غداً ينطلق قطار الانتخابات النيابية، وأولى مراحلها الاربع تبدأ في السادس من ايار الجاري، باقتراع المغتربين في الدول التي تعتمد يوم الجمعة عطلة أسبوعية. ويفترض ان يسبقها اليوم صمت المرشحين والاحزاب والتيارات المتنافسة عن الكلام الانتخابي وحملات التعبئة والتجييش حتى انتهاء العملية الانتخابية وإقفال صناديق الإقتراع، ليعود ويُستأنف مع المراحل التالية، حيث من المقرر ان تنطلق المرحلة الثانية في 8 ايار باقتراع المغتربين المنتشرين في الدول التي تعتمد يوم الاحد عطلة اسبوعية، ثم المرحلة الثالثة في 12 ايار باقتراع الموظّفين المولجين برئاسة وإدارة أقلام الاقتراع، وصولاً الى محطة الفصل والحسم في الخامس عشر من ايار على مستوى الدوائر الـ15 في لبنان.
عملياً اقتربت ساعة الجد، والصورة العامة: حبس أنفاس، وشد عصب انتخابي، وشحن سياسي ومناطقي وغير ذلك، وحملات واتهامات من فوق السطوح وتحتها، وأعصاب مشدودة في كل الدوائر، ومضبوطة على إيقاع «تكتكة» العداد التنازلي للايام المتبقية من روزنامة التحضير لاستحقاق 15 ايار، التي لم يبق فيها سوى 9 أيام.
تسخين
الفترة الفاصلة عن موعد فتح صناديق الاقتراع باتت ضيقة زمنيّاً، ولعلها الفترة الأكثر استنزافاً للاطراف المتنافسة، لا سيما انّ هذه الفترة، وكما هو معهود مع مثل هذه الفترات السابقة ليوم الاقتراع، يتوقّع لها أن تكون الاكثر سخونة، تزداد فيها طاقة الماكينات الانتخابية، وحماوة الحملات والدعايات ومحاولات جذب الناخبين الى صناديق الاقتراع، خصوصا في ظل المخاوف التي تعتري القوى الحزبية تحديدا، من أن تصطدم في 15 ايار بجدار المقاطعة وإحجام الشريحة الكبرى من الناخبين عن المشاركة في الانتخابات. ما يعني - إن حصل ذلك فعلاً - خيبة تعادل الفضيحة المدوّية لقوى حزبية وَعدت نفسها وجمهورها بأن تُحدث نقلة نوعية في حضورها وتمثيلها في المجلس النيابي الجديد. ولقوى حزبية أخرى وعدت بدورها بأن تحافظ على نسبة تمثيلها النيابي بالحجم نفسه الذي هو عليه في مجلس النواب الحالي.
هروب من الفضيحة!
واذا كانت بعض القوى ماضية في خطابها بذات الوتيرة التصعيدية سواء على المستوى السياسي او على مستوى الاستفزاز والتجريح الشخصي، الا انّ ذلك كلّه لم يعد مُندرجاً في سياق السعي الى تحقيق الانتصار الذي وعدت به في 15 ايار، بقدر ما هو مُندرج تحت عنوان جديد فرضته على القوى الحزبية مخاوفها من إحجام الناخبين وتدنّي نسبة الاقتراع، هو محاولة الهروب من الفضيحة والتقليل من الخسائر.
تشكيك!
على انّ اللافت للانتباه عشية انطلاق المرحلة الاولى من الانتخابات هو ارتفاع بعض اصوات معارضي السلطة في الداخل التي تشكك مسبقاً بانتخابات غير المقيمين. وفي هذا السياق ابلغت مصادر معارضة إلى «الجمهورية» قولها ان ما يبعث على القلق والتشكيك «هو اولاً، عدم إتمام التحضيرات اللوجستية في مراكز الاقتراع في الخارج». وثانياً، «عدم معالجة الالتباسات والثغرات في توزيع الناخبين، وكذلك الخوف الكبير على صناديق الاقتراع بعد انتهاء العملية الانتخابية، حيث ان الخطر يُحدق بها، سواء في اماكن ايداعها في الخارج، او في اثناء نقلها من الخارج الى لبنان، حيث انها تستوجِب ان تُحاط بحماية موثوقة ومؤتمنة عليها من لحظة إيداعها في الخارج الى لحظة إيصالها بأمان الى لبنان. فدون ذلك يُخشى من حجب او إخفاء بعض تلك الصناديق، او التلاعب فيها. وهو الأمر - إن حصل - سيؤدي بالتاكيد الى نسف الانتخابات برمّتها.
تطمين!
