مسعى أميركي لإحياء خطة فاشلة لليونيفيل في حرب لبنان
مايكل كراولي- نيويورك تايمز
Saturday, 12-Oct-2024 06:24

يناقش مسؤولو إدارة الرئيس جو بايدن حول ما إذا كان من الممكن أن تكون خطة الأمم المتحدة التي أنهت آخر غزو لإسرائيل للبنان قادرة على الصمود هذه المرّة. في قلب الجهود الديبلوماسية المحمومة لوقف غزو إسرائيل لجنوب لبنان، يوجد قرار قديم للأمم المتحدة كان يهدف إلى نزع السلاح من المنطقة وحماية إسرائيل من الهجمات عبر الحدود من «حزب الله».

يتفق جميع الأطراف على أنّ هذا التدبير، وهو قرار مجلس الأمن رقم 1701، كان فشلاً تاماً. كما يتفقون على أنّ إحيائه قد يكون السبيل الوحيد للخروج من الحرب المتزايدة لإسرائيل إلى شمالها.


وأوضح المتحدّث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، للصحافيِّين يوم الاثنين في حديثه عن استمرار الهجوم الإسرائيلي في لبنان أنّ «النتيجة التي نرغب في رؤيتها هي التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701».


وأشار ميلر إلى أنّ هذا يعني انسحاب قوات «حزب الله» من الحدود بين إسرائيل ولبنان، ونشر قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني في المنطقة العازلة في جنوب لبنان التي سعى القرار إلى إنشائها.


إعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 1701 في آب 2006 كجزء من وقف إطلاق النار الذي أنهى آخر حرب لإسرائيل مع لبنان. ودعا القرار إلى «منطقة خالية من أي أفراد مسلّحين أو معدات أو أسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان وقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة المعروفة بقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان أو اليونيفيل».


في الأيام الأخيرة، استحوذ موضوع كيفية استعادة هذا القرار على اهتمام كبار المسؤولين الأميركيِّين، بمَن فيهم وزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن وآموس هوكستين، وهو كبير مساعدي الأمن القومي في البيت الأبيض، الذي كان يعمل منذ أشهر على التوسط في اتفاق بين إسرائيل و»حزب الله» لاستعادة الهدوء على الحدود بين إسرائيل ولبنان.


كما عمل بلينكن على الاتصال بالمسؤولين العرب لمناقشة مستقبل لبنان السياسي، إذ يأمل المسؤولون الأميركيّون أن يتمّ تقليص نفوذ «حزب الله» المدعوم من إيران.


لكن وعلى الرغم من أنّ الديبلوماسيِّين الأميركيِّين والإسرائيليِّين واللبنانيِّين يجرون مناقشات مكثّفة حول كيفية إحياء القرار 1701، فإنّهم يواجهون عدة تحدّيات شاقة.


أبرز هذه التحدّيات هو كيفية فرض الالتزام بأن يظل مقاتلي «حزب الله» خلف نهر الليطاني في لبنان، على بُعد عدة أميال شمال الحدود مع إسرائيل، وهو التفويض الذي خالفته الجماعة لسنوات.


سمح ذلك لـ»حزب الله» بتجميع قوات وذخائر ضمن مدى الهجوم على شمال إسرائيل - ومكّنه من إطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل على مدار العام الماضي تضامناً مع «حماس»، منذ أن قادت المجموعة الأخيرة الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023 وأشعلت حرباً انتقامية في غزة.


ونتيجة لذلك، فرّ أكثر من 60,000 من سكان شمال إسرائيل من منازلهم، وهو ما وصفه المسؤولون الإسرائيليّون بوضع لا يُطاق. كما نزح عشرات الآلاف من اللبنانيِّين بسبب أشهُر من الانتقام الإسرائيلي، وهو عدد تضاعف منذ أن بدأت إسرائيل ما تسمّيه «غزواً محدوداً» لجنوب لبنان في 1 تشرين الأول.


السؤال المتعلق بذلك هو ما إذا كان يمكن طمأنة إسرائيل بأنّ انسحاب قواتها من لبنان سيكون آمناً. على مَرّ السنين، وقفت قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني في الغالب مكتوفة الأيدي، بينما كان «حزب الله» يبني حضوراً كبيراً وخطيراً بالقرب من حدود إسرائيل، وهو ما يشدّد الجيش الإسرائيلي على أنّه مُصمِّم على تطهيره.


أحد الأسباب لذلك هو ما يسمّيه بعض المحلّلين عيباً قاتلاً في مهمّة 10,000 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من 46 دولة الذين يشكّلون «اليونيفيل»: لم يتمّ تمكينهم من استخدام القوة ضدّ «حزب الله». (أثارت إسرائيل غضباً بعد أن أصيب ثلاثة من أفراد القوة الدولية بنيران إسرائيلية في حادثَين منفصلَين يومَي الخميس والجمعة. وقد رفضت قوة الأمم المتحدة دعوة إسرائيل لها بمغادرة جنوب لبنان خلال الغزو).


في إفادة يوم الخميس، قدّم ديفيد مينسر، المتحدّث باسم الحكومة الإسرائيلية، تقييماً قاسياً للقرار 1701 وقوة حفظ السلام المكلفة بتطبيقه. وأوضح مينسر: «كان المفتاح في ذلك القرار هو نشر الأمم المتحدة لقوة على حدودنا الشمالية داخل جنوب لبنان، تسمّى «يونيفيل»، وكان هدفها ضمان عدم وجود «حزب الله» في الفجوة بين نهر الليطاني وحدودنا الشمالية. لم يؤدّوا هذه المهمّة أبداً».


