4 سنوات بعد زياراته غير المثمرة لإصلاح لبنان، عاد إيمانويل ماكرون أمس إلى بلد تأثّر إيجاباً بالوضع الإقليمي الجديد. ضُعف «حزب الله» نتيجة للحرب التي فرضتها عليه إسرائيل، وسقوط بشار الأسد في سوريا المجاورة، أسهما في الخروج من مأزق سياسي كان يَشلّ البلاد.
بعد عامَين من شغور المنصب، حصل لبنان أخيراً على رئيس للجمهورية، وهو قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي تربطه علاقات جيدة بفرنسا.
وبعد ذلك بأسبوع، عُيِّن نواف سلام، القاضي في محكمة العدل الدولية في لاهاي والذي يحظى بتقدير في باريس، رئيساً للوزراء، ممّا يجعله صاحب السلطة الأساسية في النظام الطائفي اللبناني.
في كلتا الحالتَين، وعلى عكس الماضي، انضمّ «حزب الله» وحلفاؤه إلى هذا الثنائي الجديد للسلطة التنفيذية، الذي يمثل بارقة أمل للعديد من اللبنانيّين.
زيارة خاطفة لتحديد الوسائل اللازمة
لطالما سعت فرنسا إلى تعزيز سيادة لبنان، بالتالي فإنّها تُرحّب بهذا التقدّم. ويُعرب الاليزيه عن ارتياحه قائلاً: «ماكرون سعيد بأنّ التزامنا يمكن أن يستمر في ظل ظروف ملائمة، خصوصاً أنّ لبنان يبدو قادراً على توحيد صفوفه لتنفيذ ما هو جوهري بالنسبة إليه».
خلال زيارته التي استغرقت 12 ساعة، خطّط ماكرون لـ»تحديد الوسائل مع المسؤولين اللبنانيّين التي يمكننا من خلالها مساعدتهم في تعزيز سيادة لبنان، وضمان ازدهاره، والحفاظ على وحدته»، وفقاً لمقرّبين من الرئيس.
وتعزيز السيادة يتطلّب دوراً متزايداً للجيش اللبناني، لا سيما في الجنوب، حيث، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، يجب على الجيش اللبناني أنّ يحل محل ميليشيا «حزب الله». العملية جارية، لكنّها هشة.
سيطّلع ماكرون على صعوبة هذه المهمّة خلال لقائه بالرئيس الجديد جوزاف عون، الذي يواجه تحدّياً كبيراً لضمان هذا التوزيع الجديد للأدوار في جنوب لبنان.
كما سيلتقي بالقوات الفرنسية والأميركية المكلّفة بمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، الذي لا يزال هشاً بين «حزب الله» الذي أُضعِف لكنّه لم يختفِ، والجيش الإسرائيلي، الذي لن ينسحب إلّا إذا تراجع «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني.
إصلاحات جذرية ضرورية
استعادة «ازدهار» لبنان، الذي كان يُعرف يوماً بسويسرا الشرق الأوسط، تعتمد على إصلاحات جذرية للنظام المصرفي والمالي، إذ فقد المدّخرون أموالهم بسبب انهيار البنوك في عام 2019.
لهذا الغرض، هناك خطة مساعدات من صندوق النقد الدولي جاهزة منذ سنوات، لكنّها تنتظر وجود منفّذين مَوثوقين لتنفيذها. ولقاء ماكرون مع رئيس الوزراء الجديد نواف سلام سيُخصَّص جزئياً لهذه الإصلاحات، بالإضافة إلى مناقشة مسألة تشكيل الحكومة، وهي مهمّة تقليدياً معقّدة في بلد تُوزّع فيه المناصب بناءً على الانتماء الطائفي.
دعوة للوحدة في بلد متعدّد
في بلد لا يزال يعاني من انقسامات طائفية عميقة، تُوجّه الدعوة إلى الوحدة أولاً لـ»حزب الله». على عكس العديد من الدول الأوروبية الأخرى، فرنسا تتواصل مع جناحه السياسي.
في السادس من آب 2020، خلال زيارته إلى بيروت بعد يومَين من الانفجار المدمِّر في المرفأ، دعا ماكرون في لقاء خاص مع محمد رعد، رئيس كتلة «حزب الله» البرلمانية، الحزب إلى «اللبننة» والتخلّي عن أجندته الإقليمية في سوريا والعراق واليمن. لكنّ دعوته بقِيَت من دون استجابة.
اليوم، وبفضل سياسة «الجرّافة» التي ينتهجها بنيامين نتنياهو، التي لا توافق فرنسا على كل جوانبها، ترى باريس فرصة لأن يعود «حزب الله» إلى الإطار السياسي، لأنّه بات أقل تسلّحاً، وأقل قدرة على الحصول على الإمدادات من إيران، وأقل اعتماداً على الدعم الخارجي.
ويؤكّد مصدر في الإليزيه: «نريد استغلال هذه المعطيات الجديدة لإعادة بناء بلد تاريخياً قريب من فرنسا».