خطفت الضربات العسكرية لليمن الأضواء عمّا عداها من تطورات حربية في المنطقة، وأثارت ردود فعل واسعة على مستوى العالم بين مؤيّد لها ومعارض، وأشاعت في الأرجاء الدولية سحابة كثيفة من علامات الاستفهام حول تداعياتها لا سيما على جبهة البحر الاحمر، وأيّ واقع جديد تؤسّس له في الساحات الأخرى المشتعلة بنار الحرب والعدوان الاسرائيلي، امتداداً من قطاع غزة وصولاً الى جبهة الجنوب اللبناني؟
اللافت للانتباه في هذا التطور هو أنّ الولايات المتحدة الاميركية التي قادت تحالف الدول العشرة لضرب أهداف في اليمن، وتشاركت مع بريطانيا في تنفيذ هذه الضربات، قد أشاعت بعدها بأنّ هذه العملية محدودة، وتمّت ضمن ما هو مرسوم لها، الّا انّ ذلك لم يبدّد من احتمالات انهيار عسكري كامل في منطقة البحر الاحمر، بعد تلويح الحوثيين بما وَصفوه «ردّاً حتميّاً قوياً» على هذه الضربات، وإعلانهم في الوقت نفسه الإستمرار في استهداف السفن العابرة من باب المندب في اتجاه إسرائيل، حيث استتبع هذا التلويح في المقابل، تهديد اميركي لجماعة «أنصار الله» في اليمن من مغبّة هذا الردّ.
الاحتمالات مفتوحة
حيال هذا الحدث، تُجمع قراءات المحللين على انّ المنطقة بأسرها دخلت في مرحلة «الاحتمالات المفتوحة» على سيناريوهات دراماتيكية، ربطاً بما قد يلي الضربات على اليمن من ارتدادات في الجبهات الأخرى المشتعلة بالحرب. وهو الأمر الذي حذّرت منه مصادر ديبلوماسية اوروبية، بقولها لـ«الجمهورية»: «يجب الّا تكون الضربات الاميركية لليمن مفاجئة، وكان يمكن ألا تحصل لو لم يبادر الحوثيون الى زعزعة الاستقرار في البحر الأحمر، وتهديد الملاحة التجارية فيه، وكذلك استهدافهم للسفن الاميركية، فأمام هذا الوضع كان لا بدّ من هذه الضربات».
ولم تنف المصادر الديبوماسية عينها أو تؤكّد احتمال اتساع دائرة الحرب في المنطقة، مؤكدة انّ تطور الأمور مرتبط بما قد تنحى إليه المجريات العسكريّة، لا سيما انّ الضربات العسكرية لليمن حملت رسائل رادعة لأطراف الصراع في المنطقة، وخصوصاً لإيران وحلفائها»، بعدم التسبب بخلق واقع خارج عن السيطرة».
القلق من إسرائيل
على أنّ ما يثير القلق في هذا التطوّر، وفق ما ذهبت اليه تقديرات المحللين، مصدره اسرائيل بوصفها أول المستفيدين من استهداف اليمن، حيث انّ ما يُخشى منه هو أن تعتبر اسرائيل ضرب التحالف الذي تقوده واشنطن لليمن - الذي جاء على مسافة ساعات قليلة من بدء محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدوليّة على جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبتها، وما زالت ترتكبها في قطاع غزة - غطاء متجدّداً لها، لمتابعة جرائمها في قطاع غزة، وللإقدام على تصعيد أكبر في اتجاه لبنان».
تحذير فرنسي
وسط هذه الاجواء، وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، تحرّكت الديبلوماسية الفرنسية في الساعات الماضية للتحذير من انزلاق الامور الى مواجهات واسعة، وفي هذا الاطار نقلت الى كبار المسؤولين قراءات فرنسية قلقة للغاية من التطورات العسكرية، وخصوصا في جنوب لبنان، التي شهدت في الفترة الاخيرة تصعيدا خطيرا من شأنه أن يؤسّس لمرحلة صعبة وتأثيرات صعبة واسعة النطاق، مقرونة، اي تلك القراءات، بتأكيدات متجددة على احتواء التصعيد عبر الإلتزام الكلي بالقرار 1701 بما يضمن اعادة الهدوء في منطقة عمل قوات اليونيفيل، وكذلك على الضرورة الملحّة لحسمٍ سريع لملف رئاسة الجمهورية، والا فإنّ استمرار الحال على ما هو عليه يُنذر بواقع شديد الخطورة على لبنان».
