بعد النجاحات الجيش الإسرائيلي في «لعبة طويلة» من دون نتيجة واضحة
إيزابيل كيرشنر- نيويورك تايمز
Friday, 04-Oct-2024 06:41

بعد مرور عام على ما يمكن اعتباره أسوأ كارثة عسكرية واستخباراتية في تاريخ البلاد، استعاد جيشها الزخم. البعض يتساءل: إلى أي غاية؟ عندما اجتاح الآلاف من المسلّحين بقيادة حماس الحدود مع غزة في 7 أكتوبر الماضي، وتجاوزوا المجتمعات الإسرائيلية والقواعد العسكرية ومهرجان موسيقى، أرسل ضحايا الهجوم المفاجئ رسائل يائسة إلى أحبائهم من مخابئهم والغرف الآمنة.

«أين الجيش؟»، سألوا وهم ينتظرون ساعات طويلة ليتمّ إنقاذهم. بالنسبة إلى الكثير من مئات الذين قُتلوا، جاء الجيش متأخّراً، إن جاء أصلاً.

 

بعد مرور عام على ما قد يُعَدّ أسوأ كارثة عسكرية واستخباراتية في تاريخ إسرائيل، يُعيد الجيش ترميم صورته كقوة إقليمية هائلة. فاخترق أكثر المعاقل سرّية وأماناً لأعدائه الأساسيّين بضربات دقيقة تعتمد على الاستخبارات، وقضى على قادة رئيسيِّين، وضرب بشدة أصولهم، وأحبط بشكل كبير محاولاتهم للردّ.

 

في قصف يوم الجمعة، قتلت إسرائيل حسن نصر الله، زعيم «حزب الله»، بضربة استهدفت مخبأً تحت الأرض في منطقة حضرية كثيفة بالقرب من بيروت، حيث يسيطر التنظيم. الاسم الرمزي للعملية كان «النظام الجديد»، ممّا يلمّح إلى أهداف إسرائيل الطموحة في تغيير الواقع على حدودها وتقويض استخدام إيران للوكلاء لمحاصرتها بما يسمّى «حزام النار».

 

الآن، تقاتل إسرائيل على جبهات متعدّدة، ونجحت دفاعاتها الجوية، بمساعدة من حلفاء بقيادة الولايات المتحدة، في صَدّ هجوم انتقامي ضخم يوم الثلاثاء عندما أطلقت إيران وابلاً من حوالى 200 صاروخ على إسرائيل.

 

وتعهّدت إسرائيل بجعل إيران تدفع ثمناً باهظاً لهذا الهجوم يشير إلى أنّ الجيش الإسرائيلي بات أقل تردّداً في الانخراط في حرب إقليمية أوسع.

 

وفقاً لأساف أوريون، الجنرال المتقاعد من الجيش الإسرائيلي والذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإنّ «إسرائيل القوية والذكية قبل 7 أكتوبر قد عادت».

 

وأضاف أوريون أنّ مقتل نصرالله أرسل رسالة خصوصاً لأعداء إسرائيل: «أنتم تفهمون أنّ إسرائيل تستطيع الوصول إليكم».

 

لقد أعطى مقتل نصر الله دُفعة فورية للمعنويات الإسرائيلية ولسمعة الجيش قبل الذكرى السنوية المظلمة لفاجعة أكتوبر. بعدما أكّد الجيش وفاته يوم السبت، انتشرت مقاطع فيديو لحراس الشواطئ وهم يعلنون الخبر والمصطفّين يهتفون على شواطئ إسرائيل.

 

أظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب هذا الأسبوع أنّ 87% من السكان اليهود في إسرائيل لديهم ثقة عالية أو عالية جداً في الجيش. في المقابل، أعرب 37% فقط عن مثل هذه الثقة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

 

وعلى الرغم من النشوة الأولية في إسرائيل، أوضح أوريون أنّ العمليات العسكرية كانت «لعبة طويلة» من دون نتيجة واضحة. بعد سلسلة من النجاحات الإسرائيلية في لبنان خلال الأيام الأخيرة، تساءل: «ثم ماذا؟».

