السياسة في لبنان بين المنطق واللامنطق
Saturday, 02-Mar-2024 06:48

في علم السياسة محطات عدة، وغالبًا ما تأخذ الطابع الأكاديمي ذا التوّجه التحليلي والنظري والبحثي، ومنها تتفرّع أبواب عدّة تُعرف بعلم السياسة المقارن والإقتصاد السياسي، والنظرية السياسية أو ما يُعرف ببعض الإختصاصات بالفلسفة السياسية، والمنهجية السياسية، والسياسة العامة والإدارة العامة (إدارة الدول السيّدة على نفسها) والعلاقات الدولية أو ما يُعرف بالديبلوماسية. في علم السياسة هناك تخصّصات كثيرة ومتشعبة ومنها: مستشار سياسي، خبير علاقات عامة، مدير شؤون التواصل مع الرأي العام.

يُعّـدْ علم السياسة في الدول النامية أنّه علم الإجتماع المعني بشؤون الناس ودرس كل أنواع الحالات السياسية التي تخصّ أي بلد، وتشمل المعتقدات السياسية والأنشطة السياسية إضافةً إلى أمـر مهم ألا وهـو السلوكية السياسية للذين يتعاطون الشأن العام. في الدول المتخلّفة يُعتبر عالِم السياسة من الأشخاص غير الكفوئين، وهـو مرجعية سلبية، لأنّ مواقفه العلمية لا تنسجم مع التركيبات المعتمدة لمنظومة سياسية تحكم.

 

في الدول المتحضّرة والفاعلة على المسرح السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، يُعتبرْ عالِم السياسة شخصًا يدرس الآلية الدستورية لفرض النظام وتشكيل الحكومات والتعاطي مع المنظمات الداخلية والإقليمية والدولية، ويعمل هذا العالِم على إعداد وإجراء الدراسات والبحوث وتحليل الوقائع والأحداث والتطورات بنحو موضوعي وعلمي، وغالبًا ما يكون عمله منسجمًا لمصلحة النظام وتبعاته ولمصلحة الشعب والتفكير في تأمين مصالح البلد ومؤسساته ومصالح الشعب خدمة للصالح العام.

 

دراسة العلوم السياسية تعود على شاغلها بكثير من الفوائد كونه إذا كان ناجحًا في دراسته سيحصل على وظيفة مهمّة من الإدارة السياسية التي تعمل على إظهار النخب في هذا المجال، وبما يتناسب مع قدرات الطالب أو السياسي الثقافية العلمية العسكرية الديبلوماسية الإقتصادية وغيرها التي يمتلكها عن جدارة... وهذه المحفزات العلمية تمّكنه من اعتلاء مكانة ممتازة في الجسم السياسي التي يمكن أن يعمل بها خدمة لبلاده أو في وظيفة يختارها ضمن هذا الإختصاص.

 

إنّ دراسة العلوم السياسية تؤدي إلى توسيع الفكر السياسي لدى صاحبه. ومن المعروف أنه يتمّ تدريس مادة الفكر السياسي وأنواع النظام السياسي وأنواع الأنظمة، حيث يستطيع المتعاطي في الشؤون السياسية إدراك الأفكار السياسية السائدة بطريقة علمية منطقية موضوعية، إضافة إلى معرفة الحقوق والواجبات المترتبة عليه وعلى مختلف أفراد المجتمع.

 

في لبنان السياسة لا تعتمد على ما ذُكِرَ أعلاه، إنّها سياسة اللامنطق الغائبة تمامًا عن سياسة المنطق والتحليل العلمي، إنّها سياسة التضليل معتمدة على أكثر فنون الخداع وعلى رأسها المثير للجدل تصريحات تحمل التضليل والخداع غالبًا ما تترك تفاعلات في أذهان الناس. وفي إطار التضليل الممنهج يُذهل أي باحث من درجة تفاعل الناس مع موضوع الكذب والرياء الممنهجين. فكل مجموعة من اللبنانيين تتفاعل سريعًا وبحماس ملحوظ ويكثرون الحديث بإسهاب عمّا قاله زعيمهم.

 

من المؤسف أن يُصِّرْ الرأي العام على أنّ بعض الساسة على حق وإنّهم متأكّدون أنّهم يعملون لمصالحهم ومصالح وطنهم ويدّعون أنّ آراءهم هذه تستند إلى أدلّة قاطعة دامغة، كما يظّل مؤيّدو هذه المنظومة يرددون تلك المزاعم مرارًا وتكرارًا حتى تمّكنوا من تشكيل رأي عام من الأصوات المتشدّدة التي سيطرت على الناس بضرورة الإستمرار في الوضع على ما هو عليه. وبموجب هذه الرؤية تغدو السياسة العامة في لبنان بين اللامنطق والرياء، وكل من يرى أنّ السياسة في لبنان يجب أن تكون أمام خيار المنطق لا الرياء هو أبله وساذج. صدق من قال: «عندما يحكم العالم حمقى من واجب الأذكياء عدم الطاعة».

الأكثر قراءة