الممانعة: التصعيد قائم
وفيما أعلن الحوثيون انّ الضربات الاميركية والبريطانية طالت 73 هدفا في اليمن من دون ان يشيروا الى نتائجها، تؤكد مصادر حزبيّة مناصرة للحوثيين لـ«الجمهورية» أنّ «التصعيد قائم، والردّ اليمني لن يتأخر، خصوصاً انّ هذه الضربات تشكل فصلاً من فصول الحرب المستمرة على اليمن منذ سنوات، وبشراكة مباشرة من الدول نفسها التي نفّذت هذه الضربات، واذا كان هذا التحالف قد توخّى من الضربات رَدع انصار الله عن مهاجمة اسرائيل وحماية الملاحة التجارية في البحر الاحمر وباب المندب، فإنّ النتيجة السريعة لهذه الضربات هي أنها هدّدت الملاحة اكثر، وأبقت اسرائيل في دائرة استهداف الصواريخ اليمينة».
إنتظار هوكشتاين
وسط هذه الأجواء، انهمكت الاوساط السياسية في تقييم «الافكار» التي طرحها الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين لاحتواء التوتر القائم بين «حزب الله» واسرائيل على الحدود الجنوبية، حيث رَجّحت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» عودته الى بيروت من جديد خلال الفترة المقبلة.
وكشفت مصادر مواكبة لزيارة هوكشتاين الاخيرة انّ المسعى الأميركي لاحتواء التصعيد هو عنوان مبدئي يعبّر عن رغبة الادارة الاميركية في منع انزلاق لبنان واسرائيل الى حرب، وبالتالي لا وجود لما يُسمّى «مشروع حل اميركي»، بل افكار طرحها الوسيط الاميركي ليبني عليها آلية معينة لاحتواء التصعيد، في خلاصة الامر انه يبحث عن حل مفقود».
وبحسب المصادر فإنّ «هوكشتاين اكد حرص واشنطن على عدم الانزلاق الى حرب، وقابَله تأكيد لبناني على التمسك بالقرار 1701 والالتزام به، وعدم السعي الى حرب. الا انّ بلوغ حل ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، فالموقف اللبناني يقول بحل وفق القرار 1701، بما يعني التطبيق الكامل للقرار، والانسحاب الاسرائيلي من النقاط المختلف عليها على الحدود ومن نقطة الـ«b1»، والجزء الشمالي لبلدة الغجر وصولاً الى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، فيما الطروحات المقابلة، والتي تناولها هوكشتاين تستثني مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، حيث انه لم يُشر من قريب أو بعيد إلى موافقة اسرائيل على البحث في ملف المزارع والتلال».
وتقول المصادر ان هوكشتاين تجنّب في محادثاته مقاربة الطلب الاسرائيلي الرامي الى سحب عناصر «حزب الله» من شمالي الحدود لتوفير الامن لسكان المستوطنات الاسرائيلية، الا انّه شدد على أنّ الاولوية هي لخفض او لوقف ما وصفها بالاعمال الحربية وتَجنّب فتح جبهة حرب جديدة، وترك للبحث صلة في المستقبل القريب، من دون ان يربط ذلك بحرب الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل في قطاع غزة».
لا مصلحة بالحرب
واستفسَرت «الجمهورية» مسؤولا كبيرا حول نتائج المحادثات مع هوكشتاين، فقال: تحدث معنا بالعموميات، نَبرته كانت هادئة، وعبّر عن حماسة ملحوظة في نجاح مهمته بين لبنان واسرائيل. ورأيه ان لا مصلحة لأحد في الحرب. وموقفنا كان واضحا لجهة طلب خفض التصعيد او وقف التصعيد، حيث أن هذا الطلب ينبغي ان يوجّه الى اسرائيل بالدرجة الاولى التي تضع اصبعها على زناد التصعيد، وموقف لبنان واضح لجهة الاستعداد الكلي للانخراط في مفاوضات حول تطبيق القرار 1701 وتحقيق الهدف الذي بُني عليه هذا القرار، مع ان لبنان يحترم هذا القرار ويلتزم به، إنما لا تكون هذه المفاوضات تحت وطأة استمرار العدوان، بل بعد توقّفه في غزة ولبنان في آن معاً».
