بعدما تقدّم الإئتلاف المكوّن من «توتال إنيرجيز» الفرنسية و»إيني» الإيطالية و»قطر للطاقة» بطلبَي اشتراك في دورة التراخيص الثانية للمزايدة على الرقعتين ٨ و١٠ في المياه البحرية اللبنانية، تبيّن انّ العروض المقدمة من قبلهم فيها الكثير من الاجحاف بحق الدولة. فهل هذا الامر مبرّر بعدما تبيّن عدم توفّر مكامن غاز في البلوكين 4 و 9 ام انّ هناك استغلالاً للدولة الضعيفة؟
بعدما وافق مجلس الوزراء على إطلاق دورة التراخيص الثانية في المياه البحريّة في نيسان ٢٠١٩ تمّ تحديد ٣١ كانون الثاني ٢٠٢٠ موعدًا نهائيًّا لتقديم طلبات الاشتراك فيها، الا انه وبسبب انتشار فيروس كورونا، تم تأجيل هذا الموعد إلى ٣٠ نيسان ٢٠٢٠ ثم إلى ١ حزيران ٢٠٢٠ ثم الى ٣٠ حزيران ٢٠٢٣، وأخيراً الى ٢ تشرين الاول ٢٠٢٣، فتقدّم في الدقائق الاخيرة الائتلاف المكوّن من «توتال إنيرجيز» الفرنسية و»إيني» الإيطالية و»قطر للطاقة» بطلبَي اشتراك للمزايدة على الرقعتين ٨ و١٠، علماً انّ الشركات التي يتكوّن منها الائتلاف هي نفسها أصحاب حق بترولي في الرقعتين ٤ و٩ في المياه البحرية اللبنانية.
ويبدو ان النتائج المخيبة للآمال التي تكشفت بعد عملية الحفر في البلوكين 4 و 9 دفعت بالائتلاف الى تقديم عروض وصَفَتها مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» بأنها مُجحفة كثيرا في حق الدولة، ونتحدث تحديدا عن الاسعار الواردة والمقصود فيها حصة الدولة من الانتاج متى بدأ استخراج الغاز. على سبيل المثال كانت حصة الدولة من البلوك ما بين 54 و 56%، فتراجعت هذه النسبة الى ما بين 48 و 52% الّا ان هذا التراجع في نسبة حصة الدولة كان مبرراً وَقتذاك لأنه لم يكن هناك ترسيم بحري بعد بين لبنان واسرائيل. لكن الملاحظ ان هذه النسبة تدنّت أكثر في العرض المقدم من الائتلاف للبلوكين 8 و 10.
ورأت المصادر انّ هذه المعطيات تثبت ان العرض غير جدي، حتى التقديمات أتت أقل بكثير من المقدمة السابقة، وفيها إجحاف كبير في حق لبنان، ما يكشف انّ توتال غير مهتمة بلبنان وانّ العرض هو بمثابة «رفع عتب» لا أكثر.
دفتر شروط مُخفّف
في المقابل، لمّا لم تتقدم اي شركة الى دورة التراخيص الثانية وحتى لم تستفهم عن المعلومات المتوفرة عن هذين البلوكين، أجرَت الدولة بعض التعديلات على دفتر الشروط فخفّفت من مطالبها لدرجة التراخي. فعلى سبيل المثال، تلزم الدولة في العقود السابقة الشركة المنقّبة عن النفط بحفر بئر على الاقل، امّا في دفتر الشروط الجديد فسَهّلت الدولة المهمة بحيث ألغت عدد الآبار الملزمة التي يجب على الشركة المنقبة ان تقوم به خلال فترة استلامها واستبدلته بإعطائها مهلة عام تجري فيه دراساتها على البلوك مثل إجراء مسح زلزالي او اجراء دراسات معمّقة، على ان تبلغ الدولة في نهايتها اذا كانت مهتمة بالقيام بأعمال الحفر ام انها تريد الاستغناء عن البلوك.
ومن تداعيات هذا البند انه يحجز البلوكين بإمرة الشركات المنقّبة لثلاث سنوات ولا شيء يلزمها بالحفر او التنقيب.
