مصلحة لبنان اليوم تقتضي اجتماع كافة الأفرقاء في حوار وطني، والتعالي عن كافة الخلافات السابقة، والانطلاق من ثوابت رئيسية لإخراج لبنان من الأزمة التي وقع فيها. فالوقت الآن ليس للمزايدات وتصفية الحسابات، لأنّ لبنان يواجه تحدّيات كبيرة، بالتالي يتطلّب ذلك عملاً جدّياً وإحساساً وطنياً عالياً، ووضع خارطة طريق موحّدة لمواجهة التحدّيات:
- أولى الثوابت التي يجب الاتفاق عليها، هي إخراج لبنان من لعبة المحاور وربطه بساحات خارجية، لأنّ ذلك لم يجلب لنا إلّا الخراب والنزاعات، ولم نقدر على حل أية مشكلة. فلذلك من الأفضل الالتفات إلى مشاكلنا الداخلية وهي كثيرة، وقد طالبنا بهذه النقطة مراراً، وفي إحدى المقالات "مشاكلنا بتكفينا وأكثر" شدّدنا على أنّ "العالم فيه الكثير من الظلم من جهات عدة، لن نحلّها نحن بقدرتنا، ما دمنا لا نستطيع حل مشكلاتنا الخاصة. إشفقوا علينا ووَفّروا علينا غضب الآخرين".
ثانياً، إيجاد صيغة لبنانية لوضع استراتيجية تحقق أكبر نسبة من القدرة الدفاعية. وكنا اقترحنا صيغة تقضي بأن يمتلك جميع اللبنانيّين قدرة حرب العصابات، تقريباً مثل تجربة سويسرا، بما يُعرف بـ Switzerland’s militia system. وفي هذا السياق، لا نقلّل من قيمة الجيش اللبناني، لكن لبنان لا يملك قدرة مواجهة اعتداءات خارجية عن طريق قتال نظامي، لأنّ كل موازنة الدولة لن تكفي لتسليح جيشه وجعله قادراً على خَلق معادلة رَدع. الجيش يستطيع أن يؤدّي دوراً أساسياً في الحفاظ على السلم الداخلي والأمن في الداخل.
- ثالثاً، إيجاد حَلّ نهائي للفساد المتجذّر عميقاً في الدولة اللبنانية، والذي جلب الويلات للبلد وأفرغه من طاقاته ومنعه من الاستفادة من قدراته العديدة. فعلى رغم من الصورة السوداوية، فإنّ لبنان قادر أن يبني اقتصاداً قوياً مزدهراً. وأولى الخطوات لدرء الفساد واقتلاعه هي الشفافية المطلقة التي تشكّل الطريقة الأفعل لمراقبة عمل الدولة وإشراك اللبنانيين مقيمين ومغتربين، في عملية بناء الدولة.
- رابعاً، حل جذري للقطاع المصرفي المتهالك عبر الإجابة عن الأسئلة المطروحة، وإعادة فورية لما تبقّى من الودائع، وإجراء محاسبة شفافة عن المرحلة التي أدّت إلى ارتكاب سرقة القرن، وإطلاق مصارف جديدة للأوادم تكون الشفافية أساس عملها. هذه خريطة الطريق الأولية لتخليص لبنان من أزماته. والواجب الوطني يُحتّم على كل الأفرقاء بتناقضاتهم وخلفياتهم، الجلوس سوياً لتخليص لبنان ونقله من الخراب إلى الإزدهار.