 

خلال العام الماضي، وبعد التعافي من الصدمة الأولية للهجوم الذي قادته حماس، شنّ الجيش الإسرائيلي هجوماً مضاداً بطيئاً وقاتلاً في غزة. وأشارت إسرائيل مؤخّراً إلى أنّها فكّكت إلى حَدٍّ كبير البنية التحتية العسكرية لحماس، ممّا قلّل من قدراتها إلى مستوى قوات حرب العصابات.

 

جاء ذلك بثمن باهظ. إذ قُتل أكثر من 41,000 غزّاوي، وفقاً للسلطات الصحية المحلية، التي لا تُفرّق بين المقاتلين والمدنيِّين.

 

أدّى ذلك إلى موجة من الإدانة الدولية ضدّ إسرائيل. وعلى الرغم من إصرار نتنياهو على «النصر المطلق»، حتى أنّ المتحدّث الرئيسي باسم الجيش، اللواء دانيال هغاري، أوضح أنّه ليس من الممكن القضاء على حماس كأيديولوجية وحركة.

 

شملت ضربات إسرائيل أيضاً حملات في لبنان المجاور، حيث بدأ «حزب الله» في إطلاق النار على المواقع الإسرائيلية في 8 تشرين الأول العام الماضي تضامناً مع حماس، وفي اليمن، على بُعد أكثر من 1,000 ميل، بعدما أطلق الحوثيّون المدعومون من إيران صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل.

 

في ضربة في نيسان، على مبنى سفارة إيرانية في دمشق، سوريا، قُتل كبار المسؤولين العسكريِّين والاستخباراتيِّين الإيرانيِّين، ممّا دفع إيران إلى مهاجمة إسرائيل مباشرة لأول مرّة في نيسان بمئات الصواريخ والطائرات المسيّرة. حينها أيضاً، اعترضت إسرائيل معظمها بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين.

 

في تموز، قتلت إسرائيل قائداً عسكرياً بارزاً في «حزب الله» في لبنان وزعيماً سياسياً لحماس أثناء زيارته لطهران. في أيلول، قُتِل أو تشوّه آلاف من عناصر «حزب الله» عندما انفجرت أجهزة النداء وأجهزة اللاسلكي الخاصة بهم في وقتٍ واحد، وقصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية آلاف الأهداف في لبنان.

 

منذ الهجوم الذي قتل نصر الله، واصلت إسرائيل ضرباتها في محاولة لتدمير أكبر عدد ممكن من أصول «حزب الله»، إلى جانب بعض الأهداف الأخرى في لبنان، حيث بدأت العمليات البرية هذا الأسبوع.

 

وكشف جون كيربي، المتحدّث باسم الأمن القومي للبيت الأبيض، لشبكة ABC هذا الأسبوع، أنّ إسرائيل قد قضت تقريباً على هيكل القيادة لحزب الله ودمّرت آلاف صواريخه وطائراته المسيّرة، مضيفاً «لا شكّ أنّ حزب الله اليوم ليس حزب الله» حتى من أسبوع مضى.

 

من المرجّح أن عرض إسرائيل للقوة العسكرية والتكنولوجية قد ساهم أيضاً في إعادة تثبيتها كـ»ركيزة قوة» في المنطقة وكميزان ضدّ إيران ووكلائها، وفقاً ليعقوب عميدرور، اللواء الإسرائيلي السابق والمستشار السابق للأمن القومي.

 

في حين أنّ حماس قد باغتت إسرائيل في تشرين الأول الماضي، كانت قوات البلاد مستعدة للحملة في لبنان. قبل ما يقرب من عقد من الزمان، حذّر الجيش من أنّ «حزب الله» يدمج البنية التحتية العسكرية في القرى الجنوبية اللبنانية بالقرب من الحدود مع إسرائيل.

