عند كل استحقاق داخلي تصرّ معظم القوى اللبنانية على إثبات «قصورها»، والتأكيد انّه قاعدة وليس استثناءً في مسار تعاطيها مع القضايا الوطنية.
وصل «التطبيع» مع هذا الواقع المرير إلى حدود أنّ الاعتماد الزائد على الخارج في معالجة أزماتنا صار أمراً بديهياً وعلنياً، لا خجل منه ولا وجل!
استناداً إلى هذا «التقليد» المتوارث من طبقة سياسية إلى أخرى، عُلّقت الآمال وربما الأوهام على زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت، لعلّه يحمل في جعبته مفتاح قصر بعبدا، الضائع في كومة الشوك السياسي والطائفي.
ولكن مهمّة لودريان لن تكون، على الأرجح، كافية وحدها لاستيلاد رئيس الجمهورية، وسط التعقيدات الجمّة التي تحيط بها، علماً انّ الرئيس إيمانويل ماكرون لم يستطع بقدّه وقديده، عندما زار بيروت لمرتين متلاحقتين بعد انفجار المرفأ، أن ينفّذ المبادرة التي كان قد أطلقها آنذاك.
وانطلاقاً من الطبيعة المركّبة للمأزق، يستبعد سفير دولة كبرى في بيروت انتخاب رئيس الجمهورية قريباً، «لأنّ الداخل عاجز والخارج غير مستعجل».
ويلفت السفير، كما ينقل عنه زواره، إلى انّ هناك الكثير من البنود التي تسبق الملف اللبناني على طاولة التفاوض الدولي، «وليس هناك من اهتمام جدّي بكم بمعزل عن بعض المظاهر الشكلية»، معتبراً انّ لبنان فوّت حتى الآن الفرص التي لاحت أمامه للصعود إلى قطارات التسوية الإقليمية.
ويتساءل السفير باستغراب: «لماذا تتنازعون إلى هذه الدرجة على هوية رئيس الجمهورية المقبل؟ إنّ الرئيس لديكم لم يعد يملك سوى صلاحيات قليلة، أهمها التوقيع على تشكيل الحكومة، فهل يستأهل الأمر كل هذا التطاحن؟».
ويضيف السفير: «عليكم أن تعرفوا حقيقة حجمكم في المعادلات الدولية. بين اليمن والسودان واوكرانيا والنزاع الصيني - الأميركي، لا مكان متقدّماً لكم في حسابات الدول واهتماماتها، وبالتالي لن يصل الدور اليكم الّا بعد أن تتحلحل الامور الأخرى العالقة».
ويلفت السفير إلى انّ لا حماوة ميدانية في لبنان تستدعي تدخّلاً حاسماً، «ولذلك أنتم لستم في طليعة الاولويات حالياً، ومن المستبعد ان يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد خصّص أكثر من بضع دقائق للملف اللبناني خلال لقائه الاخير مع الرئيس الفرنسي ماكرون، لأنّ هناك أموراً مشتركة أهم بأشواط تُشغل الزعيمين».
ويشير إلى أنّ «من المفارقات اقتناعكم بأنكم على قدر من الأهمية في الساحة الإقليمية والمجتمع الدولي، في حين انّ الداتا العالمية تجاوزتكم ولم تعودوا تشكّلون جزءاً حيوياً منها».
ويتابع السفير أمام زواره: «دعوني اكون صريحاً معكم، انا أشعر بأنّ بعض القادة اللبنانيين يصرّون في تصرفاتهم على المكابرة ويتجاهلون الحقائق عمداً وكأنّهم أعداء أنفسهم. هؤلاء معتادون على المواربة والنفاق ولا يحبون من يصارحهم ويكاشفهم بالحقيقة، ولكن نحن ننظر إلى الورق فقط بعيداً من العواطف التي لا مكان لها في المصالح والسياسات الدولية».
ويتابع من دون قفازات: «نحن لا نساير في آرائنا، ولذلك هناك من يعتبر اننا فظّون وجافون. انما ولعلمكم، حتى في الإقليم أصبحوا كذلك حيالكم، واصبحوا يتعاملون مع الوقائع والأرقام فقط، وباتوا يربطون اي مساعدات بالإصلاحات».
ويشدّد السفير إيّاه على أنّ المطلوب من اللبنانيين ان ينزلوا عن الشجرة المرتفعة التي تسلّقوها، وان يتواضعوا في سلوكهم، حتى يجدوا حلولاً لأزماتهم، «وإلّا سيكون عليهم الاستمرار في انتظار الخارج حتى إشعار آخر».