سنصل فيه إلى الأرز الذي اختاره الله قطعةً من جنّته على الأرض. كلّما ابتعد الساحل عنا، كلّما زادت التساؤلات داخلنا:

الاستقبال والتنظيم

كيف ستعود مهرجانات الأرز الدولية؟ بأيّ مستوى؟ هل تنظيمها سينافس المهرجانات اللبنانية الأخرى؟ ما الرسالة من إعادة افتتاحها؟ وإذ بتساؤلاتنا هذه تقاطعها أصوات شباب وقفوا على مدخل بشرّي مرحّبين بالزوّار، ومقدّمين لكلّ منّا قنينة مياه ووردة. فبدأ منذ المحطّة الأولى يتبيّن العمل الحثيث الذي فكّرت به لجنة تنظيم مهرجانات الأرز الدولية ونفّذته شركة Ice Events بإتقان واحتراف.

وكانت المحطّة الثانية مع شباب الكشّافة مع معارض لرسومات امتدّت على طول الطريق المؤدّي إلى مكان الحفل، ثمّ محطّة لشباب آخرين يوزّعون أساور كتب عليها شعار المهرجان «لغة الروح»، لنصل إلى محطّات الباصات المولجة نقل الوفود الشعبية إلى المسرح.

تلفحنا نسمات الأرز الباردة، فنضحك في سرّنا لمعرفتنا أنّ ليلتنا ستكون من أجمل الليالي التي من خلالها سنفرح، سنتحدّى الموت، سنوصِل رسالة إلى العالم أجمع مفادها ما قاله مقدّم الحفل وسام بريدي: «كلّ مَن يقول إن لبنان بلد الإرهاب، لم يزر بعد الأرز ولم يتعرّف الى بلد جبران خليل جبران وموطن القديس شربل».

أمسية الافتتاح لم تشبه أيّ افتتاح، فعلى وقع النشيد الوطني اللبناني الذي عزفته فرقة ميشال فاضل الموسيقية، علت الأعلام اللبنانية المرفرقة في السماء، ودخلت فرقة الرقص لتقدّم لوحة من تصميم الفنّان سامي الحاج، أدّاها 20 راقصاً وراقصة، على أنغام «ميدلي» للمؤلّف الموسيقي ميشال فاضل. وبين كلّ فقرة وأخرى كانت تعرض أشرطة وثائقية أجملها عرض وثائقي عن جبّة - بشري من كتابة الشاعر انطوان مالك طوق وإخراج ميلاد الخوري طوق بصوت الفنان جوزف بو نصّار وموسيقى زاد ملتقى.

ستريدا

وكانت قد افتتحت الحفل رئيسة لجنة المهرجانات النائب ستريدا جعجع التي قالت: «بعد 50 عاماً على توقّف مهرجانات الأرزِ الدولية، نقفُ اليومَ كما الأرز، بالعزّةِ نفسِها والإصرارِ نفسه راسخينَ في الأرضِ كما جذوره، منفتحين على أرجاء الوطن كما شلوحه، مرفوعي الرأسِ نحو السماء كما أغصانه، لنؤكِّدَ أننا أبناءُ الحياة».

وأكّدت أنّ «ثقافةَ الموت لامكانَ لها هنا، ولن يكونَ لها مكانٌ في لبنان، فثقافتُنا هي ثقافةُ الحياة، ولذلك نرفضُ مختلف أشكالِ العنفِ وقطعِ الرؤوس وقتل الأطفال والحروبِ والدمار، ولأنّ الزمنَ يتقدّم ولا ينظرُ إلى الوراء، ولأنّ اللبناني بطبعِه محبّ للحياة والفرح، ويَنشُد الجمال، وقد تخطّى دائماً مصاعبَ الحياة، ليعيشَ بكرامةٍ وسلام، كان إصراري على أن تكونَ هذه المهرجانات تجسيداً لهذا الواقع. فنحن بطبيعتنا متفائلون وإيجابيون،على رغم كلِّ ما نشهدُ حولَنا من ويلات وصراعات ومآس».

وشدّدت على أنّ «الجيش اللبناني وحدَه حامي الحِمى وحامي الأرزة، كيف لا، وهي التي تتصدّرُ شعارَه وتتوسّطُ العلمَ اللبناني رمزاً لسيادتِنا وحريتنا». وأخيراً قالت: «باسمِكم جميعاً، وبعد انتظارِ نحو 50 عاماً، لهذه اللحظة- الحدث، أعلن بكلّ فرحٍ واعتزاز افتتاحَ مهرجاناتِ الأرز الدولية 2015». وضغطت زرّ الافتتاح لتنطلق المفرقعات على وقع أغنية «الحقّ ما بيموت» لجوزف عطية، منيرةً المسرح الذي صُمّم على شكل أرزة وجبل الأرز مضاء حياةً وعنفواناً، لمدة 7 دقائق، ما غيّر صورة لبنان وأرزه في أذهاننا التعبة من هموم السياسة.

النجوم

وبعد الافتتاح الضخم، اعتلى ميشال فاضل المسرح ليعزف الحان أغاني شهيرة مثل «ليالينا»، «انت عمري»، «بتونس بيك» و»تعلا وتتعمر يا دار» التي لوّحَ الحاضرون على أنغامها بالأعلام اللبنانية.

ثمّ أطلّت صاحبة الإحساس المرهف، إليسا، لتقدّم باقة من أجمل أغانيها مثل «موطني»، «لو»، «بتمون» وغيرها، قبل أن يختتم ملك الرومانسية وائل كفوري الذي غنّى أغنيات جديدة وقديمة له، منها للجيش، الوطن والحبيبة.

في ليلة افتتاح عودة مهرجانات الأرز صدحت الألحان متنزّهةً في غابة الأرز، ترقّص شلوح الأرز الخالد وترسّخ جذوره في تراب هذا الوطن. أرزنا شمخ فرحاً بعودة مهرجاناته، ووقف يدبك مع السياسيين الذين لم نرهم يوماً في هذا المشهد الراقص حيث شبكوا أياديهم ودندنوا أغاني الوطن، ليؤكدوا أنّ بلدنا باق عنواناً للحياة، وأنّ أرزنا لن يشيخ ولن تذبله عواصف السياسة. الشعب اللبناني كالأرز، قد تهتزّ أغصانه ولكنّه لا يقع.
theme::common.loader_icon