مقاربتان متناقضتان
وفي السياق ذاته، أبلغت مصادر ديبلوماسية لبنانية الى «الجمهورية» قولها: «ان هوكشتاين مُدرك لحساسية مهمته، ذلك انّ العقدة الاساس في طريق المسعى الاميركي الذي يقوده تَكمن في أنّ المقاربة اللبنانية للقرار 1701، التي تقول بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الاراضي اللبنانية التي تحتلها، مناقضة تماما للمقاربة الاسرائيلية التي لم تلتزم بهذا القرار على الاطلاق، بل تدعو الى تطبيقه وفق ما يلبّي مصلحتها، بما يعني فرض ترتيبات في الجانب اللبناني، تلزم «حزب الله» بالانسحاب الى شمالي الليطاني، وهو امر يرفضه لبنان، ويعتبره «حزب الله» مستحيلاً، فضلاً عن أنّ الحزب اكد على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله تحدث صراحة في خطابه الأخير عمّا سمّاها «فرصة تاريخية للتحرير الكامل لكل أراضينا ووضع معادلة تمنع العدو من انتهاك سيادتنا»، الا انه اكد أنّ أي مناقشات من هذا القبيل لن تتم إلا بعد انتهاء الحرب في غزة».
تشكيك أميركي
الى ذلك، كان لافتاً ما أوردته مجلة «فورين بوليسي» الاميركية امس، حيث اعتبرت «انّ احتمالات تحقيق أي اختراق دبلوماسي في محادثات الحدود بين لبنان وإسرائيل ضئيلة»، مشيرة الى أنّ احتمال نشوب حرب كاملة بين «حزب الله» وإسرائيل يتزايد مع مرور كل يوم، حيث تعزّز المناوشات عبر الحدود فرصة حدوث حسابات خاطئة أو خطوات خاطئة يمكن أن تتحول إلى حرب»، مشيرة الى انه «في ظل الوضع الراهن، يتّفق الجانبان اللبناني والاسرائيلي على ضرورة تغيير شيء ما على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، ولكن لا يعرف أيّ من الطرفين كيفية الوصول إلى هناك. وتبعاً لذلك، فإنّ العديد من الخبراء يشككون في قدرة هوكشتاين على تحقيق انقلاب دبلوماسي كامل ودفع الجانبين إلى التنفيذ الكامل للقرار رقم 1701، لكنهم يقولون إنّ هناك فرصة أن يتمكن على الأقل من بدء العملية».
ونقلت عن المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق جوناثان بانيكوف، وهو يعمل الآن في المجلس الأطلسي، قوله: «في الوقت الراهن ما من أحد يعلم ما سيحدث في المنطقة. نحن في أخطر وقت للتصعيد إلى حرب أوسع من أيّ وقت مضى منذ بداية الصراع بين إسرائيل وحماس».
ميقاتي
الى ذلك، قال رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في مستهل جلسة مجلس الوزراء امس: «أبلغنا جميع الموفدين أن الحديث عن تهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي، وانطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا، نطالب بأن يُصار في أسرع وقت ممكن الى وقف اطلاق النار في غزة، بالتوازي مع وقف اطلاق نار جدي في لبنان. نحن لا نقبل بأن يكون أخوة لنا يتعرّضون للابادة الجماعية والتدمير، ونحن نبحث فقط عن اتفاق خاص مع أحد».
وإذ جدّد ميقاتي التزام لبنان بالقرار 1701 وكل القرارات الدولية، قال: «كل هذه القرارات الدولية لم تنفذ اسرائيل ايّاً منها، في حين أننا نؤكد باستمرار أننا تحت الشرعية الدولية وبياننا الوزاري اكد احترام كل القرارات الدولية. واذا كان المطلوب تحقيق الاستقرار في الجنوب والمنطقة الحدودية، فلتطبّق كل القرارات الدولية، بدءاً باتفاق الهدنة الصادر عام 1949، وكل النقاط الواردة فيه من دون أي تغيير. وعندها يمكن الانتقال الى الحديث عن ترتيبات الاستقرار في الجنوب».
وفي الجانب المتعلق بالجلسة، رَد ميقاتي على «انتقادات البعض بأننا نأخذ دور رئيس الجمهورية». وقال: «هذا الأمر غير صحيح، لأننا نعمل على تسيير أمور البلد في الوقت الحاضر وهذه الظروف الصعبة. ومَن ينتقد عليه القيام بواجبه في انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن». وأعلن تأجيل بحث البند المتعلق بالحوافز المالية للقطاع العام الى الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء مع التأكيد على اعطاء الحوافز المالية بمفعول رجعي ابتداء من الاول من كانون الاول الفائت».
