هل سنتوقف عن مساعدة أعداء لبنان؟
فادي عبود
Saturday, 12-Aug-2023 06:48

بعد ثلاث سنوات على جريمة المرفأ، ماذا حققنا للضحايا وعائلاتهم غير تعطيل البلد في ذكرى الجريمة؟ هذا أقصى إنجازاتنا، ان نوقف العمل والإنتاج في كل مناسبة وذكرى، في الحزن والفرح، في الانتصار والخسارة، نحتفل او نحزن عبر إيقاف الإنتاج. وبات لدينا الكثير لنتذكّره ونحتفل به ونحزن له، ومن المتوقع ان تتزايد هذه المناسبات.

إنّ تكريم الضحايا يكون بتحقيق العدالة والمحاسبة، لا بشلّ البلد عن الإنتاج، تكريم الضحايا يكون بالعمل الدؤوب لإعادة الحقوق لهم ولعائلاتهم، اولاً عبر حقّهم بالعدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وثانياً بالتعويض المباشر لهم ولعائلاتهم، وثالثاً بخلق اقتصاد منتج يؤمّن الكرامة لأولادهم في وطنهم.

 

انّ مرتكبي الجرائم ضدّنا يسعدون جداً عندما يرون اننا فوق مصائبنا نستكمل تدمير انفسنا بأنفسنا، وهذا يشجعهم على الانقضاض علينا في كل مرّة، لأننا نواجه الضربة بضربة لأنفسنا بتخصيص ذكرى عبر إيقاف العمل والانتاج بدل ان تكون الذكرى مناسبة لزيادة العمل والإنتاج وزيادة النشاط،، ونصبح كل عام نمتهن البكاء والنحيب ونوقف العمل في البلد بكامله مسببين لأنفسنا خسائر إنتاج يوم كامل على مستوى البلد، وهذا بالطبع سيتكرّر كل عام. فإذا أوقع بنا العدو خسائر في ضربة واحدة ويوم واحد، نكون نحن ضاعفنا الخسائر والضرر، لأننا نعيد شلّ الإنتاج كل عام. ينظر أعداؤنا الينا بنشوة وسعادة، فكل ما يحتاجون اليه هو ضربة كل فترة ونحن نستكمل ما تبقّى.

 

نحن في واقع اقتصادي يتطلّب العمل الدؤوب والمضاعف، وعدم هدر اي دقيقة لرفع الإنتاج، فهل نكون قد كرّمنا الضحايا وعائلاتهم عبر إيقاف عجلة الإنتاج وإيقاف البلد.

 

في اليابان مثلاً، والتي شهدت واحدة من أسوأ الكوارث المصنّعة وهي هيروشيما وناغازاكي، حيث تّمت إبادة المدينتين بكاملهما بفعل القنبلة الذرية، لم توقف اليابان العمل في نهار ذكرى الكارثة، ولم تعتبره نهار تعطيل، كذلك الولايات المتحدة الاميركية لا تعتبر نهار ذكرى كارثة 11 ايلول نهار تعطيل يتمّ فيه وقف الأعمال، وعلى الرغم من انّ بعض النواب تقدّموا بمشروع قانون لاعتبار النهار عطلة فيدرالية، الاّ انّه لم تتمّ الموافقة على القانون. وفي ألمانيا ايضاً تمّ حرق مدينة دريسدين Dresden بكاملها خلال الحرب العالمية وإبادة المدنيين، ولم تخصّص ألمانيا نهار تعطيل في ذكرى الغارة المميتة.

 

اما في لبنان، إلى متى ستستمر هذه العقلية التي لا تخدم الاّ أعداء لبنان؟ إلى متى نعلّم اولادنا انّ التعطيل هو شيء مقبول ومستحب نفرح او نحزن به ونهلّل له، من دون ان ندرك النتائج الكارثية له على صعيد الاقتصاد والإنتاج؟.

 

من ناحية أخرى، ماذا غيّرنا وتعلّمنا من الجريمة الوقحة التي وقعت في المرفأ؟ هل غيّرنا إجراءاتنا وطريقة عملنا لنحرص على عدم تكرار المأساة؟ هل شكّلت هذه الصدمة نقطةً محورية لتغيير كل الفشل الإداري الذي كان مسؤولاً عن جريمة هزّت العالم؟

 

لم يتغيّر شيء، الشفافية لا تزال مفقودة، علماً انّ السبب الأساسي لجريمة المرفأ كان انعدام الشفافية والعمل تحت الطاولة وحجب المعلومات عن الشعب لإخفاء القرارات الفاسدة والمجرمة، فما الذي تغيّر في هذا السياق؟

 

اللجنة المؤقتة التي كانت في مركز القرار لا تزال مستمرة في عملها، الإجراءات الادارية السيئة لا تزال مستمرة، تضارب الصلاحيات و«كل من إيدو الو» لا تزال موجودة، وتلزيمات بالتراضي من هنا وهناك من دون دراسة جدوى اقتصادية للمستقبل.

 

لم نتعلم شيئاً ولم نغيّر شيئاً، وما زلنا نُخضع قراراتنا للشعبوبة والعاطفية، مثل إبقاء الإهراءات في مكانها من دون ان نخطّط لمستقبل المرفأ، بحجة أن تبقى هذه الإهراءات شاهداً على الجريمة. انّ الجريمة باقية في ذاكرتنا الجماعية إن كانت الإهراءات في مكانها او في غير مكان. ولكن أليس الأجدى ان نكرّم الضحايا عبر خلق اقتصاد قوي يعطي الناس حقوقهم ويجعلهم يعيشون بكرامة في وطنهم؟ أليس الافضل ان نمنحهم العدالة والمحاسبة؟.

 

طالبنا بعد وقوع الانفجار الكارثة، بأن تكون الدماء الغالية التي سقطت، الصخرة التي سنبني عليها نظاماً جديداً مبنياً على الشفافية المطلقة، وتغيير الإجراءات الادارية البيروقراطية التي خنقت هذا البلد خنقاً على مدى سنين وصولاً إلى تفجيره حرفياً.

 

ولكن نحن مصرّون على مساعدة أعداء لبنان، لأنّ ما نرتكبه يومياً في حق اقتصادنا الوطني وفّر على اعدائنا التفكير بوسائل لتدميرنا، فنقوم بتدمير أنفسنا عند كل شروق شمس...

الأكثر قراءة