كرة جديدة يتقاذفها المسؤولون تُضاف الى كرة «الكابيتال كونترول» و«خطة التعافي المالي والمصرفي» التي يتقاذفونها منذ ما يزيد عن 4 سنوات، ألا وهي تحديد سعر السحوبات في المصارف. القرار اتخذ ويقضي برفعه من 15 الفاً الى 25 الفاً، الّا انّ جرأة تبنّي هذا القرار غير متوفرة بعد.
مضى حوالى الشهر ونصف الشهر على انتهاء مفاعيل التعميم 151 (منذ نهاية العام 2023)، والذي يسمح للمصارف بدفع ودائع الدولار بالليرة اللبنانية وفق سعر 15 ألف ليرة للدولار الواحد، ولم يصدر بعد اي مسوّغ قانوني يحدد سعر سحب السحوبات من المصارف.
في هذا الوقت جرت محاولات لتمرير هذا القرار ضمن موازنة 2024 لكنه لم يمر، بل اكتفى النواب بتوحيد سعر الصرف واعتماد تسعيرة 89500 ليرة للضرائب والرسوم. لاحقاً، وخلال جلسة إقرار الموازنة، حاول النائب علي حسن خليل تمرير قرار يقضي برفع السعر الى 25 الف ليرة، الا ان هذه الخطوة لاقت اعتراضاً من النواب بحجّة ان ليس من مسؤولية مجلس النواب تحديد سعر الصرف إنما وزارة المالية.
وبينما كان ينتظر ان يصدر قرار تسعيرة دولار المصارف فور صدور الموازنة في الجريدة الرسمية الاسبوع الماضي، عاد الحديث عن إصدار القرار من وزارة المالية بالتشارك والمباركة من حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، الذي رفض ذلك مُكتفياً ببريق التعميم 166 الذي يعطي فيه المودع 150$ شهرياً (ضمن شروط محددة). وهكذا بَدت وزارة المالية وكأنها تحمل كرة النار وحيدة ولا تزال تبحث عن شريك لها في القرار كي لا ينصَبّ غضب المودعين عليها وحدها، لا سيما انها اعتمدت جباية الضرائب وفق دولار 89500 ليرة، وهي تسعى اليوم لكي تحظى بمظلة حكومية على الاقل وهذا ما يجري تداوله من مَساعٍ لإصدار هذا القرار بموافقة مجلس الوزراء خلال الجلسة التي قد تعقد يوم الجمعة.
خريطة الطريق هذه التي تظهر كيفية تَقاذف المسؤوليات بين المعنيين لاعتبارات خاصة تنطلق من خوفهم على صورتهم امام الرأي العام، تسري على كل القرارات التي كان يفترض بهذه الطبقة السياسية ان تتخذها منذ ما يزيد عن 4 سنوات لإنقاذ البلاد ووَضعها على سكة التعافي، ولم تفعل حتى الساعة. المسؤولية تقع على الحكومات المتعاقبة، وزارة المالية، مجلس النواب وصولاً الى حاكمية مصرف لبنان على السواء. كلهم مسؤولون امام المودعين، وهم على دراية تامة اليوم انّ إبقاء سعر الدولار المصرفي على ما هو عليه، أي 15 الفاً، هو قاس ومُجحف بحق المودع، لا سيما بعد اعتماد تسعيرة 89500 ليرة في غالبية الضرائب والرسوم، مع العلم انّ تسعيرة الـ 25 الفاً المتداولة تساهم في تحسين ظروف المودع وتخفّف من نسبة الهيركات.
في السياق، اعتبرت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية» انّ تسعيرة دولار المصارف ترتبط بقرار سياسي، اذ انّ قراراً كهذا «يحرق الاصابع». لذا، الكل يقول انه من الافضل له ان لا يحملها وان يُبعد صورته عنها، لكي تبقى صورته زاهية.
أضافت المصادر: انّ البلد غير متوقّف على هذا القرار وحده فهناك الكثير من القرارات التي لم تجد من يحملها بعد، لذا لم تتخذ بعد رغم تداعياتها الكارثية على البلد.
واوضحت المصادر ان لا علاقة للمصارف بهذا القرار فهي تؤدي دور الصرّاف، انما الدور الابرز لمصرف لبنان كونه المسؤول عن كمية السيولة اللبنانية التي سيضخّها في السوق لأنه مصدرها. لذا، يتوجّب عليه ان يقرر حجم الكتلة النقدية التي سيضخّها ويمكن للسوق ان يستوعبها من دون اي تأثير على سعر الصرف، وتحديد سقوف السحوبات للمودعين.
دولار المصارف... مسؤولية من؟
في السياق نفسه، عَزا الاقتصادي نسيب غبريل لـ«الجمهورية» تأخّر صدور قرار تسعير دولار المصارف بسبب تقاذف المسؤوليات، فالمركزي يرفض اتخاذ هذا القرار ويعتبر انه من خارج مسؤولياته، كذلك مجلس النواب الذي يعتبر نفسه هيئة تشريعية. لكن، وبالعودة الى احد بنود قانون النقد والتسليف، يتبيّن انّ وزارة المالية هي المخوّلة بتحديد سعر الصرف، لذا يفترض بها اتخاذ هذا القرار، لكن من الملاحظ ان هذه الاخيرة تتريّث بذلك لأنها لا تريد ان تكون الجهة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية تحديده.
وتابع غبريل: عملياً، يجب ان يكون تحديد سعر الصرف عملية مشتركة بين وزارة المالية ومصرف لبنان، وهذا ما حصل اصلاً في العام 2023 عندما حصل تواصل وتنسيق بين الطرفين في عدة مجالات، منها ما يتعلق بالايرادات مثل رفع الدولار الجمركي على مراحل، وبالنسبة الى ما يتعلق برفع سعر التداولات بين مصرف لبنان والمصارف التجارية الى 15 الفاً، مُذكّراً انه يومها حدّد المركزي احتساب ميزانيات المصارف وفق دولار 15 الفاً وكذلك السحوبات. لكن راهناً يعتبر مصرف لبنان انّ هذا القرار ليس من مسؤولياته، لذا تتجه الانظار الى الحكومة لِتُقدم على هذه الخطوة. لكن المشكلة انّ هذه الاخيرة لا تريد ان تكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن اتخاذ هذا القرار، انما تسعى لأن يكون معها شريك في القرار.
ولدى سؤاله اذا كان من المؤكد انّ دولار السحوبات سيكون 25 الفاً؟ قال غبريل: المهم اليوم ان يتمكن مصرف لبنان من تأمين السيولة بالليرة اللبنانية، إذ انّ المركزي سعى ضمن سياسته النقدية الى وقف تدهور سعر الليرة والحفاظ على استقرار سعر الصرف من خلال سحب الليرة من السوق. ففي العام 2023 تمكّن من سحب 22 تريليون ليرة، وتالياً خفض الكتلة النقدية نحو 29%. الى جانب ذلك، دفع رواتب القطاع العام بالدولار تجنّباً لِضَخ كتلة نقدية بالليرة شهرياً تؤدي الى رفع الطلب على الدولار، كما أوقفَ المضاربات على سعر الصرف. لذا، هو بالطبع يرفض كل ما يمكن ان يؤدي الى ضخ كتلة نقدية كبيرة في السوق تؤدي الى زيادة الطلب على الدولار وزعزعة سعر الصرف.
إنطلاقاً من ذلك، يرى غبريل انّ القرار بيد مصرف لبنان لأنه يقع على عاتقه مسؤولية تأمين السيولة بالليرة، وتحديد سقف السحوبات ليحافظ على التوازن والاستقرار في السوق.