أخذنا العمل إلى داخل المكاتب الغامضة ذات الجدران البيضاء الساطعة لشركة Lumon Industries، إذ يخضع موظّفو قسم «تنقيح البيانات الضخمة» إلى زرع رقائق في أدمغتهم تقسمهم إلى شخصيّتَين: شخصية العمل (الداخلية أو «إيني») وشخصية خارج العمل (الخارجية أو «آوتي»).
يتمتع «الآوتي» بالراتب ووقت الفراغ، بينما يترك العمل للـ»إيني»، الذي تُفعَّل هويته فقط عند دخوله المكتب.
بالنسبة إليهم، يبدو الأمر كما لو أنّ اللحظة التي يغادرون فيها العمل هي ذاتها اللحظة التي يعودون فيها إليه.
أمّا نحن المشاهدين غير المفصولين عن الواقع، فقد اضطررنا إلى الانتظار ما يقرب من 3 سنوات كاملة منذ النهاية الصادمة للموسم الأول. وخطّطت مجموعة من شخصيات «الإيني» في Lumon، بقيادة مارك (آدم سكوت)، للهروب الافتراضي من خلال تفعيل وعيِهم في العالم الخارجي لكشف انتهاكات Lumon وأسرارها.
وقد انتهى الموسم الأول بكشف مثير مفاده أنّ زوجة مارك المفترَض أنّها متوفاة، جيما (ديتشين لاشمان)، لا تزال على قَيد الحياة وتعمل لصالح Lumon. يا لَيتنا امتلكنا رقائق تسريع الزمن!
لحسن الحظ، يعود مسلسل Severance على منصة Apple TV+ اليوم الجمعة، ويبدو أنّ صنّاعه استغلوا كل ثانية من فترة الغياب بفعالية. يتخذ الموسم الجديد مسارات جديدة مع الحفاظ على كَونه العرض الأكثر طموحاً وجنوناً وإمتاعاً على الشاشة، إذ يشبه متاهة «إم. سي. إيشر» التي لا تعوق تعقيداتها حبكة العمل أو روحه أو حس الفكاهة فيه.
شاهدت الحلقات العشر جميعها، وليس هناك الكثير ممّا أستطيع أن أقوله بحسن نية عن الأحداث التي تجري فيها. يعود «إيني» مارك إلى العمل بهدف غامض لتحرير زوجة «آوتي» الخاصة به، وهي مهمّة تعقّدها علاقته الرومانسية بزميلته هيلي آر. (بريت لور)، التي - بالطبع هناك المزيد من التعقيد - في العالم الخارجي هي هيلينا إيغان، وريثة العائلة المؤسسة لشركة Lumon ذات الطابع الطائفي.
وبدل أن يُعاقَب مارك على محاولة هروب «الإيني»، يُستقبل في المكتب كبطل. يُقال له إنّ «انتفاضة تنقيح البيانات» أدّت إلى إصلاحات جذرية في الشركة، مع وعود بحريات جديدة، ومزايا إضافية، وحتى وجبات خفيفة جديدة في آلات البيع.
الآن، عُد إلى العمل!
عليك أن تشكّك في هذه القصة. عليك أن تشكك بالكثير في Severance. هذا المسلسل الذي أبدعه دان إريكسون وأنتجه بن ستيلر (الذي أخرج حلقات عدة منه)، هو من النوع الذي يدعوك إلى التحليل وإعادة المشاهدة والتنقيب عن أدلة، والتساؤل عمّا إذا كان كل تلميح سيؤتي ثماره، وعمّا إذا كانت كل خيوط الحبكة ستُربط في النهاية.
بالطبع، هناك الكثير من المفاجآت والتفاصيل المربكة هذا الموسم: المزيد من قصص عائلة إيغان المقلقة؛ غرفة مؤتمرات ضخمة يرعى فيها قطيع من الماعز؛ ومديرة جديدة تُدعى الآنسة هوانغ (سارة بوك)، وهي طفلة صغيرة تبدو وكأنّها خرجت مباشرة من فيلم لـ«ويس أندرسون».
لكنّ الأهم في استمرار هذا النوع من الألغاز هو الحفاظ على زخم السلسلة. وفي هذا الصدد، يقف Severance على قمة جبل العروض التي حاولت إعادة خلق متعة Lost. إنّه غريب ومزعج لكنّه لا يفقد طابعه المرح أو يبدو كمهمّة ثقيلة؛ فهو يفهم أنّ التوتر والكوميديا شريكان، ينبع كلاهما من عنصر المفاجأة.
كما يُدرك المسلسل أنّ عملاً كهذا إمّا أن ينمو أو يموت. على عكس عودة «لعبة الحبار» التي أعادت تقديم نسخ أنيقة من مشاهد القتل الدموية للموسم الأول، فإنّ الموسم الجديد من Severance يوسع نطاق الرهانات والقصة، مع حلقات عدة مذهلة تغيّر شكل وأجواء السلسلة. (استعدوا جيداً للحلقة الرابعة).
يتوسع العمل في طاقم الممثلين مع ظهور عدد من الممثلين المعروفين (غويندولين كريستي، ميريت ويفر، جون نوبل) الذين تبدو مشاركاتهم مدروسة بعناية.
كما يوسع معرفتنا بموظفي Lumon، بما في ذلك هارموني كوبل (باتريشيا أركيت) وسيث ميلشيك (ترامل تيلمان الكاريزمي)، المدير المرح والمرعب الذي يعاني أيضاً من ضغوط وإهانات عمله.
لكنّ الأهم أنّ المسلسل يوسع أفكاره، خصوصاً تلك المرتبطة بمفهوم الوعي المزدوج، الذي يُعدّ مصدر بعض التقلّبات المذهلة ومنبعاً للأسئلة حول طبيعة الوجود.