

بقليل من التفاصيل، إكتفى الديبلوماسي في قراءته للتطورات العسكرية التي شهدتها صنعاء وبعض المدن اليمنية خلال عطلة نهاية الأسبوع، وردّها إلى قراءة متأنية الى تقرير موسع يتناول الاستراتيجية الأميركية في أكثر من منطقة متوترة في العالم، على الطريق إلى الاعلان في وقت قريب عن إقفال البؤر المتفجّرة في العالم وفي أكثر من جهة في الكرة الأرضية. وبطريقة أدق تشير إلى خريطة انتشار الأساطيل الاميركية الستة في العالم، بما فيها الأسطول الاحتياطي الذي تتمركز أكثرية بوارجه في خليج سان دييغو على البرّ الرئيسي الأميركي. فعدّد تلك المنتشرة في بحر الصين والمحيط الهادئ الممتدة مهمّته إلى المحيط الهندي. عدا عن انتشار أخرى في بحور الأبيض المتوسط والأحمر والعرب، والتي تتوزع بعض بوارجها في القواعد البحرية في بعض دول الخليج العربي، وأكبر قواعدها في قطر وثانيها في البحرين، حيث تتمركز وحدات من الأسطول الخامس إلى جانب أخرى صديقة تابعة للبحرية البريطانية والفرنسية والألمانية وأخرى من دول متفرقة تنتشر في المتوسط وعلى الشواطئ الإفريقية وفي بحور آسيا الوسطى والقارة الأوسترالية وشمال أوروبا وغيرها، بطريقة استراتيجية دقيقة، للإمساك وحماية بعض المعابر البحرية المهمّة في العالم بمعزل عن المناطق المتوترة.
وقال التقرير الذي يشير إلى عدد من الأساطيل التي لم تقم بأي مهمّة عسكرية منذ عقود، فهو تضمّن إشارة تفصيلية لتلك التي قامت بمهمات كبرى حاسمة، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، بدءاً من آخر عقود القرن الماضي، والتي تزامنت مهمّتها مع مجموعة من مشاريع الحروب التي بقيت في مدار التهديدات وقد تمّ تجنّبها قبل الطلقة الأولى. قبل أن يعدّد البعض الآخر منها المتمركزة في الخليج العربي والمتوسط، التي عملت بطاقتها القصوى في مسلسل الحروب التي شنّتها الولايات المتحدة في الحربين الأولى والثانية لتحرير الكويت وإسقاط نظام صدام حسين، وصولاً إلى تلك التي تحرّكت من دون ان تخوض أي حرب بعد في بحر الصين، تزامناً مع أجواء التوتر بين الصين وتايوان وصولاً إلى المشاركة في حروب سوريا وقطاع غزة وجنوب لبنان منذ العام 2011 وحتى العام 2023، والتي استخدمت فيها معظم مدمّراتها الكبرى وبوارجها من حاملات صواريخها العابرة للقارات.
ليس في ما سبق من إحصاء للترسانة الأميركية أي إشارة إلى حجم قدرات واشنطن المتفوقة التي لا تُقاس مع قدرات مختلف جيوش العالم، إنما للإشارة إلى ما خصصت من قدرات للدفاع عن حلفائها في المنطقة، وخصوصاً في الشرق الأوسط، حيث تجاوزت ما كان متوقعاً في الحرب الأخيرة في غزة ولبنان، بعدما تورطت إيران في العمليات العسكرية البعيدة المدى، بحيث جنّدت لها الأسلحة المضادة للصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة البعيدة المدى، بالتكافل والتضامن مع القواعد البريطانية والفرنسية المنتشرة في المتوسط والأردن والعراق ودول الخليج العربي، بما فيها التي لم تكن معروفة اصلاً قبل الإعلان عن مشاركتها في التصدّي للعملية الإيرانية مطلع تشرين الاول الماضي.
وإلى هذه العروض التي تناولها التقرير، توصل معدّوه إلى الكشف عن التحضيرات المستجدة بنقل حاملات طائرات وبوارج حاملات الصواريخ إلى البحر الاحمر، بعدما تجدّدت التهديدات اليمنية بشأن إعادة فرض الحظر على البوارج الإسرائيلية وتلك التي تقصد موانئها عبر البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب، بعد استراحة قصيرة امتدت لأسابيع من تاريخ الإعلان عن وقف النار الأخير في قطاع غزة الذي تلاه مسلسل عمليات التبادل بين الأسرى الاسرائيليين ومن جنسيات مزدوجة في قطاع غزة والمعتقلين في السجون الإسرائيلية.
وعليه، استطردت الجهة التي اطلعت على ما أشار اليه التقرير، لتكتشف أنّها وبعد ايام على الإشارة إلى التعزيزات التي نُقلت إلى البحر الأحمر بأنّها كانت بهدف التحضير للعملية الأخيرة التي استهدفت مقرات لقادة الحوثيين ومراكز اسلحتهم الصاروخية ومقرات تصنيعها، بطريقة غير مسبوقة بالتعاون مع البحرية البريطانية، في مرحلة وصفت بأنّها الاولى من فصول لاحقة ستحولها حرباً طويلة الأمد. وهي حرب لن تتوقف قبل الانتهاء من الأسلحة اليمنية التي تهدّد الملاحة البحرية، وربما أبعد من ذلك إن ترجمت العملية تهديدات الرئيس الاميركي الجدّية التي وجّهها للمرّة الأولى إلى الحوثيين وعبرهم إلى رعاتهم في طهران.
وعليه، توقف أحد قراء التقرير، أمام ما يشير إلى جدّية ترامب في رسالته الاخيرة إلى القادة الحوثيين ومرجعيتهم في طهران، لترى أنّها تتمة طبيعية لإعلانه بضرورة إنهاء الحروب في أكثر من منطقة في العالم. وإن عبّر عن اهتمامه بمصير الحرب في اوكرانيا، فقد خصّص الأيام الاخيرة لما يمكن اعتباره إنهاءً للحرب في البحر الأحمر، وهو أمر لا يتحقق قبل القضاء على القدرات اليمنية، كما انتهت إليه الحروب في قطاع غزة ولبنان وبعدهما في سوريا، وما يحضّر للعراق، والتي كانت واشنطن من مؤيّديها بطريقة صريحة بعيدة عن كل أشكال المواربة، وخصوصاً في إشارته إلى تهاون سلفه جو بايدن في التعاطي مع خصوم إسرائيل ومنعه أي عملية عسكرية يمكن ان تطاول الأمين العام لحزب الله وقادة المقاومة كما تردّد لأيام تلتها، قبل ان يهنئ نتنياهو لاحقاً، متجاوزاً تجاهل الاخير مثل هذه التحذيرات الاميركية، كما تلك التي حذّرت من المسّ بالمنشآت النووية والنفطية الإيرانية في تشرين الثاني الماضي، ولم تردّ عليها حتى اليوم.
وبناءً على كل ما تقدّم، انتهى من اطلع على التقرير إلى خلاصة جدّية، لا تخضع لأي نقاش، وهي تقول انّ جدّية ترامب توحي بأنّه وجّه الرسالة الأخيرة إلى طهران عبر صنعاء، بالتزامن مع رسالته التي دعاها فيها إلى اتفاق جديد في شأن ملفها النووي. وهو يقول فيها بصراحة مزدوجة الأهداف «إنّ عليكم ان تنسوا آخر عنقود من محور الممانعة»، وإلى القادة الحوثيين قال فيها بعدما بشّرهم بما لم يروه من قبل ايام الديموقراطيين :»إنّهم وإن لم يموتوا بعد ألم يروا من مات حتى اليوم».