من جلسة انتخابية رئاسية الى أخرى تتبدّل اعداد أصوات المقترعين لهذا المرشح او ذاك وكذلك اعداد الاوراق البيض وتُرمى أسماء مرشحين معروفين ومغمورين، وتنتهي الجلسة في دورتها الاولى بعدم فوز اي مرشح ويطيّر نصابها قبل الشروع في الدورة الثانية ويدعى الى جلسة جديدة في يوم خميس جديد ويمتد عمر الفراغ الرئاسي أسبوعاً آخر ومعه الامل في انتخاب الرئيس العتيد.
لم تكن جلسة مجلس النواب السادسة امس لانتخاب رئيس جمهورية جديد افضل من سابقاتها، فخلالها تكرر النقاش ـ السجال حول نصاب الانتخاب بعد الانعقاد مُستحضراً من الجلسة السابقة، في خارجها دار سجال يتصل بماهية الرئيس وموقعه في هرم السلطة استحضر ما كان يسمّى «الترويكا» في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي.
وقالت مصادر نيابية لـ»الجمهورية» انّ افتعال الجدل في موضوع نصاب الجلسات والمعتمد في انتخاب 13 رئيس للبنان منذ استقلاله وحتى اليوم إنما يعكس احد امرين: امّا ان ساعة حسم الخيار في شأن رئيس الجمهورية العتيد قد اقتربت لدى الجهات الفاعلة والمؤثرة داخليا وخارجيا، واما ان المطلوب كان ولا يزال الاستمرار في إمرار الوقت الضائع في انتظار تبلور الحل لدى المعنيين والذي يبدو انه سيكون متكوّناً من رئيس جمهورية ورئيس حكومة ويأخذ في الاعتبار الحكومة العتيدة من حيث مواصفاتها وحجمها وبرنامجها لمعالجة الازمة بكل تشعباتها السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية وتنفيذ البرامج الاصلاحية المطروحة والجديدة.
كذلك فإنّ السجال الذي دار بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تُدرجه المصادر في هذا الاتجاه، اذ لم تمر عملية تسريب الشريط المسجل لرئيس «التيار الوطني الحر» كما شاء البعض تفسيرها وسُجِّل إجماع على ان ما تم تسريبه من لقاء باسيل مع «كوادر التيار» في باريس كان عملا مقصوداً، بعدما اختيرت المقاطع المسرّبة بعناية مطلقة عَبّرت عن شكل الهجوم الذي شنه باسيل في اتجاه ثلاثة اطراف أساسية على الأقل.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ»الجمهورية» انه وبمعزل عن «العنجهية» التي عبّر عنها باسيل بقوله انّ «احداً لا يمكنه الحلول مكان التيار في عملية انتخاب الرئيس، وانه ليس هناك من رئيس للجمهورية مهما كانت التسمية الملحقة به توافقيا او طرفا من دون موافقة التيار الوطني الحر»، فإنّ موقفه هذا لم يحمل جديداً.
ولفتت المصادر الى انّ ابرز الرسائل كانت ثلاثة واضحة: الاولى في اتجاه المرشح سليمان فرنجية، والثانية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري وضمناً الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، اما الثالثة فكانت الرسالة المبطنة الى «حزب الله» لجهة التأكيد انه لن يستطيع دفعه الى التصويت الى جانب فرنجية.
وقالت المصادر إن ما قاله باسيل وباستثناء العبارات المستخدمة «للاستهزاء» بخصومه لم يحمل جديداً من مختلف الأطراف التي استهدفها، فموقفه من فرنجية مُعلن منذ فترة طويلة وفي لقاءات سياسية وإعلامية وديبلوماسية. كما انّ توصيفه لدور بري وميقاتي إبّان المواجهة من اجل تشكيل الحكومة كان أقسى من تلك التهمة المرتبطة بإحياء «الترويكا» المحتملة ان فاز فرنجية، أما الثالثة في اتجاه «الحزب» فالجميع يدرك فشل مساعي الحزب في تشكيل الحكومة العتيدة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، ولم يأت به الى سلة فرنجية الانتخابية الرئاسية في نهاية المطاف الانتخابي الرئاسي حتى اليوم.
وإلحاقاً بهذه الاجواء، وإزاء صَمت الرئيس ميقاتي، اعتبرت اوساط مَن استهدفهم باسيل في مواقفه الباريسية انّ الحديث عن خطوط مفتوحة للحوار بين «التيار الوطني الحر» والقيادات السياسية باتت «قميص عثمان»، سواء بالنسبة الى الحلفاء وحلفاء الحلفاء، وهو لم يحظ بتأييد ايّ منهم ليكون مرشحا رئاسيا. وانّ التمنين بأنّ باسيل لم يترشح تواضعاً منه فهو قول مردود بالنسبة الى الاوساط عينها.
