تتصاعد حرارة ملف النازحين السوريين على وَقع ارتفاع منسوب الاحتقان في الشارع اللبناني تحت وطأة تفاقم أعباء النزوح، خصوصاً على المستويين الاقتصادي والامني، فيما انقلبت المليار الأوروبي من هِبة مفترضة الى هبّة ساخنة!
لم تنجح «حقنة» المليار يورو في احتواء عوارض أزمة النزوح السوري، كما كان مخططاً لها، بل هي زادت الطين بلة بعدما اتخذت شكل الرشوة الاوروبية لشراء الصمت الرسمي في مقابل إبقاء النازحين في لبنان.
ومع نزول التيار الوطني الحر الى الأرض احتجاجاً على نمط المقاربة الاوروبية لهذا الملف، واشتداد حدة السجال السياسي الداخلي حول الموقف الرسمي المُعتمد في ظل هجوم عنيف يتعرّض له الرئيس نجيب ميقاتي من قبل معارضي «المليار»... دعا الرئيس نبيه بري الى عقد جلسة عامة للمجلس النيابي الأربعاء المقبل لمناقشة تطورات هذه القضية وملابسات الاتفاق المُنجز مع الاوروبيين.
ويؤكد بري لـ«الجمهورية» ان مسألة المليار يورو لم تُناقَش معه، لا من قريب ولا من بعيد خلال اجتماعه مع الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الاوروبية أثناء زيارتهما الاخيرة لبيروت، داعياً الى التعاطي مع ملف النازحين بمسؤولية وطنية بعيداً من الشعبوية والمزايدات، وآملاً في أن تشكل الجلسة العامة فرصة لإعادة تصويب مسار البحث في هذه القضية على قاعدة انها هَمّ مشترك يتطلب تعاون الجميع لمعالجته.
وفي انتظار تبيان ما ستؤول اليه جلسة «العصف النيابي»، يستمر الاشتباك الداخلي على جبهة المليار يورو بين فريقين:
الأول، يعتبر انّ على الدولة اللبنانية ان ترفض هذا المبلغ التخديري، وتمتنع عن تأدية دور «خفر السواحل» لمنع تدفق النازحين الى أوروبا، وتتمسّك بإعادتهم الى بلادهم، وتصر على دفع الأموال لهم في سوريا وليس لبنان.
والثاني، ينفي أن يكون ثمن الهبة الاوروبية بقاء النازحين واضعاً إيّاها في سياق مساعدة الدولة على تحمل تبعات استضافتهم من دون التنازل عن مطلب عودتهم، وداعياً الى عدم التعاطي مع الامر من زاوية تصفية الحسابات مع رئيس الحكومة.
وبعيداً من هذا وذاك، تعتبر اوساط مطلعة على حقيقة الأمور أن المليار يورو ليس سوى زوبعة في فنجان، لافتة إلى ان الاتحاد الأوروبي يمنح اساساً مساعدات سنوية للبنان تراوح بين 140 و 160 مليون يورو، «وما حصل هذه المرة هو انه تم تجميعها بعد إضافة بعض الزيادة عليها ثم جرى الاعلان عن المجموع العام دفعة واحدة على أن يتم تسديده بالتقسيط خلال السنوات الاربع المقبلة. وبالتالي، ليس هناك في الأصل اي تطور وازِن في حجم المعونة الاوروبية للبنان، والتعديل يقتصر على الشكل والإخراج لدواع دعائية».
وتشير الاوساط الى انّ «طريقة الاخراج أتت مؤذية للرئيس ميقاتي تحديداً نتيجة سوء التدبير، بينما يمكن الاستنتاج ان الرئيس القبرصي هو أكبر الرابحين لأنّ ما جرى سيبيعه الى شعبه كإنجاز كبير حَمى قبرص من تدفّق النازحين السوريين عبر قوارب الهجرة غير الشرعية».
وتلفت الاوساط الى ان الخطأ الذي ارتكبته بعض الجهات اللبنانية «يتمثّل في رقع سقف التوقعات من زيارة الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الاوروبية، فلمّا ظهرت النتيجة الحقيقية بَدا كأنّ وعاء من المياه الباردة قد أُلقي على اللبنانيين».
وتكشف الاوساط ان الاوروبيين «يشتغلون بنا» بالمفرّق بعدما فهموا جيداً الواقع الداخلي المبعثر والمتشظّي، وبالتالي هم يستفيدون من تعدد المرجعيات والمقاربات لملف النزوح بغية خدمة مصالحهم.
وتدعو الاوساط الى الاقتداء بالتجربة الاردنية او التركية «حيث القرار موحّد وتوجد خلية مركزية لإدارة ملف النازحين بينما هنا كل طرف لديه ورقة ورأي، الأمر الذي يستوجِب توحيد الموقف اللبناني، ومن ثم استخدام كل أدوات الضغط المُمكنة شعبيا وسياسيا من أجل تعزيز هذا الموقف وتحصينه، والّا فإنّ الضعف الراهن لن يكون عاملا مساعدا في مواجهة أخطر تَحدّ وجودي يتعرّض له لبنان».