إسرائيل كانت مستعدة لمواجهة مع «حزب الله»... إنهاؤها سيكون أصعب
آدم راسغون- نيويورك تايمز
Monday, 07-Oct-2024 06:17

الدروس المستفادة من غزو لبنان في عام 2006 وجّهت إسرائيل في حربها الحالية. ويرى خبراء الأمن إنّ هناك حاجة إلى اتفاق سياسي لاستعادة الهدوء. فالحرب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل مع حزب الله، في عام 2006، اعتُبرت فاشلة داخل معظم الدوائر الأمنية الإسرائيلية.

كان لدى سلاح الجو الإسرائيلي قائمة أهداف ضعيفة. واجه الجنود الإسرائيليّون الأرضيّون صعوبات أثناء القتال في التضاريس الوَعِرة في جنوب لبنان. ولم تُحقِّق الحرب أهدافها المعلنة المتمثلة في إعادة الجنديَّين الإسرائيليَّين الأسيرَين وإبعاد حزب الله عن المنطقة الحدودية.
وشرحت كارميت فالنسي، الخبيرة الإسرائيلية في شؤون حزب الله، والتي خدمت في مديرية الاستخبارات العسكرية، أنّه «كان هناك درجة معيّنة من الصدمة من نتائج الحرب».


بعد ما يقرب من 20 عاماً، شنّت إسرائيل هجوماً آخر ضدّ حزب الله في لبنان. هذه المرّة، سلسلة من النجاحات - الهجمات التي قتلت قادة حزب الله، شلّت شبكات اتصالاته واستهدفت مستودعات أسلحته - كانت نتيجة مباشرة لاستثمارات إسرائيل في الاستعداد لمواجهة مستقبلية مع حزب الله بعد الأداء المتعثّر في عام 2006، وفقاً لخبراء الأمن الإسرائيليِّين.


لكن مع تقدّم القوات الإسرائيلية إلى عمق لبنان عن طريق البر، ستكون عُرضة إلى مخاطر أكبر، بما في ذلك الأسلحة المتطوّرة التي يستخدمها حزب الله. وإذا فشلت الحكومة الإسرائيلية في تطوير استراتيجية خروج واضحة، كما كافحت للقيام بذلك في غزة، فقد ينتهي المطاف بالجيش بخوض حرب مطوّلة تستنزف موارده إلى أقصى حَدّ.


ساعد توجيه الضربات المتتالية لحزب الله في استعادة سمعة إسرائيل كقوة قوية في الشرق الأوسط، لكنّه أيضاً أبرز كيف كانت البلاد أكثر استعداداً للحرب مع حزب الله على حدودها الشمالية ممّا كانت عليه لغزو حماس، التي قادت الهجمات في السابع من أكتوبر في الجنوب.


وأوضح يعقوب عميدرور، وهو لواء متقاعد شغل منصب مستشار الأمن القومي لإسرائيل من 2011 إلى 2013: «حزب الله أقوى بعشر مرّات من حماس. لكنّ الجيش الإسرائيلي كان مستعداً عشرين مرّة أكثر لحزب الله ممّا كان عليه لحماس».


كما كان حزب الله أكثر استعداداً لحرب مع إسرائيل مقارنةً بالمرّات السابقة، إذ بنى ترسانة يُقدَّر أنّها تحتوي على أكثر من 100,000 صاروخ وقذيفة، ودرّب عشرات الآلاف من المقاتلين. ودرس قادته إسرائيل بعناية، حاسبين على أنّ حزب الله يمكنه تبادل الهجمات مع إسرائيل دعماً لحماس من دون إشعال حرب شاملة.


أظهر الهجوم الإسرائيلي الحالي على حزب الله أنّ ذلك كان خطأً كبيراً في الحسابات. فصعّدت إسرائيل هجماتها في منتصف أيلول، يوم بدأت أسابيع من القصف ضدّ حزب الله واستهدفت مقاتليه بتفجير أجهزة الاتصالات الخاصة بهم. هذه الأجهزة المتفجّرة قتلت أو أصابت بجروح بالغة كلاً من المقاتلين والمدنيِّين.


بعد أيام، قتلت إسرائيل عدة قادة كبار في حزب الله، بما في ذلك إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان - وهي مجموعة من المقاتلين النخبة التي خَلُص المسؤولون الإسرائيليّون إلى أنّها كانت تُخطِّط لغزو شمال إسرائيل.


في 27 أيلول، ضربت إسرائيل مُجمَّعاً تحت الأرض، ممّا أسفر عن مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله الذي حوّل الجماعة إلى قوة سياسية وعسكرية قوية. ويوم الخميس، قالت إسرائيل إنّها حاولت قتل خليفته المحتمل، هاشم صفي الدين، لكن حتى يوم الأحد لم يكن واضحاً ما إذا كانت قد نجحت.


في الوقت عينه، شنّت القوات الإسرائيلية حملة قصف واسعة النطاق ضدّ بنية حزب الله التحتية للأسلحة وقتلت مقاتليه، ممّا أضعف قدرة الجماعة على الردّ بقوة. وقد قُتل المئات من الأشخاص في الغارات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك نساء وأطفال، وفقاً لوزارة الصحة العامة اللبنانية. ولا تُميِّز الأرقام بين المقاتلين والمدنيِّين.