وكان قد صدر عن المكتب الاعلامي لبري بيان رد على باسيل، وفيه: «في جميع الحالات ما كان الامر عليه في العام 1990 نعتقد انه افضل ممّا قدّم لنا في السنوات الست الماضية، والذي يتلخص: عون - باسيل ـ جريصاتي».
وكان قد سُرِّب تسجيل صوتي لباسيل في اجتماع داخلي لنشطاء التيّار في باريس، قال فيه عندما سُئل «إن كان سيسير برئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية أو سيستمر بالورقة البيضاء؟ فردّ: «من السهل عليه أن يقول انه مرشّح للرئاسة كما يرغب الكثير من الناس في التيار ويفرض معادلة، إلّا أنه أخذ خياراً لم يفكر فيه بنفسه أو بالتيّار بل بمصلحة البلد، وحتى يتجنّب الفراغ ويجري الإتفاق على رئيس عليه «القدر والقيمة».
وقال: «طالما نحن لا نريد ولا نقبل ليس هناك من رئيس للجمهورية. لم يعد أحد يستطيع أن يتخطّانا»، لافتاً إلى «التجربة في البلد من الـ 90 للـ 2005 بدون التيّار»، سائلاً: «ماذا كانت الحصيلة؟ مرحلة التسعين أي «حريري - بري - الهراوي»، واليوم اذا جاء فرنجية، تصبح نسخة ثانية «ميقاتي - بري - فرنجية».
وقال: «لم أترشح لرئاسة الجمهورية لكي لا اعقّد الأمور أكثر ولكي لا نصل الى الفراغ الرئاسي»، موضحاً «انني أعارض وصول رئيس التيار المردة سليمان فرنجية الى الرئاسة لأننا لا نتّفق في البرنامج السياسي الإصلاحي لبناء الدولة».
طوني فرنجية يردّ
وردّ النائب طوني فرنجية، عبر «تويتر»، على باسيل، كاتباً: «سيبقى رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجيه شخصية وطنية جامعة تتخطى محاولات التلطّي وراء الطوائف ومفاهيم التقوقع المختلفة التي أرهقت البلاد والعباد». واضاف: «نحن أيضاً لا نتفق معك في البرنامج السياسي والإصلاحي لبناء دولة». وختم قائلاً «جربنا وشفنا»... أوصَلتنا الى «جهنم».
توزيع الاوراق
وكانت الجلسة الانتخابية امس قد انتهت الى النتائج كالآتي:
عدد المقترعين 112 نائباً. 46 ورقة بيضاء، 43 للمرشح النائب ميشال معوض، 9 «لبنان الجديد»، ورقة لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، 7 للدكتور عضام خليفة، ورقة للنائب ميشال ضاهر، 3 لزياد بارود. ووجدت ورقتان ألغيتا وكتب عليهما «دستور جديد للبنان جديد»، و«فالج ما تعالج».
دولة فاشلة؟
من جهة ثانية، في دولة تعاني ازمة كبيرة ومتشابكة كأزمة لبنان الاقتصادية والمالية يصبح من الصعب يوما بعد يوم اجتراح الحلول لإنقاذ البلد، إذ علمت «الجمهورية» من مصادر على اضطلاع بالاجتماعات المالية مع خبراء دوليين ان لبنان قد يصنف من البلدان الفاشلة اذا لم يتمكن من احتواء الأوبئة، خصوصا الكوليرا. والمُتعارف عليه ان هذا الوباء يضرب دول العالم الثالث حيث تكثر فيه الازمات ويشتد فيه الفقر وتهدد فيه البنى التحتية الآخذة بالاهتراء، وبالتالي فإنّ كل الخطوات الترقيعية تبقى هشّة امام هول المخاطر المترتبة عن العجز في معالجة تداعياتها.
وعلمت «الجمهورية» ايضا انّ احدى المؤسسات الدولية تحضّ لبنان على اتخاذ خطوات لاحتواء الآفة التي تضربه خِشية تصنيفه failed state، مشيرة الى ان ظهور وباء الكوليرا أمر غير مستغرب في بلد شبيه بالصومال او اليمن، اما في لبنان فالامر يُنذر بمخاطر على الجميع المُسارعة الى احتوائها.
وفي شأن الوضع المالي قالت مصادر اقتصادية رفيعة لـ«الجمهورية» انه اذا لم تُبادر الحكومة الى تنفيذ ما ورد في موازنة العام ٢٠٢٢ لجهة الاجراءات المطلوبة وفق تقديرات الموازنة، فإنّ الاوضاع ستزداد تدهوراً وقد تظهر مطلع السنة المقبلة. وكشفت هذه المصادر ان الانفاق الذي قدّر في موازنة العام ٢٠٢٢ بـ ٤٠ الف مليار ليرة، تمّ احتسابه على سعر ١٥ الف ليرة للدولار للشهرين الاخيرين من السنة الجارية، في حين ان الايرادات لمجمل السنة كانت تُجبى على سعر ١٥٠٠ ليرة للدولار. وسألت المصادر نفسها عن الاجراءات التي ستتضمنها موازنة سنة ٢٠٢٣ مع الفارق الكبير الذي وصل اليه سعر دولار السوق، والذي تخطى الـ٤٠ الف ليرة مع حجم إنفاق يقارب ٣ اضعاف ما تمّ إنفاقه خلال هذه السنة. وتخوّفت بشدة من ان تصل الدولة الى مرحلة ليست ببعيدة تعجز خلالها عن تأمين الرواتب والحد الادنى من التقديمات الصحية والاجتماعية الملحّة». وقالت: «المطلوب لإنقاذ ما تبقّى عملية جراحية تخلق نوعاً من التوازن مع عجز مقبول بين النفقات والواردات لكي لا نصل الى ساعة الانهيار…».
