في قاعات مؤتمر فندق وكازينو هارد روك في مدينة فورت لودرديل الأسبوع الماضي، كان وجود ممثلين عن حكومة المملكة المتحدة من بين الحضور أمراً مثيراً للدهشة. كان مؤتمر «سوكر إكس»، وهو معرض داخلي يستمر يومَين ليدفع المشاركون مئات الدولارات للدخول وسماع آراء مالكي الأندية والمستثمرين والمسؤولين التنفيذيّين من فِرق كرة القدم في الولايات المتحدة وأوروبا، بينما يتجوّل وكلاء رياضيّون وممثلون عن دوريات رياضية ومحامون ومتخصّصون في البرمجيات ومسوّقو الذكاء الاصطناعي وروّاد أعمال طموحون في قاعة المعرض.
مثّل حكومة المملكة المتحدة ريتشارد ألبرت، رئيس قطاع الاستثمار الرأسمالي في أميركا الشمالية. تتمثّل وظيفته في جذب رؤوس الأموال الأميركية إلى الاقتصاد البريطاني، خصوصاً في مجالات الطاقة النظيفة والعقارات والتكنولوجيا. لكن في الأشهر الـ12 الماضية، برز تركيز جديد: الرياضة، وتحديداً كرة القدم الإنكليزية.
في الأساس، هي خدمة لتسهيل التوفيق بين المستثمرين المَوثوقين الذين يبحثون عن الدعم أو عن فرصة للخروج من الـ»بريميرليغ». وفقاً لألبرت، بالكاد يمرّ يوم من دون أن يتلقّى فريقه استفسارات حول شراء أو بيع أندية كرة القدم الإنكليزية. أظهرت صناديق الاستثمار الخاصة، رأس المال المغامر، صناديق العقارات، صناديق البنية التحتية، وصناديق المعاشات العامة في الولايات المتحدة اهتماماً أو استثمرت فعلياً.
تحاول حكومة المملكة المتحدة تسهيل الاستثمار في أحد أنجح الصادرات الاقتصادية البريطانية: الـ«بريميرليغ»، الذي يُبَثّ في 189 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
في أيار، أعلن الـ»بريميرليغ» أنّ 1,87 مليار شخص حول العالم يتابعون هذه المسابقة، وأنّ 900 مليون منزل عالمياً يمكنها مشاهدة مباريات الدوري. لذلك، ليس من المستغرب أن يجذب هذا المنتج المستثمرين الأميركيّين، خصوصاً مع حصوله على 450 مليون دولار (355 مليون جنيه إسترليني) سنوياً فقط من حقوق البث في الولايات المتحدة عبر شبكة NBC.
قبل 20 عاماً فقط، لم يكن هناك أي مالكين أميركيِّين في الـ«بريميرليغ». أمّا الآن، فإنّ 9 من أصل 20 فريقاً في الدوري يملكونهم مستثمرون أميركيّون: مانشستر يونايتد، أرسنال، أستون فيلا، ليفربول، تشلسي، فولهام، بورنموث، كريستال بالاس، وإيبسويتش تاون.
وتشمل هذه الملكيات بعض الشخصيات الأكثر شهرة، وأحياناً الأكثر إثارة للجدل في كرة القدم الإنكليزية - عائلة جليزر، عائلة كرونكي، تود بويلي ومجموعة «كليرليك كابيتال»، ومجموعة «فينواي الرياضية». ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد مع اقتراب استحواذ عائلة فريدكين من تكساس على إيفرتون.
يبحث عدد من الأندية الإنكليزية الأخرى عن استثمارات خارجية، إذ كُلِّف بنك «روتشيلد» التجاري بمهمّة العثور على استثمارات لتوتنهام هوتسبير، برينتفورد، ووست هام يونايتد. كما استعانت حكومة المملكة المتحدة بـ»روتشيلد» وشركة «ديلويت» الاستشارية كجزء من عملية التوفيق بين المؤسسات الرياضية البريطانية والمستثمرين. وشملت هذه الجهود شراكات لتقديم مستثمرين أميركيين محتملين للحصول على حقوق الملكية في بطولات مثل «ذا هاندرد» للكريكيت.
بالتالي، من المحتمل بشكل متزايد، وربما حتى مرجّح، أن تصبح أغلبية فرق الـ«بريميرليغ» مملوكة من قِبل مستثمرين أميركيّين في المستقبل.
لماذا يتجه المستثمرون الأميركيون
نحو الـ«بريميرليغ»؟
في مقابلة مع صحيفة «فاينانشال تايمز» في وقت سابق من هذا العام، أوضح جون دبليو هنري، المالك الرئيسي لمجموعة «فينواي الرياضية»، أنّ ملكية الفرق الرياضية تطوّرت من «إدارات عائلية صغيرة» إلى «أعمال تجارية قاسية وتنافسية». في الـ«بريميرليغ»، كان الاستثمار الأميركي في قلب التحوّل. يمكن تقسيم هذا الاستثمار إلى شكلَين رئيسَيين: المكاتب العائلية والأموال المؤسسية، لكن في السنوات الأخيرة ومع زيادة قيمة الصفقات، بدأت الحدود بين النوعَين تتلاشى.