على الأقل، خرجت أربعة مستشفيات في جنوب لبنان عن الخدمة بعد القصف الإسرائيلي، وفقاً لوكالة الأنباء اللبنانية الرسمية. كما علّق مركز سانت تيريز الطبي جنوب بيروت خدماته موقتاً، قائلاً إنّ الضربات الإسرائيلية في الجوار تسبّبت في «أضرار جسيمة».
ويرى الجنرال عميدرور، أنّ عنصراً رئيساً في تفوّق إسرائيل الاستخباراتي على حزب الله كان زيادة نشر الطائرات من دون طيار التي تحوم في سماء لبنان.


وكشف تحقيق أجراه في أداء مديرية الاستخبارات العسكرية قبل وأثناء
حرب 2006 أنّ الطائرات الإسرائيلية من دون طيار في لبنان كانت تُحوّل إلى غزة، ممّا ترك المنطقة بعدد ضئيل للغاية من هذه الطائرات غير المأهولة، بحسب عميدرور. وكان التحقيق بناءً على طلب من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.


وأضاف: «رأيتُ أنّ هناك عدداً قليلاً جداً من الطائرات من دون طيار تحلّق فوق الشمال. وسألت نفسي: مهلاً، ما الذي يحدث هنا؟». وتابع أنّه في السنوات الـ18 التي تلت ذلك، ازداد عدد الطائرات من دون طيار فوق لبنان بشكل كبير.
وأعلنت إسرائيل أنّها زادت من هجماتها ضدّ حزب الله في الأسابيع الأخيرة لتسهيل عودة حوالى 60,000 من سكان شمال إسرائيل الذين نزحوا إلى منازلهم.


وأوضح إيال حولاتا الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لإسرائيل من 2021 إلى 2023، أنّ القوات الإسرائيلية ركّزت على جمع المعلومات الاستخباراتية حول قادة حزب الله وتحرّكاتهم، وكذلك أنظمة الاتصالات والمنشآت السرّية التابعة له.


في حين أنّ حزب الله كان مدركاً منذ فترة طويلة أنّ إسرائيل تُجري عمليات استطلاع على أعضائه، فإنّ الضربات المتكرّرة للجيش الإسرائيلي على قادة الجماعة تشير إلى أنّ حزب الله لم يُدرك مدى تغلغل إسرائيل في صفوفه.
وأضاف حولاتا، الذي يشغل الآن منصباً كبيراً في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي معهد أبحاث مقرّه واشنطن: «نرى الآن كيف أعطتنا هذه المعلومات ميزة».


كانت عملية الاستخبارات الإسرائيلية ضدّ حزب الله قادرة في كثير من الأحيان على جمع المعلومات من اجتماعات سرّية من دون علم حزب الله، وفقاً لثلاثة مسؤولين أمنيِّين إسرائيليِّين تحدّثوا شرط عدم الكشف عن هويتهم، لأنّهم غير مخوّلين التواصل مع وسائل الإعلام.


مع ذلك، قد تكون الاحتفالات في إسرائيل بنجاحاتها الأخيرة مبكرة. فالغزو البري للقوات الإسرائيلية إلى لبنان، الذي بدأ قبل بضعة أيام فقط، قد كلّف بالفعل ثمناً. يوم الأربعاء، قتل مقاتلو حزب الله تسعة جنود إسرائيليِّين خلال بعض المعارك الأولى بين الجانبَين منذ بدء الغزو. وأعلن الجيش أنّ جنديَّين آخرَين قُتلا يوم الجمعة في مرتفعات الجولان التي تُسَيطر عليها إسرائيل.
ويرى الجنرال عميدرور أنّ «الغزو البري سيكون أكثر صعوبة بكثير. نحن نتحدّث عن منظّمة أخطر وأكثر استعداداً وتسليحاً من حماس. إنّها في مستوى آخر».
وكان يُقدّر أنّ حزب الله يضمّ 20,000 مقاتل نشط و25,000 من الاحتياط في عام 2021، وفقاً لكتاب حقائق وكالة المخابرات المركزية. كما أنّ العديد من مقاتليه يمتلكون خبرة عملياتية، إذ قاتلوا إلى جانب الحكومة السورية خلال الحرب الأهلية في ذلك البلد. وادّعى السيد نصر الله ذات مرّة أنّ حزب الله يضمّ 100,000 مسلّح.


وعلى الرغم من أنّ حزب الله فَقدَ حوالى نصف ترسانته في الغارات الجوية، وفقاً لمسؤولين إسرائيليِّين وأميركيِّين كبار، إلّا أنّه يمتلك صواريخ موجّهة مضادة للدبابات، ممّا يُشكّل تحدّياً آخر للجنود الإسرائيليِّين.


والأكثر إثارة للقلق، وفقاً لمعظم خبراء الأمن الإسرائيليِّين، هو أنّ الأمر لم يكن واضحاً إذا ما كانت إسرائيل تمتلك استراتيجية خروج واضحة من لبنان، ممّا يزيد من المخاوف من أنّ الجيش الإسرائيلي قد يتورّط في حرب استنزاف.
ويعتقد هؤلاء الخبراء أيضاً، أنّ الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى ترجمة الإنجازات التكتيكية للجيش إلى نجاح سياسي، من خلال السعي إلى اتفاق دبلوماسي يُعيد الأمن إلى شمال إسرائيل. ومن دون مثل هذا الاتفاق، يرون إنّه ليس من الواضح متى سيتمكّن نحو 60,000 من السكان النازحين من العودة إلى منازلهم.


وأوضح حولاتا، مستشار الأمن القومي السابق: «في الوقت الحالي، لا تبذل القيادة السياسية ما يكفي من الجهد حول كيفية إنهاء هذا الموضوع. أخشى أنّ نجاحاتنا قد تتلاشى من دون استراتيجية واضحة لتحقيق تسوية سياسية».

الأكثر قراءة