انتهت المباريات الرئاسية بين "الخماسية".. وإلى ملعب جديد
جورج شاهين
Saturday, 11-Jan-2025 06:37

أنهت الإنتخابات الرئاسية السباق بين اركان الخماسية، وفازت واشنطن بكأس البطولة ونالت الرياض الميدالية الذهبية وتوزعت الميداليات الاخرى على بقية الأعضاء. وهو أمر لم يعد خافياً على أحد في انتظار التثبت من مجموع الجوائز التي نالها لبنان، وأكبرها إبعاده عن خط الزلازل. فالرئيس الذي دخل قصر بعبدا يعرف مهمّته من ألفها إلى يائها، وحدّدها في خطاب القسم، وما على اللبنانيين سوى موافاته إلى منتصف الطريق لتجاوز المطبات الصغيرة ليسلك لبنان الخطوة الأولى على طريق الإنقاذ والتعافي. وهذه بعض المؤشرات والدلائل.

يجمع خبراء ديبلوماسيون واقتصاديون وعسكريون لم ينخرطوا في لعبة المصالح الداخلية ولم يمارس أي منهم مهمّة في بلاط أحد من الأقطاب في لبنان، على انّ البلد دخل مرحلة جديدة بكل المعايير السياسية والإقتصادية والامنية، بحيث انّ مسلسل الأحداث المقبلة بات مرسوماً بدقّة ولا بدّ من عبورها اياً كانت التضحيات المطلوبة من اي فريق كان، بعيداً من اي لائحة يمكن وضعها بالمستفيدين مما حصل، ومن دون اللجوء الى تصنيف اللبنانيين بين رابحين وخاسرين، بعدما توزعت الخسائر على الجميع بلا استثناء ولو بنسب مختلفة، وبفوارق لا يمكن إلقاء الضوء عليها طالما انّهم كانوا مفروزين بين خطين لا يمكن ان يلتقيا في علم الرياضيات لو لم يوجد من يهندس العملية الانتخابية في شكلها وتوقيتها ومضمونها وصولاً إلى نهاياتها.

 

ليس في هذه المعادلة ما هو خارج منطق الامور، وما يمكن ان تفعله الضغوط الدولية في مجتمع مفكّك ومهدّد ببلوغه مرحلة الارتطام الكبير. وكان من بين قادته من قاده الغرور إلى تخيل ما لذّ وطاب من الأمنيات والرغبات ما لم يكن لديه القدرة على بلوغها او تلمسها، ومجموعة أخرى من "العجزة" يتفرجون على ما يجري ويقدّرون ساعات الانهيار الكبير من دون ان تكون لهم القدرة على لجمه، وفئة ثالثة لا حول ولا قوة لها تنادي بما يمكن القيام به من دون ان يسمعها أحد. فيما كانت هناك عيون خارجية ترصد ما يجري وتحتسبه بميزان الجوهرجي قبل ان تتدخّل ليس لحماية مصالحها التي مهما بلغت قيمتها، لا يجوز ان يقيسها احد بمقدار مردودها على الوطن الصغير، وخصوصاً بما نصحت به من خطوات عدّها البعض قاسية وإجبارية ولا مفرّ منها، بعدما بلغت ازماته الداخلية ما لا يمكن تحمّله، فيما يراها آخرون أنّها من أقصى الأمنيات التي كان يحلم بها من دون تجاهل من اعتبرها الملاذ الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقّى من البلد.

 

على هذه الخلفيات توغل الخبراء في بعض المؤشرات التي قادت إلى ما شهدته جلسة التاسع من كانون الثاني، فاعتبرت انّ الضغوط الاميركية فعلت فعلها بعدما سقطت سلسلة المبادرات المختلفة التي حاول الخيّرون القيام بها بنيات صادقة وطيبة طوال فترة خلو سدّة الرئاسة، من دون ان تنتج أي تغيير في موازين القوى الداخلية، إلى ان اختار الأميركيون التوقيت الدقيق. ففي الاجتماعات التي توزعت بين مجلس الأمن القومي والخارجية الاميركية كانت تقارير قيادة المنطقة الوسطى حاضرة. فهي التي أمدت الدوائر المعنية بقراءتها إلى الوضع الخطير في جنوب لبنان وما يمكن ان تقود اليه الحال المتأرجحة بين الحرب والسلم؟ ذلك انّ تمادي اسرائيل بتجاوزاتها لاتفاق 27 تشرين الثاني في ظل غياب اي عدو على ارض محتلة ينذر بالخطر إن مضت في التدمير إلى درجة يصعب العودة اليها مدنياً قبل عقد من الزمن او اكثر. وداخل يهتز على خلفية ازمة اقتصادية خانقة افتقدت فيها الدولة قدرتها على توفير مداخيلها الأساسية، ما لم تسرق اللبنانيين بما توافر لها من مدخراتهم، ومدخولهم المتدني لتغطية كلفة كهرباء مفقودة ومياة مقننة وهاتف عديم الخدمة وخدمات طبية وتربوية واجتماعية شبه مفقودة.