 

وعلى عكس الهدف المعلن لإسرائيل بتدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس في غزة، حدّدت الحكومة هدفاً أكثر تواضعاً للحملة في لبنان: السماح لحوالى 60,000 من سكان المناطق الحدودية الإسرائيلية الذين تمّ إجلاؤهم في تشرين الأول الماضي بالعودة إلى منازلهم.

 

وأكّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنّ الحرب ضدّ حزب الله ستسير على مراحل، ممّا يمنح المجموعة فرصة للتراجع في كل مرحلة ونقل قواتها من الحدود. يوم الثلاثاء، أعلنت إسرائيل أنّ جيشها نفّذ عشرات الغارات السرّية في الأراضي اللبنانية بالقرب من الحدود خلال الأشهر الماضية، وشرع في العملية البرية في جنوب لبنان. وبعد ذلك، اعتبر الخبراء، أنّ النهاية غير واضحة.

 

في غزة، لا يزال أكثر من 100 شخص تمّ أسرهم خلال هجوم حماس في 7 تشرين الأول، محتجزين، بعضهم أحياء والبعض الآخر قتلى، ولا تلوح نهاية قريبة للحرب في الأفق. وتقول إسرائيل إنّ حوالى 350 جندياً قُتلوا في غزة منذ بدء الغزو البري في تشرين الأول الماضي.

 

بالنظر إلى التاريخ، يمكن أن تتورّط إسرائيل بشكل مشابه في لبنان. فبعد غزو إسرائيل للبنان في عام 1982، استغرق الأمر 18 عاماً للانسحاب من الجانب اللبناني من الحدود.

 

بعد 6 سنوات، في عام 2006، أدّى هجوم عبر الحدود من حزب الله إلى اندلاع حرب مدمّرة استمرت لمدة شهر مع إسرائيل.

كان القرار الأممي الذي أنهى تلك الحرب وأسّس لوقف إطلاق النار، يهدف إلى إبعاد قوات حزب الله عن الحدود، لكنّه لم يُنفّذ بشكل صحيح أبداً.

 

تضغط الولايات المتحدة ودول أخرى لإحياء هذا القرار. لكن مع إثبات عدم فعالية الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على مَرّ السنين، أوضح عميدرور إنّ إسرائيل ستضطرّ هذه المرّة إلى فرضه. ويرى محلّلون أنّ النجاحات العسكرية الإسرائيلية قد تمنحها أيضاً بعض النفوذ لطلب شروط أفضل.

 

لطالما كان التفوّق الجوي لإسرائيل فوق لبنان معروفاً، بحسب ديفيد وود، المحلّل البارز في لبنان لمجموعة الأزمات الدولية، مضيفاً «ما أصبح واضحاً هو استعدادها لاستخدامه».

 

مع ذلك، يعتقد وود ومحلّلون آخرون أنّ حزب الله، مع ترسانته الضخمة المتبقية، لا يزال يمثل تحدّياً كبيراً لإسرائيل.

 

في خطاب قبل أيام من وفاته، أكّد نصر الله أنّ مقاتليه سيكون لهم اليَد العليا إذا عبرت القوات الإسرائيلية الحدود وواجهتهم، مستفزاً الإسرائيليِّين باستخدام إشارات تدعوهم للدخول، عبر قوله باللغة العربية «أهلاً وسهلاً».

 

يوم الأربعاء، بعد أن اشتبكت قوات الجيش الإسرائيلي مع مقاتلي حزب الله في قتال عن قرب في جنوب لبنان، أعلنت إسرائيل أنّ 8 من جنودها قد قُتلوا.

 

السؤال الذي يواجه إسرائيل، وفقاً للخبراء، هو كيفية ترجمة الانتصارات العسكرية إلى تسويات دبلوماسية طويلة الأمد.

 

الحيلة، بحسب أوريون، هي «إيجاد مخرج قبل نقطة التحوّل التي يمكن أن تبدأ فيها الأمور بالانحراف»، في الوقت الحالي، «نحن ما زلنا في منتصف الفيلم».

الأكثر قراءة