الملف الرئاسي.. امام اسابيع قليلة حاسمة؟
Thursday, 15-Jun-2023 06:49

على الرغم من أنّ المناخ الداخلي بتقاطعاته ومكوناته المتناقضة ينذر بمرحلة متوترة مفتوحة على مديات زمنية طويلة، إلّا أنّ مصادر سياسية معنية بالملف الرئاسي اكّدت لـ«الجمهورية»، انّها ترى ضوءًا في النفق الرئاسي، يعزز الأمل بحصول انفراج رئاسي في المدى المنظور، وثمة معطيات حول الجهود الصديقة والشقيقة، تدفع إلى اعتبار انّ الملف الرئاسي بات امام اسابيع قليلة حاسمة.

 

ولفتت المصادر، الى انّها تعوّل في هذا السياق على الحراك المنتظر بعد ايام قليلة للممثل الشخصي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، فالفرنسيون وعلى ما بات مؤكّداً يشدّون في اتجاه صياغة «تسوية عاجلة» للملف اللبناني، سبق لباريس أن رسمت خطوطها. وعلى ما تؤكّد مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، فإنّ الأجواء الفرنسية السائدة قبل اللقاء المرتقب بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، تشي بتوجّه لدى الايليزيه لأن يشكّل هذا اللقاء قوة دفع كبيرة لإتمام هذه التسوية.

 

وإذا كانت جلسة الأمس قد تمخّضت عمّا كان متوقعاً لها بعدم تمكّن أي من المرشحين من الحصول على الأكثرية النيابية التي تؤمّن وصوله إلى رئاسة الجمهورية، إلّا أنّها بهذه النتيجة، اكّدت بما لا يقبل أدنى شك أنّ انتخاب رئيس للجمهورية في هذا الجو الانقسامي العميق بين المكوّنات السياسيّة مستحيل. وأمام هذه الاستحالة حقيقة وحيدة ثابتة، خلاصتها أن لا انفراج رئاسياً في المدى المنظور في انتظار لحظة ما، او ظروف ما قد تستجد، تسوق التناقضات الداخلية نحو «تسوية ملزمة» تُخرج رئاسة الجمهورية من مغارة الفراغ.

 

لم تكن النتيجة التي انتهت اليها الجلسة مفاجئة لكلّ المتتبعين للملف الرئاسي وتعقيداته، إلّا انّها فاجأت التقاطعات التي صدّعت رؤوس اللبنانيين بالصّخب الذي افتعلته، وبتوظيفها كلّ عدّتها السياسية ومنابرها الإعلامية والدعائية لحسم النتيجة سلفاً، بترويج بوانتاجات أوحت بأنّ مرشّحها جهاد ازعور سيعبر إلى القصر الجمهوري على صهوة اكثرية نيابية تفوق الـ70 صوتاً، وبخّست من نسبة الأصوات التي سينالها الوزير سليمان فرنجية، وحدّدت سقفها دون الاربعين صوتاً، فإذا بصندوقة الاقتراع تبعث رياحاً عاصفة تدفع بسفينة الأحلام والمبالغات الى برّ الواقع، وتكسر منطق البوانتاجات الوهمية والمزايدات التهويلية، وتهبط بالنسبة المفترضة لأزعور 11 صوتاً، فيحصل على 59 صوتاً، وفي المقابل ترتفع أصوات فرنجية الى 51 صوتاً.

من البداية لم تخف التقاطعات هدفها الاول والاخير وهو إقصاء الوزير فرنجية وإخراجه من نادي المرشحين، الّا انّ النتيجة جاءت عكسيّة بإسقاط ورقة أزعور، والصدمة التي كانت شديدة الوضوح على وجوه المتقاطعين، جاءت مزدوجة، من نسبة الاصوات التي نالها ازعور التي لم ترق الى مستوى توقعاتهم، وكذلك من النسبة العالية التي حصدها فرنجية، وحرمتهم من الاحتفال بـ«النصر الكبير» الذي كانوا قد اعدّوا لإقامته بعد الجلسة. وتبعاً لذلك لم يقدروا انّ يضبطوا انفعالاتهم من الخيبة التي مُنيوا بها، وقد ظهر ذلك جلياً على الشاشات.
 

