مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في 9 كانون الثاني 2025، تعيش الساحة اللبنانية حالة من الترقّب والحذر، في ظل تعقيدات سياسية محلية ـ إقيليمة واقتصادية، تلقي بثقلها على المشهد. ومع استمرار غياب التوافق بين الكتل السياسية، يبرز دور المعارضة كعنصر أساسي في رسم ملامح المرحلة المقبلة. وتأتي الانتخابات في وقت حساس يعكس مدى الانقسام الداخلي وتأثير التدخّلات الخارجية على القرار الوطني.
تُعتبر المعارضة لاعباً محورياً في هذه المرحلة نتيجة حجم عدد أصواتها النيابية التي تزيد عن 40 نائباً يجتمعون دورياً، إذ تتركّز الجهود على تقديم رؤية موحّدة لمواجهة التحدّيات، أبرزها إيجاد مرشح قادر على قيادة البلاد نحو استقرار طال انتظاره.
في هذا الإطار، تُطرَح الأسماء وتُستبعد أخرى تمهيداً للوصول إلى توافق مع مختلف الكتل النيابية الأخرى، بعد تراجع أسهم مرشحين سابقين واستبعاد آخرين في خضم المفاوضات، ما يثير تساؤلات حول قدرة الطبقة السياسية على تجاوز خلافاتها والتوافق على خيار وطني جامع.
بعد الاجتماع الأخير للمعارضة، كشف النائب عن كتلة «التغيير» مارك ضو لـ«الجمهورية»، أنّه حتى اللحظة «لم يتمّ الاتفاق على اسم واحد، بل على سلة أسماء واستراتيجيات، من بينها قائد الجيش العماد جوزف عون الذي كان قد لقي تأييد أفرقاء آخرين». وقال: «نعم، نعتبر أنّ جلسة 9 كانون الثاني جدّية، ويمكن أن يُحسم فيها انتخاب الرئيس في نهايتها، لكنّ ذلك يتطلّب الوصول إلى 65 صوتاً لحسم الملف الأبرز لتستعيد المؤسسات الدستورية مسارها الصحيح.
وتبعاً لذلك، أوضح ضو أنّ «هناك تجانساً في موقف المعارضة ورغبة في العمل معاً على موقف مشترك يصل في نهايته إلى إيصال اسم توافقي إلى قصر بعبدا.
وتُظهر التطوّرات الأخيرة أنّ الانقسام في المواقف بدأ يلين رويداً رويداً بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، إذ تتمسّك المعارضة بمبدأ «الإصلاح السياسي الشامل» كشرط لدعم أي مرشح رئاسي. في المقابل، تفضّل بعض الأطراف الأخرى التسوية المرحلية لتفادي الفراغ الرئاسي من خلال التوافق على اسم لا يشكّل استفزازاً لأي طرف، خصوصاً «حزب الله».
بدوره، أكّد مسؤول العلاقات السياسية والخارجية في حزب «الكتلة الوطنية» كميل موراني، أنّ «المعارضة لم تتبنَّ ترشيحاً واحداً حتى الآن، فالنقاش لا يزال جارياً. والمعارضة لا تزال تطالب منذ اللحظة الأولى برئيس سيادي إصلاحي، فنأمل في انتخاب رئيس قريب منا ومعارض لوجود السلاح خارج إطار الدولة، وتحديداً سلاح «حزب الله»، لذلك عليه أن يكون حاسماً في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار ليرفع من حظوظه لدى المعارضة».
ويرى موراني «أنّ التدخّلات الخارجية في الملف الرئاسي لا يمكن تسميتها بـ»تدخّلات» إنّما «يُعتبر المجلس النيابي اللبناني جزءاً من ميزان القوى في البلد والمنطقة».
ويوضح موراني انعكاسات الخارج على العملية الانتخابية للرئيس المقبل، مستشهداً بأنّ «المجلس النيابي الذي انتخب الرئيس الراحل بشير الجميّل عاد وانتخب الرئيس الياس الهراوي مع تغيّر موازين القوى في المنطقة. ومَن أنجز اتفاق 17 أيار (1983) هو نفسه الذي عاد وألغاه مع تغيّر موازين القوى في المنطقة. والمجلس النيابي الذي رشح الرئيس السابق سعد الحريري لترؤس الحكومة في العام 2011، تراجع عن ذلك عند حدوث ما سُمّي هجمة القمصان السود».
لذلك، يؤكّد المسؤول الكتلوي، الحزب الحليف لكتلة «التغيير» النيابية المتحالفة بدورها مع حزبَي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وكتلة «تجدّد» وبعض المستقلين الآخرين، أنّ «موازين القوى في المجلس النيابي تتغيّر ليس فقط في الانتخابات التشريعية، إنّما أيضاً لدى تغيّر موازين القوى الفعلية على الأرض عسكرياً أو في المنطقة».
ويعتقد أركان المعارضة، أنّ هذه المتغيّرات لم تُترجم بعد في الملف الرئاسي من باب تغيير الرئيس السابق للحزب «التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط موقفه من ترشيح قائد الجيش، بحسب موراني، الذي أضاف: «علينا انتظار أيضاً موقف «كتلة نواب الاعتدال» الذين قد يوافقون جنبلاط على موقفه».
ويبرّر موراني المتغيّرات التي تراها المعارضة بأنّ «حزب الله» خسر وسقط النظام السوري، وهما مَن كانا يهيمنان على البلد، إذ كان في إمكانه عرقلة انتخاب الرئيس بـ50 صوتاً فقط وبفضل السلاح. أمّا اليوم فحزب الله يتحوّل ليصبح موازياً لبقية الأفرقاء السياسيّين في البلد».
وفي ما يخصّ تأمين النصاب يوضح موراني أنّ «مَن فسّر الدستور بأنّ الأكثرية المطلوبة لسريان أي جلسة انتخاب هي أكثرية الثلثَين (86 نائباً) استند الى التفسير ليتمكّن من تعطيل الانتخابات من أجل أن يفرض رئيساً بلا طعم ولا رائحة ولا لون، ورئيس لا يمكنه اتخاذ أي موقف لأنّ عليه إرضاء الجميع. لذلك نحن في حاجة إلى أكثرية تحكم وأقلية تعارض، أي بعودة النظام الديموقراطي ليكون سائداً في البلد».