لماذا تقلق إسرائيل بشأن الطموحات النووية لإيران؟
رويل مارك جيرشت وراي تاكيه- نيويورك تايمز
Friday, 04-Oct-2024 06:53

تعلّم المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، حدود استراتيجيته في السياسة الخارجية هذا الأسبوع: حتى القوات الوكيلة المدرّبة والمسلّحة جيداً يمكن أن تكون غير موثوقة إذا تمكّن جيش حديث ومُصمَّم من تعطيلها.

بعد وفاة حسن نصر الله والعديد من أعضاء القيادة العليا لحزب الله اللبناني، كان الهجوم الفاشل بالصواريخ الباليستية الذي شنّته طهران على إسرائيل يوم الثلاثاء محاولة لتقليل الإذلال الذي شعرت به طهران بعد أن دمّرت إسرائيل بسرعة أكثر حلفائها المخلصين.

 

مع حزب الله كنموذج وشريك، أتقنت طهران الإمبريالية الإسلامية بأقل التكاليف: حيث تنتشر القوات الوكيلة لنشر العقيدة والإضرار بأعداء إيران مع حماية إيران من الانتقام المباشر.

 

لكن كما كشفت الهجمات الإسرائيلية في غزة ولبنان، فإنّ الطموح للهيمنة الإقليمية مع قدرة تقليدية محدودة يتطلّب مزيداً من القوة النارية والردع ممّا يمكن أن تقدّمه القوات الوكيلة وحدها. ربما تكون إسرائيل قد دمّرت بالفعل الكثير من أخطر صواريخ حزب الله ومنصاتها وأطقمها. ومع الفشل المتكرّر لإيران في إغراق دفاعات إسرائيل الجوية، فإنّ استثمار النظام الهائل في الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز قد أثبت فجأة أنّه غير كافٍ.

 

فإلى أين يمكن أن يتّجه آية الله خامنئي بعد ذلك؟

 

على الرغم من اعتراضات المرشد الأعلى الدينية المعلنة على الأسلحة النووية، فإنّ إيران أحرزت تقدّماً مطرداً في قدراتها النووية خلال العام الماضي. ووفقاً للحكومة الأميركية، فإنّ إيران تقترب الآن من فترة كسر تمتدّ من أسبوع إلى أسبوعَين لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم لصنع قنبلة ذرية واحدة، على الرغم من أنّه قد يستغرقها عدة أشهر لنشر سلاح نووي.

 

مع تعرّض مقاتليها الوكلاء إلى الحصار وإثبات أنّ أسلحتها التقليدية غير كافية، قد تكون طهران أقرب من أي وقت مضى إلى تجاوز العتبة وبناء سلاح نووي. ويمكن أن يؤدّي قصف إيران الصاروخي إلى دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المخاطرة بضربة تهدف إلى استهداف منشآتها النووية وحرمان طهران من السلاح الوحيد الذي يمكن أن يضمن حريّتها في المناورة.

 

لعقود عدة، أرادت القيادة الإيرانية بسط نفوذها من مسافة بعيدة، إذ رأت أنّ شرعيّتها تعتمد على تصدير الثورة الإسلامية إلى الخارج. وكانت الظروف مؤاتية لهذه الاستراتيجية في الشرق الأوسط بعد 11 ايلول.

 

عندما انهار النظام الإقليمي للدول، سارعت طهران إلى سَدّ الفراغ. وشهدت القوات الوكيلة للجمهورية الإسلامية نجاحاً في الحروب الأهلية في العراق وسوريا، ونجحت في إحباط الولايات المتحدة حتى بعد الحملة العسكرية الأميركية في العراق عام 2007 التي قضت على العديد من حلفاء إيران المحليِّين. وفي اليمن، استنزف الحوثيّون المدعومون من إيران، والذين تعمّقت نزعتهم الشيعية مؤخّراً، تحالف السعودية والإمارات.

 

هذا هو الوضع الراهن الذي تحطّم في السابع من تشرين - صعود القوة الإيرانية في بلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية، بينما كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تركّزان على توسيع اتفاقيات أبراهام مع السعودية.

 

على الرغم من أنّ وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية مليئة بقصص مقتل الغزّاويِّين، فإنّ النظام لم يَكن على الأرجح منزعجاً بشكل خاص في السِرّ من الردّ العدواني للسيد نتنياهو على الهجوم الوحشي لحماس. في الواقع، يمثل الردّ القوي من إسرائيل على هجمات السابع من أكتوبر انتصاراً دعائياً كبيراً لطهران، بالنظر إلى أنّه أدّى إلى اندلاع موجة عالمية من المشاعر المؤيّدة للفلسطينيِّين والمعادية للصهيونية.

 

لكن عندما كثّفت إسرائيل هجومها على حزب الله، تغيّرت تلك الحسابات. بالنسبة إلى إيران، إنّ المعركة على الجبهة الشمالية لإسرائيل مختلفة تماماً. لقد دعمت الجمهورية الإسلامية حزب الله منذ تأسيسه في الثمانينات واستخدمته كأداة لتنفيذ أجندتها من بلاد الشام إلى أميركا الجنوبية. ويعمل حزب الله وترسانته من الصواريخ كقوة ضربة ثانية لإيران في حال حاولت إسرائيل استهداف منشآتها النووية.

