من هم المتمرّدون الذين يقودون الهجوم في سوريا؟
فيفيان يي، أليسا ج. روبين، ورجا عبدالرحيم- نيويورك تايمز
Tuesday, 03-Dec-2024 06:32

فاجأ المتمرّدون السوريون البلاد بهجوم خاطف على أكبر مدنها والمناطق المحيطة بها، بدأ الأسبوع الماضي، ليقلب موازين حرب أهلية مستمرة منذ 13 عاماً، والتي كانت شبه خاملة لسنوات عدة. من خلال السيطرة على مدينة حلب واحتلال مساحات واسعة من الريف والتقدّم نحو مدينة حماة غرباً، وسّع المتمرّدون أراضيهم لتشمل معظم الركن الشمالي الغربي من سوريا، ولا يزالون يواصلون تقدّمهم.

لطالما شملت القوات المناهضة لحُكم الرئيس بشار الأسد الاستبدادي خليطاً غير متجانس من الفصائل المتمرّدة التي كانت غالباً في حالة تنافس مع بعضها البعض. لكن هذه المرّة، توحّد المتمرّدون تحت قيادة «هيئة تحرير الشام»، وهي جماعة كانت تابعة سابقاً لتنظيم القاعدة، لكنّها انفصلت عنه قبل سنوات وأصبحت تسيطر على آخر معاقل المعارضة السورية.

 

كان يُنظر إلى هذه الجماعة في وقت من الأوقات كواحدة من أقوى الفصائل المتطرّفة في التمرّد. لكنّها لاحقاً حاولت التقليل من حدّة طابعها المتطرّف وركّزت على بناء ما يشبه الحكومة المدنية - على رغم من أنّها لا تزال استبدادية ومتشدّدة - في الأراضي التي تسيطر عليها.

 

كيف بدأت «هيئة تحرير الشام»؟

«هيئة تحرير الشام»، التي يعني اسمها «تنظيم تحرير الشام»، بدأت بالتزامن تقريباً مع اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، بعد أن قمعت قوات الأسد الاحتجاجات المناهضة للحكومة بعنف. ومع تصاعد الحرب، عَبَر جهاديّون متمرّسون مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية الأولي من العراق إلى شرق سوريا، وشكّلوا ما أطلقوا عليه اسم «جبهة النصرة» لمواجهة قوات الأسد.

نمت هذه الجماعة المتطرّفة لتصبح واحدة من أكبر وأهم الفصائل المتمرّدة، وشنّت مئات الهجمات الانتحارية وحرب العصابات ضدّ أهداف حكومية.

ظلّت أيديولوجيتها قريباً من التنظيم الأم في العراق - حيث تعهّدت بإقامة خلافة إسلامية في سوريا - لكنّها شهدت خلافاً في عام 2013 عندما حاول التنظيم العراقي فرض اندماج بينهما. بدلاً من ذلك، أعلنت النصرة ولاءها لتنظيم القاعدة.

على رغم من هذا الارتباط بالقاعدة، التي تتبنّى أجندة جهادية عالمية، ركّزت «هيئة تحرير الشام» على سوريا وعلى الإطاحة بالأسد، وفقاً للخبراء. إلّا أنّ ذلك لم يكن يعني تخفيف تفسيرها المتشدّد للإسلام، كما حذّر المحلّلون، وإنّما ركّزت على السيطرة الإقليمية والحكم بدلاً من شَنّ هجمات على الغرب بأسلوب القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.

قاد زعيمها، أبو محمد الجولاني، «جبهة النصرة» إلى أن أصبحت منظّمة قوية مع قوة متزايدة من المقاتلين وأراضٍ واسعة في شمال سوريا. وبدأت الجماعة في التصرّف كحكومة مصغّرة في المناطق التي تُسيطر عليها، حيث جمعت الضرائب وقدّمت بعض الخدمات العامة.

 

لماذا انفصلت عن القاعدة؟

بحلول منتصف عام 2016، أعادت «جبهة النصرة» تسمية نفسها باسم جبهة «فتح الشام»، وأعلنت أنّها قطعت علاقاتها مع تنظيم القاعدة، ربما لأنّها كانت تسعى إلى مزيد من الشرعية الدولية وجعل نفسها أكثر قبولاً بين المتمرّدين السوريّين الآخرين، وفقاً للمحلّلين. على رغم من ذلك، واصلت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى اعتبارها جماعة إرهابية، وشكّك الخبراء في أنّها تخلّت حقاً عن تشدّدها. لكن يبدو أنّ نهجها أصبح أكثر براغماتية من غيرها من الجماعات المتشدّدة.

ركّزت على تأمين وحكم الأراضي التي تُسيطر عليها بدلاً من شنّ هجمات كبيرة ضدّ قوات الأسد. وعندما دخلت القوات التركية إلى إدلب، المحافظة التي تسيطر عليها الجماعة، لفرض وقف إطلاق نار موقت في عام 2017، استسلم قادتها للأمر الواقع. ويرى المحللون أنّهم أدركوا أنّ قوات الحكومة كانت ستستعيد إدلب، بما في ذلك أراضيهم، إذا لم يفعلوا ذلك.

