قبل دخول لبنان في أجواء الحرب كان هناك توجّه نحو توحيد سعر الصرف ومن ضمنه رفع قيمة دولار المصارف مقابل خفض سقف السحوبات وذلك بدءاً من إقرار موازنة 2024 التي ستترافق مع إطلاق منصة بلومبرغ التي ستحدد سعر صرف الدولار بشكل يومي استناداً الى حركة السوق. فهل طار هذا التوجّه بسبب الحرب في غزة؟ أين أصبحت بلومبرغ؟ وهل من تسعيرة جديدة لدولار المصارف؟
بعد إلغاء عمل منصة صيرفة منذ شهر آب الماضي ما عاد لدينا سعر صرف رسمي يومي. ورغم تجميد عملها، الا انّ آخر سعر لمنصة صيرفة 85500 ليرة لا يزال يعتمد في رسوم الدولة ولدى تسعير فواتير الكهرباء والخلوي... كذلك سعر صرف الدولار في السوق السوداء ثابت ما بين 89300 و 89500 ليرة ولا يزال مصرف لبنان يتدخل لدَوزنته والحفاظ عليه وتأمين الاستقرار في السوق النقدي، وذلك بانتظار انطلاق منصة بلومبرغ الموعودة التي ستنقل سعر الصرف الى منصة رسمية ليتحرك وفق حركتي العرض والطلب وبشكل يومي. وتفيد معلومات لـ«الجمهورية» انّ الاستعدادات التقنية واللوجستية لإطلاق عمل منصة بلومبرغ لا تزال قائمة، وفي حال لم تحصل اي مفاجأة اضافية في الوضع الامني القائم يتوقّع ان تباشر عملها مطلع العام المقبل.
هذا في شأن سعر الصرف، ماذا عن دولار المصارف التي كان المودع موعوداً بتغيّره مع علمه ان هذا الامر سيخفض سقف السحوبات من 1600 دولار شهريا الى ما بين 200 الى 300 دولار شهريا، لماذا لم يتغير بعد؟ هل هو مرتبط بإقرار الموازنة وسعر الصرف الذي سيعتمد فيها ام بإطلاق منصة بلومبرغ ام هو شأن خاص مُنفصل كلياً عنهما يحتاج فقط الى تعميم من مصرف لبنان مُشابه للتعاميم السابقة التي حددت دولار المصارف بـ3900 ليرة و8000 ليرة ولاحقاً بـ 15 الفا، أم هو مرتبط بإقرار مشروع اعادة هيكلة المصارف الذي من شأنه فرز المصارف بين متعثرة وجيدة انطلاقاً من حجم رأسمالها. إذ وفق معايير بازل وقواعد الامتثال يجب ان تغطي رساميل المصارف نسبة مئوية من حجم الودائع الموظفة لديه. فعلى سبيل المثال اذا كان حجم الودائع في مصرف معيّن يبلغ 5 مليارات دولار فهذه تمثّل قيمة المطلوبات التي يجب عليه دفعها للمودعين، ولدى احتساب رساميل المصارف وفق السعر الحقيقي للدولار، ستبرز فجوة وفق معيار بازل، بما يحتّم على المصارف تأمين رأسمال جديد يوازي حجم المطلوبات وفي حال تصنيفها عاجزة عن تسديد مطلوباتها، تصبح مفلسة حُكماً، وفي هذه الحالة يحق لمصرف لبنان ان يوقفها عن عملها. لذا، ولحل هذه المعضلة تطالب المصارف بحل مسألة الودائع او المطلوبات وعدم تحميلها لها وحدها، وذلك امّا من خلال نقلها الى صندوق الودائع فيُزاح عن كاهل المصارف حمل اعادة هذه الودائع كاملة، أو السير بإعادة هيكلة المصارف وتالياً شطب بعض المطلوبات.