بدأ كل شيء عام 2005 عندما استحوذت عائلة غلايزر، التي كانت تمتلك فريق «تامبا باي بوكانيرز» في دوري كرة القدم الأميركية، على مانشستر يونايتد مقابل 790 مليون جنيه إسترليني، في صفقة استحواذ مثيرة للجدل ومموّلة بالديون بشكل كبير. وخلال ما يقرب من 20 عاماً من الملكية، أنفقت العائلة 815 مليون جنيه إسترليني لتسديد ديون النادي و432 مليون جنيه إسترليني كأرباح.
مع ذلك، فإنّ النموذج الذي اتبعته عائلة غلايزر لم يكن تمثيلياً للاستثمارات الأميركية التي تبعتها. فبينما كانت هناك قصص فشل أخرى، مثل ملكية جورج جيليت الإبن وتوم هيكس لليفربول، كانت هناك أيضاً نماذج ناجحة مثل مجموعة «فينواي الرياضية» التي أنقذت النادي من حافة الإنهيار في عام 2010.
نماذج استثمارية جديدة وأهداف مستقبلية
تُظهر قصص النجاح مثل ليفربول، الذي انتقل من قيمة شراء 300 مليون جنيه إسترليني في 2010 إلى أكثر من 4 مليارات جنيه إسترليني اليوم، الإمكانات الهائلة للاستثمار في الـ«بريميرليغ». كما أنّ أندية مثل إيبسويتش تاون تقدّم مثالاً آخر، إذ ارتفعت قيمة النادي من 30 مليون جنيه إسترليني في 2021 إلى أكثر من 250 مليون جنيه إسترليني قبل ترقيته إلى الـ»بريميرليغ».
مع ذلك، تواجه الأندية الإنكليزية تحدّيات مالية كبيرة، إذ سجّلت خسائر تجاوزت مليار جنيه إسترليني في موسم 2022-23. ومع ذلك، يواصل المستثمرون الأميركيون اعتبار الـ«بريميرليغ» فرصة لتحقيق مكاسب طويلة الأمد بفضل شعبيّته العالمية ونمو حقوق البث الإعلامي.
في ظلّ هذه الديناميكيات، يبدو أنّ النفوذ الأميركي على كرة القدم الإنكليزية سيزداد بشكل أكبر في السنوات المقبلة، مع آمال بمزيد من الابتكارات والاستثمارات لتطوير هذه الرياضة عالمياً.
يأمل المستثمرون الأميركيون في أن يؤدّي الاستثمار الأكبر في الـ«بريميرليغ» إلى تعزيز حقوق وسائل الإعلام، خصوصاً من خلال منصات البث المباشر للمستهلك، إذ إنّ هذه المنصات أنفقت مليارات الدولارات للحصول على حقوق المحتوى.
كما يتطلّع المستثمرون إلى تحسين طرق تفاعل الأندية مع قاعدة جماهيرها العالمية وابتكار وسائل أكثر فعالية لتحقيق الأرباح. وهناك أيضاً فرص إضافية يُعتقد أنّها مرتبطة بملكية الفرق الرياضية، مثل تطوير الملاعب، الاستثمارات في العقارات، التجزئة، التكنولوجيا، وشركات الأغذية والمشروبات؛ مستندين إلى فكرة الرياضة كوسيلة ترفيهية.
تتداول أفكار أخرى في أروقة القوة داخل أندية الـ«بريميرليغ». إذا كانوا يريدون حقاً تعظيم الإيرادات من السوق الأميركية، حيث يتوقع أن يكون هناك مجال أكبر للنمو، فهل من الحكمة الاستمرار في إقامة المباريات عند الساعة 12:30 ظهراً يوم السبت، حين تكون الساعة 4:30 صباحاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة؟ قد يؤدّي نقل المباريات إلى وقت لاحق من اليوم إلى منافسة أكبر مع الرياضات الأميركية، لكن هل يمكن العثور على حَلّ وسط يرضي الطرفَين؟
ثم هناك مفهوم يأمل العديد من المسؤولين في الدوري الإنكليزي الممتاز في تحقيقه سراً، لكنّهم يخشون الإفصاح عنه علناً حالياً: أخذ المباريات التنافسية خارج البلاد وإقامتها في أماكن دولية. وتقترب الهيئة الحاكمة العالمية لكرة القدم (فيفا) من تأكيد تغيير في السياسة يسمح بتحقيق ذلك، ولم يُخفِ الدوري الإسباني (لا ليغا) نيّته في أخذ المباريات إلى ميامي.
وأوضح توم فيرنر، رئيس مجموعة «فينواي سبورتس»، لصحيفة «فاينانشال تايمز» في وقت سابق من هذا العام: «أنا مُصمِّم على أن تقام مباراة من الـ«بريميرليغ» يوماً ما في نيويورك. لديّ حتى فكرة مجنونة نوعاً ما، وهي أن يكون هناك يوم تُقام فيه مباراة في طوكيو، وبعد ساعات قليلة في لوس أنجليس، ثم بعد ساعات قليلة في ريو دي جانيرو، وبعد ساعات قليلة أخرى في الرياض، ليصبح يوماً يُحتفَل فيه بالـ«بريميرليغ» عالمياً».
لكنّ رئيسه في «فينواي سبورتس» والمالك النهائي لنادي ليفربول، جون هنري، قلّل من أهمية هذه الفكرة. ومع ذلك، ومع دخول المزيد من الأميركيّين إلى المشهد، يمكننا توقّع المزيد من النقاشات حول هذه الأفكار في المستقبل.