وأضاف: «كان عمل «اليونيفيل» فشلاً ذريعاً، كما يتضح من أكثر من 10,000 صاروخ التي تلقّتها هذه البلاد من «حزب الله». وقد اشتكت إسرائيل طويلاً من أنّ الجيش اللبناني، الذي يشترك في مسؤولية فرض المنطقة العازلة، لم يكن لديه رغبة في الاشتباك مع مقاتلي «حزب الله» المجهّزين جيداً.
في الأيام الأخيرة، درست الولايات المتحدة كيفية تنفيذ القرار 1701 بشكل جدّي إذا وافقت إسرائيل و»حزب الله» على وقف إطلاق النار وانسحبت إسرائيل من جنوب لبنان.


ورأى ماثيو ليفيت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي درس القضية لسنوات، أنّ «السؤال الحقيقي هو، هل يمكن فرضه؟». وأضاف ليفيت أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها، بما في ذلك دول الخليج العربية المتحالفة مع إسرائيل ضدّ إيران و»حزب الله»، يجب أن توضح أنّها ستدعم بقوة حكومة لبنان إذا نشر قوات جيشه بشكل جدّي في المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة.


وأضاف: «يجب أن نتواصل ونقول إنّنا سنكون إلى جانبهم، لكن يجب أن يؤدّوا دورهم». وأضاف أنّه يرى هذه اللحظة كفرصة جديدة، مشيراً إلى أنّ حكومة لبنان وجيشها قد يكونان أقل خوفاً من تحدّي «حزب الله» الآن بعدما أضعفته إسرائيل بشدّة.


وأضاف ليفيت أنّ من الأمور الحاسمة أيضاً التصدّي لأي جهود إيرانية لإعادة تسليح «حزب الله» بعد الصراع الحالي، وهو ما فشل المجتمع الدولي في القيام به بعد حرب 2006.


يعتقد بعض الإسرائيليِّين أنّ معاناة مواطنيهم الذين نزحوا من شمال إسرائيل قد تمّ تجاهلها بسبب هجمات 7 أكتوبر والحرب التي تلت ذلك في غزة. وقد أحضر مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، وفوداً من الإسرائيليِّين النازحين للقاء المسؤولين الأميركيِّين في واشنطن.


طلب كبار المسؤولين في إدارة بايدن من إسرائيل لمدة عام تقريباً عدم شنّ غزو للبنان، بينما كانوا يسعون إلى بديل ديبلوماسي. وكان أحد الاقتراحات التي قدّمها هوكستين يقضي بانسحاب مقاتلي «حزب الله» مسافة 10 كيلومترات فقط من الحدود الإسرائيلية، بحسب ليفيت. وهذا يعادل نحو ثلث المسافة من الحدود إلى نهر الليطاني، لكنّ إسرائيل كانت مستعدة لدعم الإجراء لأنّه يمثل النطاق الخارجي للسلاح المفضّل لـ»حزب الله» للهجمات عبر الحدود، وهو صاروخ «كورنيت» الروسي المضاد للدبابات.


مع تصاعد هجمات «حزب الله» خلال الصيف، إلى جانب الضربات المضادة الإسرائيلية، قال بلينكن إنّ إسرائيل قد «فقدت السيادة» على شمالها. وفي تصريحات خلال زيارة إلى لاوس يوم الجمعة، أشار إلى أنّ «لإسرائيل مصلحة واضحة ومشروعة للغاية» في استعادة الأمن لشعبها هناك.


ويُصرّ بلينكن على أنّ الحَلّ الأفضل هو الحل الديبلوماسي، وفي 26 أيلول طرحت الولايات المتحدة اقتراحاً لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً بين إسرائيل و»حزب الله».
لكنّ إسرائيل رفضت الاقتراح بسرعة، وبدأت ما تسمّيه «توغلاً محدوداً» في جنوب لبنان في 1 تشرين الأول.


منذ ذلك الحين، لم يعتبر المسؤولون الأميركيّون خطة وقف إطلاق النار التي قدّموها في 26 أيلول أولوية عاجلة، ممّا أعطى إسرائيل مساحة لتنفيذ ما كان هجوماً ناجحاً بشكل مفاجئ ضدّ «حزب الله».


يوم الأربعاء، أوضح ميلر، المتحدّث باسم وزارة الخارجية، أنّ الولايات المتحدة ترى أنّ إسرائيل «لها الحق في تنفيذ هذه التوغّلات المحدودة» لإضعاف «حزب الله» وإجباره على الانسحاب خلف نهر الليطاني. وأشار إلى أنّ استعادة القرار 1701 تتطلّب أيضاً انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان إلى حدودها.


الآن، يرى المسؤولون الأميركيّون والإسرائيليّون فرصة لتحويل النكسات العسكرية لـ»حزب الله» إلى دور مخفّض للجماعة، التي تُعدّ أيضاً حزباً سياسياً قوياً في الحكومة اللبنانية.
ولم يتمكن لبنان، الذي لديه نظام لتقاسم السلطة على أساس طائفي، من اختيار رئيس منذ ما يقرب من عامَين، جزئياً بسبب عرقلة «حزب الله». ويوم الأربعاء، أشار ميلر إلى أنّ واشنطن تأمل أن تسمح الأزمة للبنان «بكسر قبضة حزب الله».

الأكثر قراءة