قرار يكشف التراخي
وقالت المصادر: صحيح انّ هذا التراخي صدر من جانب الدولة بعد عدم إقبال الشركات على دورة التراخيص الثانية رغم تمديد المهلة عدة مرات، الا انه غير مبرّر اطلاقاً، إذ إنه رغم النتائج المخيبة في البلوكين 4 و 9 لا يجوز تراخي الدولة في شروطها فنحن لا نعلم ماذا يوجد في باطن الارض عدا عن انّ عمليات التنقيب التي أقيمت حتى اليوم في المنطقة الممتدة من مصر الى قبرص الى سوريا ولبنان الى اسرائيل لا تزال قليلة، اذ لدى مقارنتها بأعمال التنقيب في بحر الشمال (نفس المساحة تقريباً) يتبيّن انّ مجموع ما تم حفره في منطقتنا هو نحو 50 بئراً مقابل 2600 بئر في بحر الشمال. لذا انّ حظوظ اكتشاف آبار نفطية هناك تصل الى 95%، بينما لا تزال منطقتنا virgin area اي انها لا تزال غير مستكشفة.
وكشفت المصادر أنه بعد تقدّم توتال الى دورة التراخيص الثانية حاولت الدولة أكثر من مرة اجراء مفاوضات معها لتحسين الشروط او الاستحصال على اي التزام حسّي بالحفر. ولمّا لم تنجح، أحيل الملف الى مجلس الوزراء الذي أصدر من ضمن مقررات جلستة الاخيرة ما نَصّه: في حال اتخذ القرار بتلزيم الرقعتين 8 و 10، وبناء على توصية هيئة ادارة قطاع البترول، يعمل وزير الطاقة مع مجلس الوزراء ليتضمّن النص النهائي لاتفاقية الاستكشاف والانتاج احكاماً تضمن الموجبات والحقوق، من بينها وجوب اعلان اصحاب الحقوق في اتفاقية الاستكشاف العائدة للرقعة 8 وفي مدة ثلاثة اشهر من تاريخ توقيع اتفاقية الاستكشاف والانتاج التزامهم من عدمه بالقيام بمسح زلزالي ثلاثي الابعاد، وبوجوب انجاز هذا المسح خلال مدة سنة، على ان يعتبر إجراء هذا المسح من ضمن الحد الادنى لموجبات العمل خلال مدة الاستكشاف الاولى التي تمتد لثلاث سنوات والّا يفقد اصحاب الحقوق الرخصة العائدة للرقعة 8».
كما نَصّ قرار مجلس الوزراء على وجوب «التزام اصحاب الحقوق في اتفاقية الاستكشاف العائدة للرقعة 10 باتخاذ قرار حفر البئر الاستكشافية من عدمه خلال مدة سنة واحدة تمدّد لستة اشهر اضافية بقرار من وزير الطاقة، على ان تحدد مدة الاستكشاف الاولى بثلاث سنوات تمدّد تلقائياً لستة اشهر في حال منح الوزير اصحاب الحقوق وبقرار منه ستة اشهر اضافية لاتخاذ قرار حفر البئر الاستكشافية من عدمه».
وورد من ضمن مقررات مجلس الوزراء «أنه في حال تأكيد هيئة ادارة قطاع البترول حصول اكتشاف تجاري يفوق الكميات التي تقدّم بها أصحاب الحقوق في عرضَي المزايدة في اي رقعة من الرقعتين 8 و 10 بالتفاوض الملزم لاصحاب الحقوق مع الوزير من اجل تحسين حصة الدولة من بترول الربح».
وتؤكد المصادر انّ بهذه القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء تحاول الدولة تحسين شروطها ولو اتت متأخرة تحت شعار take it or leave it، متسلحة بكونها فتحت دورة التراخيص الثالثة. وعليه، ينتظر من توتال امّا أن توافق على شروط الدولة المستجدة فيتم بعدها توقيع العقد معها، وامّا الانسحاب. وإذا وافقت توتال على هذه التعديلات قد يبدأ الحفر في البلوكين في العام 2025. وإذا لم تقبل توتال بالاتفاق فستتجه الانظار الى نتائج دورة التراخيص الثالثة التي تتضمن البلوكات من 1 الى 7، وقد تنضم اليها البلوكات 8 و 10.