إشتباك كهربائي
إندلعَ، على هامش الوقت السياسي الضائع، «اشتباك كهربائي» بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض، بعد اتهامات وَجّهها الأول إلى الثاني بالقصور والتقصير في معالجة ملفات تتعلق بالكهرباء.
وأبلغت مصادر فياض الى «الجمهورية» استغرابها لِما نُقل عن ميقاتي من مواقف ضده، «خصوصاً انّ ميقاتي اكثر من يعلم انّ رفع تعرفة الكهرباء هو جزء من خطة الوزير فياض لإعادة النهوض بهذا القطاع، وانه حتى لو صح ان «حزب الله» تمنّى عليه عدم السير برفع التعرفة قبل زيادة التغذية، فإنّ ميقاتي نفسه سمع من مسؤولي الحزب هذا الكلام، علماً ان خطة الوزارة نصّت على تزامن رفع التغذية والتعرفة الا اذا كانت لدى رئيس الحكومة نيّة أخرى».
وأضافت المصادر: «الوزير فياض سيتابع نشاطه وسيبذل كل طاقاته من اجل تأمين زيادة ساعات التغذية وهو مَسار يُواظب عليه منذ تولّيه الوزارة، وقد أنجز ما يتوجب عليه في معظم الملفات، مثل الغاز المصري، كهرباء الاردن، الفيول الايراني، رفع التعرفة، وهو يستكمل العمل على حلول اخرى كما حصل أخيراً في الجزائر، ما يؤكّد ان التعطيل في مكان آخر يعرفه رئيس الحكومة جيداً».
اما بالنسبة إلى اتهام ميقاتي لفياض بالتأخير المتعمّد في نشر اعلان حول الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في مطبوعة دولية، فإنّ مصادر فياض تؤكد «ان هذا الإعلان أصبح شبه مُنجز وليس صحيحاً ان هناك إهمالا له»، مشيرة الى «ان المطلوب في الوقت نفسه تأمين شروط الاستقلالية الفعلية لاعضاء الهيئة وضمان توزع الاختصاصات فيها وفق الاحتياجات اللازمة».
ونفت المصادر ان يكون فياض مُعرقلاً للتفاهم النفطي مع الجزائر كما يروج ميقاتي، مؤكدة «ان فياض عومِل بحفاوة من الرئيس الجزائري وان إجتماعاته مع وزير الطاقة الجزائري ايجابية، وقد اتفق معه على متابعة البحث للوصول إلى اتفاق في شأن الحصول على فيول للكهرباء». واعتبرت المصادر «انّ فياض كان المُبادِر الى طرح فكرة التواصل مع الجزائر، وهو الذي كسر «التابو» في هذا المجال بعد أزمة «سوناطراك»، لافتة إلى أنه «بذلَ منذ أشهر المجهود الأكبر لإعادة تحريك هذا المسار مع الجزائر وتفعيله بينما غيره يحاول ان يقطف فقط».
حركة لافتة في بكركي
والى بكركي تتوجّه الانظار اليوم حيث من المقرر ان يلتقي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عدداً من الموفدين المكلّفين بملفات أساسية وبالغة الدقة، وهو سيلتقي وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الذي سينقل إليه أجواء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونتائج الزيارات الخارجية التي قام بها وبعض القضايا المتعلقة بالعمل الحكومي والهموم الاجتماعية.
كذلك سيلتقي الراعي وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار الذي يحمل إليه ملفاً متكاملاً عن الجهود المبذولة لمواجهة أزمة النازحين السوريين والعقبات التي تحول دون عودة تستحقّ الحديث عنها تحت هذا العنوان الكبير، والمواجهة التي تخوضها الوزارة باسم الحكومة مع المنظمات الاممية المعنية بملف النزوح.
ومن زوار بكركي أيضاً وزير العدل هنري خوري، وهو سيُطلع البطريرك على ما يقوم به في سلك القضاء ومصير التحقيقات في جريمة تفجير المرفأ، وما يعيق إحياء الهيئة العليا لمحكمة التمييز والمخارج المطروحة لإحيائها بعد فشل تعيين قاض عدلي رديف.