إن كان لبنان ينتظر هوكشتاين فهو من ينتظر؟!
جورج شاهين
Thursday, 14-Nov-2024 06:40

جدّدت تل أبيب في الساعات القليلة الماضية بث موجات «التفاؤل المزيف» بقرب التفاهم على مشروع لوقف النار «يوفّر لها أفضل الشروط على الجبهة الشمالية». وبعدما حصرتها بحصيلة المفاوضات مع واشنطن، شكّكت في «إمكان قبول لبنان بما هو مطروح». وهو ما تلاقى مع تأكيد الرئيس نبيه بري، انّه لا يعترف بأي أوراق غير تلك التي تمّ تبادلها مع الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين. وعليه، طُرح السؤال عن مستقبل مهمّة هوكشتاين ومصير السيناريو الإسرائيلي؟

على وقع مسلسل الغارات الإسرائيلية المدمّرة للضاحية الجنوبية، بعدما توسعت لتشمل المراكز الطبية والصحية، ومناطق مختلفة من جنوب لبنان والبقاعين والمجازر المرتكبة في مناطق متعددة من الشوف وعاليه حتى شمال لبنان، والتهديدات المتتالية لرئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، بتوسيع العملية العسكرية البرية، ومعه الناطق الرسمي باسمه أفيخاي أدرعي، الذي يتولّى إدارة موجات النزوح بين المناطق، واصلت تل ابيب بث السيناريوهات المزيفة المتلاحقة، حول مشاريع تهدئة الجبهة الشمالية وإمكان التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار، يوفّر لها الضمانات الكافية، بما يقدّم صورة متناقضة بين التحضيرات التي تستعد لها القيادة العسكرية في مواجهة غير متكافئة مع مساعي التهدئة «الديبلوماسية العاجزة»، بما يوحي بعملية تبادل أدوار استنسخت التجارب السابقة التي عاشتها المفاوضات في شأن غزة طوال الأشهر الماضية، بما فيها من عبارات ومعادلات عسكرية.

على هذه الخلفيات توجّهت الأنظار إلى ترقّب النتائج التي يمكن ان يفضي اليها اللقاء الذي استضافه البيت الابيض أمس بين الرئيسين جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب، وما يمكن ان يعكسه أي تفاهم لخفض التصعيد في عدد من الأزمات الدولية الكبرى، ومنها الحرب في منطقة شرق المتوسط، من أجل استشراف المرحلة المقبلة، وما يمكن ان تنتهي إليه هذه المساعي. وكل ذلك يجري فيما لم ينس أحد بعد الفشل الذي مُنيت به المبادرات المتعددة التي قادها بايدن ومعه نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، والدعم الذي لقيته مبادرتهما من مجموعة الدول الخليجية والعربية والاوروبية منذ إطلاقها على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. وهي خطوة دخلت مرحلة الموت السريري قبل أن يجف حبرها، عندما قاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عملية اغتيال الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله من مكان إقامته في الامم المتحدة في 27 ايلول الماضي، مع ما شكّلته من صدمة ما زالت تردّداتها ماضية حتى اليوم.

وإلى ما هو منتظر من معطيات يمكن ان تضيء على ما يمكن ان تحمله الايام المقبلة من تطورات غامضة، ظهر واضحاً انّ لبنان ينتظر أي خبر يتعلق بمصير مبادرة هوكشتاين. فهو الوسيط الوحيد الذي ما زال موجوداً في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، ومع بقية الأطراف المعنية بالأزمة وتطوراتها، عدا عن تلك المهمّات التي اضطلع بها موفدون آخرون من أكثر من دولة غربية وعربية. ذلك أنّ لبنان لم يتبلّغ بعد أي اجوبة يمكن التوقف عندها منذ ان تفاهم بري وهوكشتاين على ما سُمّي خريطة طريق إلى وقف النار والمراحل التالية الآيلة الى تنفيذ القرار 1701 والخطوات الملحقة به على المستويين العسكري والسياسي.

