رئيس الدفاع الجديد في أوروبا: «ملك بلا مملكة»؟
ستيفن إرلانغر وجيني غروس- نيويورك تايمز
Saturday, 21-Sep-2024 06:29

في مواجهة روسيا العدوانية وحرب طويلة في أوكرانيا والتزام أميركي غير مؤكّد تجاه أوروبا، أنشأت أورسولا فون دير لاين، بصفتها رئيسة المفوّضية الأوروبية، منصباً جديداً لمفوّض الدفاع.

المهمّة أمام أي مفوّض جديد ستكون هائلة. إذ أظهرت الحرب في أوكرانيا أوجه تقصير كبير في قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها. فجيوشها صغيرة وأحياناً سيئة التجهيز، كانت بطيئة في زيادة الإنفاق العسكري وإعطاء الأولوية لإنتاج قذائف المدفعية والذخيرة والدفاع الجوي. كما لا تزال تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في المعدات العسكرية الأساسية والتمويل.

 

لكن حتى قبل أن يبدأ المفوّض، وهو رئيس الوزراء الليتواني السابق أندريوس كوبيلوس، أثار المحلّلون وغيرهم تحذيرات بأنّ الحقيبة غير محدّدة جيداً وتفتقر إلى التمويل الكافي. ويرى النقاد إنّ التعيين يبدو إشارة رمزية أكثر من كونه منصباً جوهرياً، ممّا يثير التساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا جادة بالفعل في تحمّل مسؤولية دفاعها.

 

أوروبا لا تملك جيشاً. الدفاع هو من صلاحيات الدول الأعضاء الـ27، أيضاً 23 منها أعضاء في حلف الناتو. في الواقع، سيكون كوبيلوس مفوّضاً لصناعة الأسلحة الأوروبية وليس الدفاع بحدّ ذاته. وستكون مهمّته الصعبة بمحاولة دفع صناعات الأسلحة في الدول الأوروبية المختلفة نحو إنتاج أكثر توحيداً وزيادة القدرة الشرائية التعاونية والتنسيق.

 

قبل استقالته المفاجئة يوم الاثنين، قدّر تييري بريتون، المفوّض المسؤول عن الصناعة في الأسواق الداخلية والأمن، أنّ أوروبا تحتاج إلى 100 مليار يورو سنوياً (حوالى 111 مليار دولار) للدفاع.

 

لكن حتى إنفاق 20 أو 30 مليار يورو، وهو حجم الميزانيات العسكرية للدول الأوروبية الكبرى، «يمكن أن يجعل الاتحاد الأوروبي مستثمراً كبيراً في القارة ويبدأ في تشكيل القرارات التجارية»، بحسب كاميل جران، الأمين العام المساعد السابق للاستثمار الدفاعي في الناتو والذي يعمل الآن في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

 

حالياً، لا يقترب الاتحاد الأوروبي حتى من هذا الرقم. يمكنه إنفاق 1,5 مليار يورو فقط للفترة من 2025 إلى 2027 وفقاً لاستراتيجيته المالية، وهو مبلغ أقل بكثير من المطلوب، بحسب كريستيان مولينغ، الخبير الدفاعي والمدير الأوروبي لمؤسسة برتلسمان. وأضاف: «لتغيير هيكل الاتحاد الأوروبي، أنت بحاجة إلى ساحر أكثر من مفوّض. إنّه مَلِك بلا مملكة».

 

كما أعرب ديبلوماسي أوروبي رفيع عن شكوكه، قائلاً إنّ المفوّضية ليس لديها أموال إضافية لهذه الوظيفة، لذلك لن يتمكن كوبيلوس من تحقيق الكثير. وفي كل الأحوال، قال الديبلوماسي، إنّ الدول الفردية ستكون أكثر كفاءة في تنسيق القدرات العسكرية من بروكسل.

 

قد يكون مفوّض الدفاع «محفّزاً لمزيد من الإصلاح والتنسيق الأفضل، لكنّ النوايا الحسنة في هذا المجال غالباً ما تفشل في تحقيق النتائج المرجوّة»، بحسب ما جادلت إستر ساباتينو من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد بحثي محايد يُركّز على الدفاع والأمن.

ثم هناك مسألة تداخل المسؤوليات داخل المفوّضية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي المؤلّف من 27 عضواً. وسيتعيّن على فون دير لاين «اقتطاع شيء من الحقائب الحالية بالفعل، فكيف سيعمل ذلك؟» سأل جران.

 

لدى الاتحاد الأوروبي بالفعل نائب رئيس مسؤول عن الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية الأوروبية، التي ستكون قريباً الإستونية كاجا كالاس. وعيَّنت فون دير لاين، التي تبدأ ولايتها الثانية، وزير الخارجية الفرنسي السابق ستيفان سيجورني ليخلف بريتون، وسيحتفظ بمسؤولياته عن الاستراتيجية الصناعية لكن بدرجة أعلى كنائب للرئيس. وهناك أيضاً نائبة أخرى للرئيس، الفنلندية هينا فيركونين، المسؤولة عن السيادة التقنية والأمن والديموقراطية.