وبعد الجلسة، اعلن وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري أن «مجلس الوزراء رَد 3 قوانين صدرت عن مجلس النواب تتعلق بالايجارات، ومطالب الهيئة التعليمية بالمدارس الخاصة والمساعدة المالية لصندوق التعويضات».
واللافت إثر ذلك، صدور مواقف اعتراضية على هذا الرد من حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وحزب الكتائب، باعتبار انّ فيه مخالفة دستورية، حيث لا صلاحية لمجلس الوزراء برَد القوانين بل نشرها، وما حصل في هذا الامر تجاوز واضح وضرب لصلاحية رئيس الجمهورية.
مكاري
وتعليقاً على الردود الاعتراضية، قال الوزير مكاري لـ«الجمهورية»: ان رئيس الحكومة قال خلال الجلسة انه ومجلس الوزراء مؤتمنان على البلد، واذا وجد اي خلل في ايّ قانون، مضطرّ لتصحيحه ورَده للمجلس النيابي وليَقم المجلس بتصحيحه.
وأوضح مكاري رداً على سؤال حول العشاء المرتقب في كليمنصو مطلع الاسبوع المقبل بين الرئيس السابق للحزب التقدمي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، انه استمرار للعلاقة والتواصل بين القوى السياسية لمناقشة كل الامور الوطنية، وبرغم التباينات السياسية تبقى العلاقة الانسانية والشخصية «شغلة مهمة بلبنان لا تَستهونوها».
وعن الاجراء الذي سيتخذه الرئيس ميقاتي بعدما قال انه «ينتظر جواباً من وزير الدفاع على مراسلة أرسلها حول تعيين رئيس لأركان الجيش وذلك حتى الخامس عشر من كانون الثاني، وبعدها يُبنى على الشيء مقتضاه». قال مكاري: «لا ادري بالضبط ما سيفعله الرئيس ميقاتي لكنني اعتقد انّ اي إجراء سيكون وفقاً لفتوى او تخريجة قانونية».
واوضح ان كلام ميقاتي حول تعيين رئيس الاركان جاء بعد مداخلة من وزير التربية عباس الحلبي طالبَ فيها بحسم الموضوع لملء الشغور في مراكز المؤسسة العسكرية.
الميدان العسكري
ميدانياً، أمضت الحدود الجنوبية يوما متوترا تخللته سلسلة عمليات نفذها حزب الله» ضد المواقع الاسرائيلية، فيما كثفت اسرائيل من اعتداءاتها بالقصف المدفعي والغارات الجوية على العديد من البلدات الجنوبية.
وأبرزَ الاعلام الاسرائيلي، امس، استهداف المستوطنات الاسرائيلية حيث قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: انّ وابلاً من الصواريخ سقط (مساء امس الاول) على كريات شمونه، صاروخ وراء صاروخ، ما أدى لإصابة البنية التحتية للكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي في المدينة وجوارها، كما تعاملت قوات الطوارئ المحلية مع تسرّب للغاز نتيجة الضربات الصاروخية».
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن جندي من الاحتياط في الجيش «الإسرائيلي» يخدم عند الحدود مع لبنان: إنه أمر مُرعب أن تسمع صوت طائرة بدون طيار تابعة لـ»حزب الله» تحلق فوقك، لأنك تدرك أنّ هناك شيئًا يمكن أن يؤذيك، أنت تصلي حتى لا تراك وتهرب بجنون للاحتماء تحت شجرة.
وقال أعضاء المجلس المحلي في كريات شمونه في رسالة لرئيس المجلس: «كريات شمونه تعيش أزمة خطيرة، ولعلها أسوأ أزمة في تاريخها، أزمة تقطع كل مقومات الحياة من أمن وتعليم ورفاهية وبنية تحتية وغير ذلك».
وقال رئيس لجنة مستعمري «مرجليوت»: «لقد عدنا إلى العصر الحجري، ووعدنا غالانت بأننا سنُعيد لبنان إلى العصر الحجري، ولكن في النهاية نحن مَن بَقي بلا كهرباء». فيما ذكرت «القناة 12» الاسرائيلية: انّ جزءاً كبيراً من «قوة الرضوان» لا يزال موجوداً في المنطقة الحدودية، وهو يُشكل تهديداً حقيقياً للمنطقة الشمالية.