رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
صدر في أواخر الشهر الماضي، (حزيران 2023)، التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، فكانت مناسبة لتبادل الرسائل المباشرة وغير المباشرة بين الدولة اللبنانية والمنظمة المالية الدولية.
نذكّر أنّ هذا التقرير يُعدّ إجراءً روتينياً للصندوق في البلدان المتواجد فيها، لكن الواقع المرّ أنّ كل التقارير منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة حتى تاريخه تتلاحق وتتوالى، من دون أي تغيير، لا بل تسوء يوماً بعد يوم.
في هذا التقرير الأخير، شدّد الصندوق على أن هذه الأزمة هي الأكبر دولياً ومعتمدة، ورغم أنه ليس من واجبه أن يكون محقّقاً ليُحدّد المسؤولية، لكن عليه أن يوضح الحقائق والأرقام بكل شفافيّة وموضوعية.
وشدّد التقرير على أن الليرة اللبنانية خسرت 98 % من قيمتها، وأن التضخُّم في لبنان وصل إلى ثلاثة أرقام، أي ما يُسمّى بالإنكليزية Triple digit inflation، أي التضخّم المفرط، وهو الأكبر من بين بلدان العالم، فضلاً عن أن كلفة العيش تضاعفت بنحو 20 مرّة على الأقل، وتدهورت نسبة العيش.
كما شدّد أيضاً على أن الخسائر في الإقتصاد وفي الناتج المحلي، تراوحت بين 50 % و60 % من حجمهما، وستحتاج البلاد إلى سنوات طويلة، لا بل إلى عقود، لإعادة تكوّنهما من جديد، والوصول إلى توازن اقتصادي ومالي ونقدي مقبول ومُستدام.
وذكر أيضاً أن المصرف المركزي خسر أيضاً ثلثي عملاته الأجنبية التي كانت في حوزته، واستُكمل النزف من دون أي إصلاح أو خطة أو استراتيجية، منذ بدء الإنهيار، أي منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة.
وشَدّد الصندوق اللهجة في هذا التقرير، وحمّل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة للحكام والمسؤولين السياسيين الذين لا يزالون يطمرون رؤوسهم بالتراب، من دون أي نيّة واضحة للإصلاح، أو للتغيير، ومتابعة الوضع الراهن، من دون أن يرف لهم جفن. فاستعمل للمرّة الأولى، لهجة عنيفة، لكن برأينا (كانت لطيفة) بالنسبة إلى حجم الأزمة، وعدم تحمُّل المسؤولية، من دون أي قلق.
الرسالة المباشرة التي تقدّمها الدولة والمسؤولون في لبنان واضحة جداً، وهي أنهم ليسوا مهتمّين بالصندوق، ولا بتقاريره، ولا حتى بأمواله وبتمويله الضعيف، بالنسبة إليهم، وليسوا لاهثين وراء أي تفاوض أو اتفاق أو مشروع مع الصندوق، لأنهم يُدركون تماماً بأن أي اتفاق مع صندوق النقد يعني التدقيق حيال كل الوزارات، وكل مداخيل الدولة، وملاحقة المشاريع والتنفيذ، وإعادة الهيكلة، وإقفال كل مزاريب الهدر والفساد.
فلا مصلحة للدولة اللبنانية برأيهم وأفكارهم السوداء وأجنداتهم الملغومة، لبضع ثلاثة أو أربعة مليارات دولار، التي برأيهم لن تغيّر شيئاً في الواقع، لكن الذي يجهلونه هو أن إعادة لبنان على السكة الصحيحة سيجذّب أضعافاً من هذه المبالغ والإستثمارات، على المدى القصير، المتوسط والبعيد. لكن تعوّدنا عليهم، إذ همّهم الأول والوحيد هو الإستفادة الشخصية والسريعة والسهلة، وليس البناء والإنماء والنمو.
رسالة السلطات اللبنانية واضحة، لمتابعة الواقع الأليم والتدهور المزمن، لأن ضمن الخسائر الكبيرة، هناك استفادات وأرباح ضخمة. وباستبعاد المستثمرين وروّاد الأعمال يجذبون الفاسدين والمبيّضين والمروّجين.
أما رسالة الصندوق الواضحة أيضاً فهي أنه لا يُمكن تمويل، أو استثمار سنت واحد، قبل تنفيذ الإصلاحات بجدّية، وملاحقة دقيقة لكل المطالب التي بقيت حبراً على ورق منذ عقود.
في المحصّلة، الواضح أن الأهداف والرسائل المباشرة وغير المباشرة بين صندوق النقد الدولي والدولة اللبنانية جليّة جداً، وتقودنا إلى النتيجة عينها: لا أحد يريد مشروع الصندوق، ولا تمويله، ويتبارون أمام الشاشات بشعارات وهميّة، تدعم الصندوق، لكن وراء الستار كل المسؤولين يعملون ليلاً ونهاراً، عكس المطلوب، ولا يريدون حتى ظل مشروع الصندوق، لأن أي مشروع مالي دولي، يعني التدقيق، والملاحقة، وإعادة الهيكلة، ووقف الهدر والفساد، وكل العبارات التي لا توجد في قاموسنا السياسي الداخلي.