كما أنّ الجماعة التي أعادت تسميتها، اشتبكت مع فصائل إسلامية أخرى للسيطرة، مُستبعدةً إياها من موارد إدلب الاقتصادية. ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة هذا العام، فإنّها كثيراً ما تعتقل وتعدم الأشخاص المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية.

في أوائل عام 2017، انضمّت الجماعة إلى عدد من الفصائل الأخرى، بما في ذلك جماعات إسلامية في معظمها، وواحدة على الأقل كانت معتدلة سابقاً، لتشكيل «هيئة تحرير الشام»، وهو تحرّك عارضته قيادة القاعدة علناً.

 

ماذا فعلت الجماعة في أراضيها؟

تخلّت الجماعة عن خطابها حول الخلافة الإسلامية، وصرّحت قيادتها بأنّها تريد استبدال حكومة الأسد بنظام مستوحى من المبادئ الإسلامية. وعلى رغم من أنّ التمييز يبدو طفيفاً، يرى المحلّلون أنّ حكم الجماعة - على رغم من أنّه لا يزال محافظاً بشدة وغير متسامح واستبدادي - كان أقل وحشية وتشدّداً من نظام تنظيم الدولة الإسلامية الذي أقام نظاماً دموياً في الأراضي التي سيطر عليها في العراق وجزء آخر من سوريا.

حاول الجولاني، زعيم الجماعة، اكتساب الشرعية من خلال بناء إدارة تقدّم خدمات محدودة لسكان إدلب وتنمية الزراعة والصناعة في المنطقة. وسعت الجماعة إلى إقناع قادة المجالس القروية بقبول حكمها طواعية، وأصدرت بطاقات هوية للسكان، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة. مع ذلك، تظل الجماعة غير شعبية بين السكان الذين نظّموا احتجاجات متكرّرة ضدّ اعتقالاتها التعسفية وفرضها الضرائب وعدم تسامحها مع المعارضة، فضلاً عن سوء الأوضاع المعيشية.

كما عملت مع مجموعات إغاثة غربية للسماح بوصول المساعدات إلى المدنيّين في إدلب، وسمحت للصحافيّين والباحثين الغربيّين بزيارة المنطقة.

لكنّها فشلت في إقامة علاقات مع معظم القوى الأجنبية، باستثناء تركيا، التي تحدّ إدلب وتُسيطر على مساحة واسعة من شمال سوريا المجاور، ممّا يجعلها أساسية لاستمرار إدلب تحت سيطرة الجماعة.

 

كيف استولت على أراضٍ حكومية؟

بعد وقف إطلاق النار في 2020 الذي توسطت فيه روسيا وتركيا وحقق هدوءاً متوتراً في شمال غرب سوريا، استغلّت الجماعة الفرصة لإعادة هيكلة قواتها، بحسب جيروم دريفون، المحلّل في مجموعة الأزمات الدولية الذي درس الجماعة والتقى بقادتها.

 

لماذا شنّت الجماعة هجومها؟

يرى المحلّلون أنّ الداعمين الدوليّين للرئيس الأسد، بما في ذلك روسيا وإيران وميليشيا «حزب الله» اللبنانية، في موقف ضعف وانشغال بسبب الحروب في أوكرانيا وغزة ولبنان، ممّا جعل هذه اللحظة فرصة سانحة للمتمرّدين السوريّين لشنّ هجوم.

وأشار المحلّلون إلى أنّ المتمرّدين احتاجوا على الأقل إلى ضوء أخضر ضمني من تركيا، التي شعرت بالإحباط من توقف المحادثات مع الأسد بشأن إعادة اللاجئين السوريّين الموجودين في تركيا. ووفقاً لهم، ربما دفعت تركيا المتمرّدين للتحرّك للحصول على نفوذ في المفاوضات وربما لإيجاد أراضٍ يمكن نقل اللاجئين إليها.

ويوضح روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا ويعمل الآن في معهد الشرق الأوسط: «أظنّ أنّ الحسابات التركية تدور حول شيء كهذا: كل يوم يستمر فيه هذا الهجوم ويتقدّم ويفتح المزيد من المساحات، كل يوم هو فرصة لإعادة 5000 لاجئ آخر إلى سوريا».

في مؤتمر صحفي يوم الاثنين، بدا أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يرفض مثل هذه النظريات، قائلاً: «من الخطأ في هذه المرحلة تفسير الأحداث في سوريا بأي تدخّل خارجي». ومع ذلك، حَثّ الأسد على التصالح مع المعارضة. لكنّ المتمرّدين قد يكون لديهم دافعهم الخاص لاستعادة حلب. عندما استعاد الأسد المدينة من المعارضة في عام 2016، اعتُبر ذلك ضربة مدمّرة للمتمرّدين وحوّل مسار الحرب لصالح الأسد. لذا فإنّ استعادة حلب، القلب الاقتصادي للبلاد، هو انتصار كبير للمتمرّدين الذين لم يحققوا أي إنجاز مماثل منذ سنوات.

الأكثر قراءة