
في ذاكرة التاريخ، كثيراً ما كان اغتيال كبار الرجال يؤدّي إلى تحوّلات تاريخية مصيرية... وهذا بعضها الموجز.
اغتيال وليّ عهد النمسا كان الذريعة التي أشعلتْ الحرب العالمية الأولى... وكان اغتيال الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن 1865 ثمناً لتحرّر العبيد، واغتيال «المهاتما غاندي» 1948 ضحيّة مواجهة العنف الطائفي بين الهند وباكستان.
وهناك مَن يقول إنّ اغتيال الرئيس الأميركي «جون كنيدي» كان للحدّ من خطر وقوع حرب نووّية بين أميركا والإتحاد السوفياتي.
أبرز ما كان على صعيد المنطقة: اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي «إسحاق رابين» 4 تشرين الثاني 1995 نتيجة توقيع إتفاقية «أوسلو» مع السلطة الفلسطينية، واغتيال الرئيس المصري أنور السادات 6 تشرين الأول 1981 بعد توقيعه إتفاقية كمب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «مناحيم بيغن».
في لبنان: اغتيال الزعيم كمال جنبلاط 16 آذار 1977 أدّى إلى انقلاب جبل على جبل.
اغتيال الرئيس بشير الجميل 14 أيلول 1982 كان نقطة تحوّل بالغة المنعطفات وأسفرت في النتيجة عن خروج إسرائيل من لبنان.
اغتيال الرئيس رينيه معوّض 22 تشرين الثاني 1989 عطّل قيام الدولة بوحي من روحية اتفاق الطائف.
مثلما كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري 14 شباط 2005 نقطة التحوّل الضاغطة في انسحاب الجيش السوري من لبنان.
ولا بدّ من الإعتراف بأنّ اغتيال السيد حسن نصرالله 27 أيلول 2024 شكّل مرحلة متحوّلة في لبنان وأسفر عن تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
أهـمّ ما في هذه التحوّلات معرفة قراءة نتائجها...
لأنّنا لم نحسن استخلاص العِبر من ارتدادات الإغتيالات، إنعكست علينا أوزار مضاعفاتها.
يمكن حتى الآن اعتبار الموقف الرسمي اللبناني قد حدّد القراءات الأولية للتحوّلات العاصفة، عبر خطاب القَسَم والبيان الوزاري بما لا يتعاكس مع هبوب الريح، وبالتوافق مع الرئيس نبيه بري.
ويمكن أيضاً التقاط بعض ما جاء من عناوين في إطلالات الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، حيال ما اعتبره: «مرحلة جديدة، سنقيّم ما مررنا به، وسنستفيد من الدرس والعِبَر».
هذا يستدعي التفافاً حميماً فيما بين مختلف المكوّنات اللبنانية تمهيداً إلى جمع الساحات في ساحة وطنية واحدة، واستجماع قصص «ألف ليلة وليلة» في قصّة واحدة، على ما أعلنه رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل في الجلسة النيابية الأخيرة.
عندما نكون كلّنا موّحدين حول لبنان، نستمدّ من الإنكسار حافزاً للإنتصار وإعادة النهوض بالوطن، هكذا: «ألمانيا واليابان» كانت الخسارة في الحرب العالمية الثانية حافزاً لهما في بناء دولتَين من أبرز البلدان في القوة والعمران والإزدهار.
عندما نكون موحّدين حول لبنان، نصبح كلّنا مقاومين دفاعاً عن لبنان...
حزب الله جزءٌ من الكلّ وليس هو الكلّ...
والمقاومة، ليست ذراعاً مبتورةً عن الجسم الوطني، والسيف في الذراع المبتورة سيفٌ مستعار.
المقاومة ليست حصراً مقاومة مسلحة في مواجهة التفوّق التكنولوجي الخارق.
صيغة لبنان النموذجية هي سلاح متفوّق في مواجهة المشروع الصهيوني...
وحدة لبنان الوطنية وقيمة لبنان الحضارية، سلاح...
السلاح الدبلوماسي والإقتصادي والسياحي والثقافي سلاح...
صداقات لبنان العربية والدولية، سلاح...
وطاقة لبنان الإغترابية ونفوذها الدولي الضاغط، سلاح...
وحين نؤمن جميعاً بحتمية المواجهة المسلحة، فلن يكون شرف الدفاع عن لبنان حكراً على فريق دون الآخر.
نعم... «لقد تعب لبنان من حروب الآخرين على أرضه، وتعب اللبنانيون من التدمير والتهجير والقتال والشهداء والأشلاء والحياة المضرّجة بالدموع والدماء».
لقد اتّحدنا بإرادة إلهيـة بالصوم المشترك مسيحيين ومسلمين، فلنتّحد بإرادة وطنية حول لبنان الوطن النهائي.
«إنّ حبّ الوطن من الإيمان»، كما يقول النبي... «ما عمَرت البلدان إلّا بحبّ الأوطان» يقول الإمام علي، «ولا يقدر عبدٌ على خدمة سيدَين» هكذا يقول المسيح، ولن نكون أسياداً، إلّا بالوطن الواحد السيّد.