 

بعد أن تمكنت إسرائيل من صَدّ وابل الصواريخ الباليستية الإيرانية بمساعدة أميركا، تواجه الآن معضلة. لقد تعهّدت بالردّ، وأفادت التقارير أنّها أشارت إلى أنّ المنشآت النووية الإيرانية قد تكون أهدافاً محتملة، بالإضافة إلى منصات النفط الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي.

 

لكنّ تدمير البرنامج النووي الإيراني قد يُمهِّد الطريق لحرب مباشرة مستمرة مع إيران، وهو صراع ستكافح إسرائيل للحفاظ عليه في الوقت الذي تحاول فيه احتواء حماس وحزب الله.

 

وإذا قامت بهجوم مضاد كبير على إيران من دون قصف المنشآت النووية، فستظل الأسلحة التي تحتاجها الثيوقراطية الإيرانية المجروحة لردع أي أعمال إسرائيلية مستقبلية، سليمة.

 

بينما تناقش القيادة العسكرية والمدنية الإسرائيلية مدى الردّ، فإنّ الولايات المتحدة، حليفها الأهم والداعم العسكري، في وضع إدارة الأزمات، إذ تسعى إلى التهدئة على الرغم من أنّها لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف منذ شهور. وأكّد الرئيس بايدن إنّه لن يدعم هجوماً إسرائيلياً على المواقع النووية الإيرانية. لكنّ الرئيس والمرشحَين للرئاسة أعلنوا أيضاً أنّ إيران لن يُسمح لها أبداً بامتلاك قنبلة، وهو أمرٌ لا يتوافق بسهولة مع الدعوات الحزبية في الولايات المتحدة لوقف التورّط في «حروب لا تنتهي».

 

في حين قد تختلف المعسكرات في القدس وواشنطن بشأن أفضل طريق للمضي قدماً، قد يكون التحالف الوثيق بينهما هو الكابح الوحيد المتبقي لطموحات إيران النووية.

 

ولا بد أنّ سلسلة النجاحات الاستخباراتية الإسرائيلية الأخيرة، خصوصاً قصف مجمّع يديره الحرس الثوري الإيراني في طهران ممّا أدّى إلى مقتل إسماعيل هنية، القيادي البارز في حماس، تجعل آية الله خامنئي يتساءل عمّا إذا كان أمراً سرياً بتجميع قنبلة ذرية سيتسرّب ببساطة ويؤدّي إلى ردّ إسرائيلي أو أميركي استباقي.

 

لا يزال الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر يقدّم للثيوقراطية الإيرانية أسباباً للأمل. فقد ألحقت إسرائيل أضراراً كبيرة بوكلائها، لكنّ حماس وحزب الله سيَبقيان على الأرجح. وقد عرقل هذا الصراع تطبيع العلاقات السعودية- الإسرائيلية، وللوقت الحالي، تحالف دفاعي أميركي - سعودي كان سيُشكّل تهديداً كبيراً لطهران.

 

واتخذت الملَكيات السعودية والإماراتية التي كانت تندّد بشدّة في السابق بمكائد الإيرانيِّين وتغذّي آمال إسرائيل في اتفاق شامل ضدّ العدو الشيعي، الآن موقفاً أكثر ليونة في ظل مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيِّين.

 

إذا تمكّن النظام الديني في المستقبل القريب من اختبار سلاح نووي، فإنّه سيقلّل بين عشية وضحاها من أي قوة لإسرائيل وأميركا في المنطقة. فالولايات المتحدة لم تهاجم قط دولة مسلحة نووياً.

 

ومن المرجّح أنّ إسرائيل، التي يُعتقد على نطاق واسع أنّها تمتلك أسلحة نووية على الرغم من أنّها لم تعلن عن ذلك، لن تهاجم دولة مسلّحة نووياً. وسيُقيِّد مبدأ التدمير المتبادل المؤكّد الذي طالما اعتمد على الأسلحة النووية، إسرائيل أكثر من إيران. إذ أظهرت إيران بالفعل استعداداً لمهاجمة إسرائيل المسلّحة نووياً. ولدى طهران وكلاء مُميتون؛ فيما إسرائيل لا تمتلك ذلك.

 

قد يوفّر التحوّل إلى دولة نووية طريقة جديدة للمرشد الأعلى خامنئي لتعزيز نفوذ إيران في الداخل والخارج، مع تحييد إمكانية أن يؤدّي قراره بمهاجمة إسرائيل مرّة أخرى هذا الأسبوع، إلى تصعيد تقليدي لا تستطيع إيران منافسته. وتعتمد الدول الاستبدادية بشكل حاد على الهيبة التي تسعى إلى إسقاطها. فالهزائم الخارجية لها تداعيات حتمية في الداخل.

الأكثر قراءة