وفي السياق، يشرح رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الجمهورية» انه من حيث المبدأ لا وجود لما يُعرف بدولار فريش ودولار مصرفي، إنما هناك تعميم أصدره حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة استند فيه الى المواد 70 و 174، وتوجّه فيه الى المصارف بما معناه: اذا كنتم تريديون بيع دولاراتكم الى الليرة اللبنانية وضمن حدود معينة فإنني أبيعكم ايّاها إنما وفق دولار 15 الفاً، لكن المصارف لجأت الى هذا الحل لأنها الطريقة الوحيدة التي تمكّنها من سحب اموالها العالقة في مصرف لبنان، وتمكّنها من الحصول على الليرة اللبنانية. كذلك ليس من تعميم يفرض على المودع بأن يصرف أمواله على 15 الفاً، وتالياً الصرف وفق دولار المصارف هو اختياري. ما قام به سلامة ليس له اي سند قانوني إنما هو حل اختياري من ضمن السياسة النقدية التي اتبعها خلال الأزمة.
وردا على سؤال، أوضح حمود ان لا علاقة لانطلاقة بلومبرغ بتعديل سعر دولار المصارف، فهذه المنصة تتعلق بسعر السوق الحر اي الدولار النقدي القابل للتحويل والقابل للصرف ولقبض الدولار نقداً. كذلك لا علاقة لإعادة هيكلة المصارف بتغيير تسعيرة دولار المصارف، الامر مرتبط كلياً بمصرف لبنان وبقدرته على شراء الدولار من المصارف وفق السعر المحدد ربما يقبل بالشراء على دولار 89 الفاً إنما ضمن سقف 200 دولار للمودع شهرياً.
واستبعد حمود ان يلجأ حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري الى اصدار تعميم يغيّر فيه احتساب دولار المصارف قبل الاقدام على تشريعات جديدة منها مصير اموال المودعين التي تقدّر بنحو 94 مليار دولار، الانتظام المالي، اعادة هيكلة المصارف... وتابَع حديثه بالقول: إنّ مصرف لبنان لا يمكنه ان يدفع للمودعين بالدولار، فقط بالليرة اللبنانية كذلك الدولة اللبنانية إنما بالقطّارة.
دولار المالية
امّا بالنسبة الى دولار المالية، والتي هي أم الموازنة، تقول للمواطن اذا توجّب عليك اي رسم بالدولار تدفعه بالليرة اللبنانية وفق سعر تحدده وزارة المالية، لذلك نرى ان كل الرسوم والضرائب وضريبة القيمة المضافة تدفع وفق سعر صيرفة ولا علاقة له بالتعميم 151. واليوم ننتظر لنعرف كيف ستترجم للمالية الميزانية العمومية للمصارف، وعلى اي سعر صرف ستحتسب المطلوبات والموجودات، اذا احتسبتها وفق سعر صيرفة فهذا يعني ان اسعار التزاماتها بالليرة اللبنانية مرتفعة جدا مقارنة مع رساميلها خصوصاً انّ جزءا كبيرا منها لا يزال بالليرة اللبنانية.
وحَمّل حمود الدولة مسؤولية هذا التفاوت بتسعيرة الدولار، مشدداً على ان توحيد سعر الصرف من مسؤوليتها، داعياً ايّاها الى اتخاذ موقف لكيفية ترجمة الاسعار في الميزانية العمومية. وتابع: لتاريخ اليوم لا تزال المصارف تُسعّر التزاماتها باللولار وفق سعر صرف 15 الفاً.
وعن محاذير تحرير سعر الصرف يقول حمود: هناك خشية من ان ينعكس تحرير سعر الصرف في الموازنة عبئاً ثقيلاً على المواطنين الذين لا تزال رواتبهم بالليرة اللبنانية ولم تتأقلم مع الدولار الحقيقي.
وتابع حديثه بالقول: في السابق كان حجم الناتج القومي 54 مليار دولار على عدد السكان كان يوازي الدخل الفردي 5000 دولار. اليوم تدنّى حجم الناتج القومي الى 20 مليار دولار ما يعني تراجع دخل الفرد الى نحو 400 دولار. وبالتالي، لا يمكن الضغط على المواطنين بهذا الكَم من الضرائب والرسوم في وقت تدنّى فيه دخل الفرد بشكل لافت.