وفي انتظار تلك الأجوبة التي تعهّد بها هوكشتاين ولم يستكمل مهمّته بعد، كان المفاوض اللبناني واضحاً بلسان بري، الذي اكّد في غمرة المشاريع المتداولة بين الفينة والفينة «أنّ ما يتمّ تداوله مجرد معلومات إعلامية»، وانّ لبنان «ينتظر اقتراحات ملموسة لاتخاذ الموقف المناسب». مضيفاً «أنّ الحل المطروح حاليًا هو تنفيذ القرار الأممي 1701، الذي أوقف حرب 2006، وضرورة التزامه من جميع الأطراف»، في إشارة واضحة إلى «أنّ الالتزام لا يجب أن يكون من الجانب اللبناني وحده»، في إشارة معلنة الى ما يمكن ان تتعهّد به تل أبيب وواشنطن وأي طرف يضطلع بدور الراعي لأي اتفاق.

وإن غاص المراقبون في البحث عن حيثيات الموقف اللبناني، فلن يكون صعباً، ذلك انّ بري أبلغ إلى المعنيين من كل الاطراف، انّه لا يمكنه ان يجاري الاقتراحات المطروحة من الجانبين الاميركي والاسرائيلي، ولا سيما منها تلك التي تحاكي تغيير شكل ومهمّة «اللجنة الثلاثية» المكلّفة المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل عبر قيادة «اليونيفيل»، وخصوصاً الاقتراح القائل بتحولها «خماسية»، بعد ضمّ ممثلين عن فرنسا والولايات المتحدة، وآخر يوسعها إلى «سباعية» لتضمّ إيضاً كلاً من ألمانيا وبريطانيا. وعليه، فإنّ لبنان إن أجمع على موقف بري، فإنّه يرغب أن تعود الامور إلى المرحلة التي سبقت اغتيال السيد نصرالله، متمسكاً بما انتهت إليه مفاوضات هوكشتاين وبما حملته من الضمانات التي طُرحت سابقًا، خلال مساعٍ مشتركة بين الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية مثل السعودية، عندما وافق لبنان على وقف النار والتي رفضها نتنياهو مترجماً عدائيته باغتيال السيد نصرالله.

وبناءً على ما تقدّم، فقد لفتت المراجع المعنية الى أنّ «الصمت» أبلغ من «الثرثرة» تجاه كل ما هو مطروح ما بين تل أبيب وواشنطن، وخصوصاً ما انتهت إليه مهمّة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر، الذي ابتدع له نتنياهو أدواراً بديلة من تلك التي قام بها وزير الدفاع السابق يوآف غالانت قبل إقالته، سواء تلك التي قام بها في موسكو او في زيارته واشنطن ولقائه الذي كشف عنه مع الرئيس ترامب بعد انتخابه. فلبنان يدرك انّ نتنياهو بدّل من استراتيجيته الحكومية باعتماده على دريمر الذي شغل منصب سفير بلاده في واشنطن إبان ولاية ترامب السابقة، لتغيير بوصلة مفاوضاته في الداخل والخارج، مستفيداً من علاقاته بالإدارة الاميركية القديمة العائدة الى البيت الأبيض، في أي نقاش أجراه في شأن «خطط إسرائيل في غزة ولبنان وإيران». فهي ملفات على لائحة اسرائيلية واحدة.

وفي اختصار لا بدّ منه، يبقى الاعتراف ضرورياً بأنّ لبنان ينتظر ما سيحمله هوكشتاين او غيره، فإن عاد هو بشيء عملي بعد لقاء ترامب وبايدن كان به، وإلّا علينا إحصاء عدد الغارات الاسرائيلية اليومية وحصيلتها المدمّرة الى أجل غير مسمّى، وإلى حين التثبت مما ينتظره هوكشتاين نفسه وترجمة كلماته التي نُسبت إليه أخيراً بقوله «إنّ هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان قريباً»، في انتظار التثبت من حجم الأمل الذي يحمله والألم الذي يعيشه اللبنانيون.

الأكثر قراءة