 

وفي جانب من نوعية الحياة لدى فئات لبنانية واسعة، قالت تقارير وزارة الخزانة تحديداً أنّ شح المال الإيراني انعكس بسرعة على احتياطي "حزب الله" الذي افتقد التوازن المالي في مؤسساته المتعددة الاختصاصات. وهي بلغت درجات متقدمة من الشح لا يمكن ان يؤدي إلى تغطية كلفة ادارة مؤسساته وتعويضات عائلات شهدائه. وبعدما تمّ تدمير مؤسساته الاقتصادية والتجارية وأحيائه السكنية المرتبطة بمواقعه القيادية المعروفة والمموهة منها، بلغت الأزمة وتداعياتها الخطيرة ما يجب توفيره ليكون تعويضاً للسكن وإيواء النازحين القدامى والجدد على المدى الطويل، لاستحالة عودة عشرات الآلاف الى منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية، عدا عن التعويضات التي وعدت بها المجتمع المضيف للحزب من دون احتساب البيئة الصديقة له.

 

وعند تكوين الصورة كانت الحرب قد ألقت أوزارها في الجنوب، ولم يعد هناك ما يستأهل تجنيد القدرات العسكرية، وبعدما سقطت سوريا في أيدي الثورة السورية التي كانت تراقب تحركاتها مع قوى إقليمية صديقة كتركيا وقطر وغيرها من الدول الراعية للملف السوري، كان القرار بإبعاد لبنان عن مدار الزلازل في المنطقة، ولا بدّ من وجود سلطة تترجم ما أنجزته الآلتان العسكرية والديبلوماسية، فكان الخيار بعد ان أخذت الحكومة علماً بالاتفاق المعقود بين اسرائيل و"حزب الله"، ان يكون في لبنان رئيس يدير العملية من ألفها إلى يائها، فاستعادت الأطراف المشاركة في الخماسية نشاطها وتوزعت الأدوار.

 

وقياساً على خريطة الطريق التي رُسمت، تقدّم الجانب السعودي الأقدر لقيادة المرحلة الاقتصادية تزامناً مع ما رُسم من مخارج عسكرية وحلول ديبلوماسية. فهو كان قد عبّر عن الرغبة في العودة إلى شرق المتوسط وتحديداً إلى سوريا ولبنان بعد أن أحكم هيبته على البحر الأحمر وجمّد أي مخاطر يمكن ان تتأتى من اليمن وبحر العرب والخليج الفارسي، بعد اتفاقية بكين من اجل استكمال خطته ورؤيته للمنطقة، فتراجع الجميع ومعهم مرشحوهم، ورست القرعة الدولية على ما يجمع بين اللبنانيين قبل الأفرقاء الإقليميين والدوليين، فأحيت ترشيح قائد الجيش لقيادة المرحلة من موقعه العالم بتفاصيل ما تمّ الاتفاق عليه ومعرفته بموازين القوى وطبيعة الأرض، وما تستدعيه عملية جمع السلاح في لبنان بكامله وليس في جنوب الليطاني وحسب. ذلك انّ تجربته بإدارة مؤسسات الجيش بحجمه الذي يساوي كل القطاع العام، يمكنه ان يؤسس للمرحلة المقبلة، على ان تبقى يد العون موجودة لضمان عبور هذه المرحلة وتوفير ما يضمن استمراريتها بحكومة ستكون جاهزة في وقت قريب، تعمل على هدي بيان وزاري يقتبس عناوين "خطاب القسم"، وما على اللبنانيين سوى منحها صلاحيات استثنائية تسهّل مهمّتها لإعادة بناء ما تهدّم. فمن قاد إلى مرحلة الدمار لا يؤتمن على اعادة الإعمار من دون تجاهل حصته وما يحتاجه لترميم بيئته والمجتمع الحاضن لها.

 

عند هذه العناوين يمكن القول انّ واشنطن فازت بالكأس الكبرى، واحتفظ الحلفاء بأدوار مختلفة لا يمكن تجاوزها بحيث انّ المواجهة المقبلة بين هذه القوى رهن قدرتها على خوض غمار المشاريع الإنمائية والإعمارية بما يحفظ مصالح الجميع الحيوية. فهي مصانة تحت سقف ما يُرسم للمنطقة وانّ الجميع يعرفون أحجامهم وهم على الطريق ماضون وجاهزون للمنافسة المحدودة التي تضمن وجود الجميع في دولة تحتضن مصالح الجميع وهي في حاجة اليهم جميعاً.

الأكثر قراءة