إذاً ما هي وظيفة مفوض الدفاع وهل هي ضرورية حقًا؟ تساءل مولينغ. في تقرير شامل حديث حول كيفية إحياء النمو الأوروبي والقدرة التنافسية، دعم ماريو دراجي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق ومحافظ البنك المركزي الأوروبي، إنشاء منصب المفوّض الجديد.

 

فأوروبا تشتري أكثر من 60% من معداتها من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى 15% أخرى من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي. لذلك، سيكون جعل الأسلحة الأوروبية أكثر تنافسية أمراً جيداً للشركات الأوروبية ودافعي الضرائب، برأي دراجي، مردّداً آراء الكثيرين.

وكتب: «أوروبا تُهدِر مواردها المشتركة. لدينا قوة إنفاق جماعية كبيرة، لكنّنا نوزّعها عبر أدوات وطنية وأوروبية متعدّدة. نحن لا نتّحد بعد في صناعة الدفاع لمساعدة دولنا على التكامل وتحقيق الحجم المطلوب».

 

واقترحَ إنشاء سندات أوروبية لمشاريع مرتبطة بالدفاع واستثمارات رئيسية أخرى. لكنّ تلك الفكرة قوبِلت بسرعة بالرفض من الدول الأعضاء الرئيسة، مثل ألمانيا وهولندا، التي رفضت الديون الأوروبية المشتركة باستثناء التعامل مع أزمة «فريدة» وهي جائحة كورونا.

لكن من دون إضافة أموال لدعم طموحات الاتحاد الأوروبي، من غير المرجّح أن يتمكّن المفوّض الجديد من تحقيق المطلوب. ويشمل ذلك مساعدة التكتّل في جعل دعمه لأوكرانيا أكثر كفاءة وتنسيقاً، مع إعادة تعبئة مخزونات المعدات العسكرية والذخيرة المستنفدة في الدول الأوروبية التي أرسلتها إلى أوكرانيا.

 

كما أنّ أوروبا بحاجة إلى تقديم أموال تأسيسية، بحسب جران. وهي الطريقة الوحيدة للتقدّم في الأبحاث والتطوير للأسلحة من الجيل القادم وما يُسمّى بالقدرات الاستراتيجية مثل الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، الطائرات من دون طيار المتطوّرة والأقمار الصناعية الاستخباراتية، التي تقدّمها وتبيعها الولايات المتحدة حالياً بشكل شبه حصري.

 

قد يؤدّي جعل الاتحاد الأوروبي لاعباً في المشتريات إلى تقليص التداخل الواسع. ولإرضاء الصناعات المحلية المتنافسة، تُنتِج أوروبا 12 دبابة قتال و17 مركبة مشاة قتالية، ووفّرت لأوكرانيا 10 أنواع من المدافع، لا تستخدم جميعها الذخائر عينها.

 

ولتعزيز الدمج وجعل الإنفاق أكثر فعالية، يجب تخفيف القواعد الأوروبية للمنافسة في مجال الدفاع، بحسب جران، مضيفاً: «لستُ متأكّداً من أنّ وجود خط إنتاج واحد هو فكرة جيدة»، ويجب ألّا تحاول بروكسل تحديد المتطلّبات العسكرية لكل دولة لأنّ «الناتو يعرف ذلك بشكل أفضل بكثير، ولا ينبغي للمفوّضية محاولة القيام بذلك».

 

لكن بالنظر إلى الحرب في أوكرانيا وتركيز الولايات المتحدة على تهديد صعود الصين، فإنّ مسألة اعتماد أوروبا العسكري على واشنطن لم تَعُد مجرّد مسألة نظرية، بحسب إيان ليسر، مدير مكتب بروكسل في صندوق مارشال الألماني.

 

إنّه مَيلٌ طبيعي للأوروبيِّين لشراء منتجات جاهزة من الشركات الأميركية الكبرى، بحسب ليسر الذي يعتقد أنّ «أوروبا في طريقها إلى التحوّل من رؤية شركات الدفاع الخاصة بها كأبطال وطنيِّين إلى التفكير كعناصر أساسية لبناء دفاع أوروبي أقوى».

 

كما شدّد على مسألة الأموال، مع اقتصادات أوروبية كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا التي تبحث بالفعل في ميزانياتها عن تخفيضات.

 

ومع ازدياد تشكّك بعض دول الاتحاد الأوروبي في تقديم المزيد من الدعم الكبير لأوكرانيا، قد تتضاءل الحافز لتوفير الأموال، بحسب إد أرنولد، زميل أبحاث أول في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث بريطاني يركّز على الأمن.

 

وقال إنّه يشكّ في أنّ مفوّض الدفاع سيكون له نطاق كافٍ للتأثير على استراتيجية أوروبا العسكرية. وكما هو الحال دائماً، سيعتمد الأمر بشكل كبير على الإرادة السياسية وليس فقط التمويل لأنّ «هناك فجوة بين الطموح المعلن في البداية والحقيقة الصعبة عندما تضطر بالفعل إلى الحصول على موافقة الدول الأعضاء».

الأكثر قراءة