صحيح انّ فرنجية لم يحصد أكثرية الفوز، الّا انّه ما زال متموضعاً في صدارة الملف الرئاسي، مرشّحاً محصّناً بفريق متماسك معه، وملتف حوله وحاسم لخياره الثابت والنهائي بدعمه لرئاسة الجمهورية، وبالتالي لم تؤثر جلسة الأمس على موقف هذا الفريق.

 

غير انّ الصورة مختلفة في المقلب الآخر، فالتقاطعات التي تقاطعت على أزعور قدّمت له من البداية شيكاً بلا رصيد وغير قابل للصرف في البنك الرئاسي، فهي نفسها أفصحت على لسان مكوناتها عن أنّ هذا التقاطع مؤقّت ومرحلي، تنتهي مفاعيله مع جلسة 14 حزيران. ما يعني انّ هذه الجبهة المتقاطعة، وبعد فشل تجربة أزعور، خرجت من جلسة الأمس، مهشّمة بمعنوياتها، ودخلت في مرحلة انفراط شملها، وكان لافتاً انّ بعض مكوناتها، بدأ بالتمهيد لتجربة جديدة، مع «ازعور جديد» قادر على أن يجمع، او يجتمع حوله 65 صوتاً.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا، يدور حول موقف «القوات اللبنانية»، وأيّ مسار ستنتهجه بعد فشل تجربة أزعور، الذي لم يكن من الأساس خيارها بل تقاطعت عليه مع التقاطعات؟ وبالتالي هل ستطرح بديلاً، أم ستستمر في معركة أزعور برغم انّها معركة، كما بدا جلياً امس انّها بلا أفق؟ وكذلك حول موقف «التيار الوطني الحر»، الذي ليس خافياً أنّه من الأساس نائم على ورقة رئاسية مستورة تزكّي أحد الوزراء السابقين، وتعاطى من البداية مع ترشيح أزعور كورقة محروقة سلفاً، وانّه ليس الشخص الذي يقنعنا؟

 

على أنّ السّؤال الأكبر، هو على موقف من يسمّون أنفسهم نواباً تغييريين، وموقعهم في مرحلة ما بعد سقوط تجربة ازعور، وخصوصاً انّ هؤلاء باتوا محاطين بهالة كبرى من علامات الاستفهام حول دورهم الذي يؤدّونه، وهالة اكبر من التشكيك بصدقيتهم ونزاهة شعاراتهم وعناوينهم، بعد خروجهم الفاضح على «ثورة 17 تشرين»، وخذلانهم جمهورها بجلوسهم في خندق واحد وعلى مقعد واحد مع جبهة نقيضة للثورة ومبادئها وشعاراتها الاتهامية لما تُسمّى «المنظومة»، وتقديمهم خدمة جليلة لأحزاب وتيارات سياسية كانت جزءًا اساسياً في هذه المنظومة سواء في العهد الرئاسي السابق او العهود السابقة، ومنحهم 9 أصوات لمرشحها جهاد أزعور، الذي لولا تلك الاصوات التسعة لكان ما يحصل عليه لا يتجاوز الـ50 صوتاً موزعة بين نواب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» و»الكتائب» و»كتلة تجدد» وبعض المستقلين. واستطراداً هنا، فإنّ هذه النسبة نجت من ان تكون اقل بكثير لولا اصوات «اللقاء الديموقراطي» الثمانية التي مُنحت من باب رفع العتب السياسي، والّا لكانت النسبة التي سينالها ازعور 43 صوتاً، اي بما يعادل النسبة التي كان نالها ميشال معوّض في جلسات الاحد عشر فشلاً السابقة؟.

الأكثر قراءة