شاركت الفنانة اللبنانية هبة طوجي، المعروفة بصوتها القوي وارتباطها العميق بوطنها، في القمة الفرنكوفونية الـ19 التي أُقيمت في 4 و5 من تشرين الاول في فيلير-كوتريه، فرنسا. جاءت هذه القمة في لحظة حرجة للبنان، الذي يعاني من تداعيات الحرب المستمرة مع إسرائيل، ما جعل المشاركة أكثر من مجرد مناسبة سياسية، إذ حملت طابعاً عاطفياً مرتبطاً بعمق مع الواقع اللبناني المؤلم.
تحية إلى بيروت
مشاركة هبة طوجي في هذه القمة لم تقتصر على عرض فني بسيط؛ بل كانت تحية صادقة لوطنها لبنان، الذي يئن تحت وطأة الحرب. دُعيت طوجي من قبل المستشارة الثقافية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتكون سفيرة لصوت بيروت في هذا المحفل الدولي. قدّمت أداءً مؤثرًا لأغنية «لبيروت» لفيروز، تلك الأغنية التي ارتبطت بشكل وثيق بتاريخ العاصمة اللبنانية، وما مرّت فيه من أزمات وحروب.
كان لهذه اللحظة تأثير عاطفي قوي، حيث شعرت طوجي بثقل المسؤولية وهي تمثل بلداً يعاني. وفي مقابلة لها مع صحيفة «لوريان لو جور»، قالت: «قلوبنا مثقلة، نحن ممزقون تماماً مما يحدث، ولكن اليوم علينا أن نرفع صوت لبنان عالياً وواضحاً». أغنيتها لم تكن مجرد تكريم لبيروت، بل كانت تذكيراً بالمأساة التي يعيشها الشعب اللبناني، ورسالة أمل وصمود في وجه التحدّيات.
تمثيل رمزي للبنان
ما زاد من رمزية مشاركة طوجي في القمة الفرنكوفونية هو غياب الوفد الرسمي اللبناني بشكل كامل، حيث حضر فقط وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد مكاري. في ظل هذا الغياب، أصبحت طوجي الصوت الرمزي للبنان، حيث لامس أداؤها قلوب اللبنانيين والمجتمع الدولي. وكأنّها تحمل على عاتقها رسالة شعب بأكمله، استخدمت طوجي موهبتها لإيصال صوت بيروت وصوت اللبنانيين للعالم، مؤكّدة على أهمية الفن في التعبير عن مشاعر الشعوب وإيصال معاناتهم.
القمة الفرنكوفونية كانت مناسبة لتكريم بيروت، المدينة التي طالما كانت رمزًا للثراء الثقافي، والتي تعاني اليوم من تداعيات الحرب. اختارت المنظمة الدولية للفرنكوفونية أن تسلّط الضوء على بيروت كمدينة للصمود والتحدّي، ورغم غياب الوفد الرسمي، كان صوت طوجي هو الذي حمل هذا التكريم، مجسّداً معاناة لبنان ورسالة الأمل.
رسالة الفن في زمن الحرب
أداء هبة طوجي كان تذكيراً قوياً بالدور الحاسم الذي يلعبه الفن في أوقات الأزمات. على مدار التاريخ، كان الفن وسيلة قوية للتعبير عن آلام الشعوب وآمالهم. في ظل المعاناة التي يمرّ فيها لبنان، يواصل الفنانون مثل طوجي استخدام منصاتهم لرفع الوعي بالمأساة الإنسانية والمطالبة بالسلام. وفي هذا السياق، قالت طوجي: «لبنان بحاجة إلينا الآن أكثر من أي وقت مضى». عبر موسيقاها، ضمنت أنّ صرخات بيروت سُمعت على المسرح العالمي، مضيفة أنّ صوت الفن قادر على تحريك الضمائر وجمع الأمم حول رسالة واحدة.
الفن والحرب في لبنان
العلاقة بين الفن والحرب في لبنان ليست جديدة. على مدار سنوات الصراع، لعب الفنانون دوراً محورياً في توثيق المعاناة وتعزيز الأمل. فيروز، مثلاً، كانت وما زالت صوتاً للأمل والحنين في زمن الحرب الأهلية، حيث تحوّلت أغانيها إلى رموز للصمود في وجه المصاعب. مارسيل خليفة، من جانبه، استخدم موسيقاه للمقاومة والنضال، حيث تمحورت أعماله حول الحرّية والعدالة. كذلك خالد الهبر، الذي دمج في أغانيه بين النقد السياسي والقدرة على بث روح المقاومة. جوليا بطرس أيضاً كانت صوتاً للتحدّي والثورة، حيث أصبحت أغانيها رمزاً للتحدّي في وجه الاحتلال.
في هذا السياق، مشاركة هبة طوجي في القمة الفرنكوفونية تأتي كامتداد لهذا التراث الفني العريق. اختيارها لأغنية «لبيروت» لم يكن مجرد صدفة، بل كان تأكيداً على قوة الفن في نقل المعاناة وترسيخ الأمل. كما فعل الفنانون اللبنانيون في الماضي، استطاعت طوجي من خلال صوتها وأدائها أن تجسّد آلام الشعب اللبناني، وفي الوقت نفسه أن تحمل رسالة صمود وعزيمة، تُذكّر العالم بأنّ لبنان، رغم كل شيء، سيبقى قوياً.
رسالة أمل وصمود
أغنية «لبيروت» التي أدّتها طوجي لم تكن مجرد أغنية تحكي قصة مدينة، بل كانت تجسيداً لحالة الشعب اللبناني بأكمله. الأغنية، التي كُتبت في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، تعكس الحزن العميق والأمل الدائم في آن واحد. إنّها تحمل في طياتها رسالة أبدية تتعلّق بالصمود والتحدّي، وهي الرسالة نفسها التي حاولت طوجي نقلها من خلال مشاركتها في القمة الفرنكوفونية. عبر الأداء الذي قدّمته، أكدّت طوجي أنّ الفن يمكن أن يكون وسيلة لإعادة إحياء الأمل حتى في أحلك الظروف.
في النهاية، أثبتت هبة طوجي أنّ الفنانين اللبنانيين، مهما اشتدّت الصعاب، قادرون على إيصال أصواتهم ورسائلهم إلى العالم. وبينما يعاني لبنان من حرب مدمّرة، تبقى الثقافة والفن جسراً يوصلنا إلى العالم ويؤكّد على استمرار روح الصمود والمقاومة.