ألهمت الحروب اللبنانية التي شهدها لبنان على مدى العقود الماضية، العديد من المخرجين لصناعة أفلام تناولت هذا الصراع من زوايا مختلفة، ممّا ساهم في توثيق ذاكرة الحرب وإبراز تبعاتها النفسية والاجتماعية على المجتمع.
هذه الأفلام لا تعكس فقط أهوال الحروب، بل تُقدِّم تحليلاً عميقاً للانقسامات الطائفية والسياسية التي عاشها اللبنانيّون.
أحد أبرز الأفلام التي جسّدت الحرب الأهلية اللبنانية هو «بيروت الغربية» (1998)، للمخرج زياد دويري. تدور أحداث الفيلم خلال عام 1975، في بداية الحرب الأهلية، ويروي قصة شاب مراهق يدعى طارق ويعيش في بيروت الغربية، الجزء المسلم من المدينة. ويلتقط الفيلم التحوّلات التي طرأت على المجتمع اللبناني، إذ يتعامل طارق مع العنف والصراعات الطائفية، بالإضافة إلى التحدّيات التي واجهتها عائلته في ظل تفكّك النظام الاجتماعي. كما يعكس الفيلم الواقع المتفكّك والاضطرابات التي عصفت بالحياة اليومية في بيروت.
يقدّم فيلم «الكرنتينا» (2010) للمخرج جورج هاشم، رؤية مختلفة لتأثير الحرب الأهلية على العلاقات الاجتماعية. وتدور أحداث الفيلم حول عائلة تعيش في ضواحي بيروت، في منطقة مهجورة كانت مسرحاً للعديد من الاشتباكات. كما يُظهر الفيلم كيف أنّ الحرب لم تقتصر آثارها على الدمار المادي، بل أفرزت مشاكل اجتماعية ونفسية عميقة، إذ تعاني الشخصيات من العزلة والغضب والتفكّك الأسري.
في عام 2018، قدّمت نادين لبكي فيلم «كفرناحوم»، الذي لا يتناول الحرب بشكل مباشر، لكنّه يعكس تداعيات الحروب اللبنانية على الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، مثل الأطفال واللاجئين. ويصوّر الفيلم حياة طفل صغير يعيش في أحياء بيروت الفقيرة، ويعاني من الإهمال والفقر المدقع، ما يعكس واقعاً صنعته عقود من النزاعات التي دمّرت البنية التحتية والاقتصاد.
هذه الأفلام، وغيرها مثل «وهلأ لوين؟» (2011) لنادين لبكي، لا توثّق فقط الأحداث الدامية، بل تقدّم أيضاً حواراً حول المصالحة والتعايش بعد الحروب، وتجسّد تجربة لبنان المعقّدة بين الماضي والحاضر.