الا انّ مصادر وزارية اكدت لـ»الجمهورية» انها لا تُعير أذناً لما تسمّيها «الفرضيات اللاواقعية والسيناريوهات الوهمية»، وطمأنت الى «ان انتخابات غير المقيمين ستحصل في مواعيدها وفق الاجراءات التي حددتها الدولة عبر وزارة الخارجية وبالتنسيق خطوة بخطوة مع وزارة الداخلية. وصناديق الاقتراع ستكون بأمان في الاماكن المحددة لإيداعها في الخارج، ومن ثم سيتم نقلها الى لبنان بالقدر الأعلى من الحفاظ عليها».
وعمّن سيتولى حماية صناديق الاقتراع، قالت المصادر الوزارية: سنعتمد الطريقة ذاتها التي اعتمدت في انتخابات المغتربين قبل اربع سنوات، حيث جرت تلك الانتخابات بشكل طبيعي، وحُفظت صناديق المغتربين، وتمّ نقلها بسلام الى لبنان، من دون ان تشوبها اي شائبة. وهذا ما سيحصل.
وقيل للمصادر الوزارية انّ بعض اطراف المعارضة لا تثق بالسلطة وتطالب بحماية دولية لمراكز الاقتراع في الخارج، ولصناديق المغتربين، فتساءلت: «حماية دولية ممّن»؟ ومضت تقول: «الأكيد انّ لهؤلاء المعارضين أسبابهم، ولن نخوض فيها، ولا في نواياهم، ولن نقول انهم يحاولون التشويش على الانتخابات ويفتشون عن سبب لتعطيلها، كما اننا لن نتوسّع في الحديث عن «مراسلات» البعض منهم لبعض البعثات الديبلوماسية ومضامينها اللاواقعية، بل نقول انّ من حقهم ان يثقوا بالسلطة والّا يثقوا بها، وفي المقابل من حقنا ان نقول ونذكّر ان الحكومة التزمت بإجراء انتخابات نزيهة، وبناء على ذلك فليطمئن الجميع، وخصوصاً الذين يُعارضون، بأنّ طريق الانتخابات في كل مراحلها في الداخل والخارج، وكذلك طريق صناديق الاقتراع من الخارج الى الداخل سالكة وآمنة».
تحت المجهر
وفي ذات السياق، سألت «الجمهورية» ديبلوماسيّين غربيّين عن هذه المخاوف، فكرّرت التشديد على الثابتة التي يؤكد عليها المجتمع الدولي لناحية دعوة السلطة اللبنانيّة الى اجراء انتخابات في موعدها، يمارس فيها اللبنانيون حقهم في الانتخاب بصورة شفافة ونزيهة وحيادية ومن دون ايّ ضغوط او تدخلات. لافتة في الوقت نفسه الى انّ هذه الإنتخابات ستكون بالفعل تحت المجهر الدولي، الذي لن يغضّ الطرْفَ عن أيّ أخطاء أو تجاوزات إذا ما حصلت في داخل لبنان او خارجه. حيث أنّها ستُقابَل بمواقف مباشرة وإجراءات فوريّة».
إكتملت التحضيرات
الى ذلك، اكد وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي «انّ هناك مراقبين دوليين للانتخابات التي ستجرى في لبنان، وقمنا بكل التسهيلات لذلك».
وأعلن «أنّ التحضيرات لإنجاز الانتخابات في موعدها قد اكتملت»، مشيراً الى انه «يتابع يومياً مسألة التأكّد من جهوزية البعثات الديبلوماسية لانتخابات المغتربين». وأوضح «أن تقسيم مكاتب الاقتراع في الخارج يأتي من البعثات عبر وزارة الخارجية والمغتربين، وأنه لم يَرده أي تغيير من الخارجية بشأن مراكز الاقتراع في سيدني وأميركا».
رسالة عون
واللافت عشيّة انطلاق المرحلة الاولى الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى المغتربين، وقال فيها: «مع تصاعد منسوب المال الانتخابي، أستذكِر ما كتبت في العام ١٩٩٨: تحاشوا أن تنتخبوا المرشّحين لما في جيوبهم فهذا لهم، بل اختاروهم لما في قلوبهم وعقولهم فهذا لكم. إعملوا على إيصال الشرفاء المتحلّين بإرادة العمل، فالشرف يحميهم من المذلات، وإرادة العمل تعطيهم القدرة على التنفيذ والإنجاز».
بري الثوابت الوطنية
وفي رسالة الى المغتربين دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى أوسع مشاركة اغترابية في انتخابات غير المقيمين يومي 6 و8 ايار الجاري، وقال: «ليكن اقتراعكم في السادس والثامن من أيار للثوابت الوطنية وليس للوعود الإنتخابية. وليكن اقتراعكم للوحدة وليس للشرذمة.. وللبنان العربي الهوية والإنتماء لبنان الملتزم بأفضل العلاقات مع أشقائه العرب كل العرب من المحيط الى الخليج ومع أصدقائه في كل العالم. ولمَن يؤمن بالحوار سبيلاً لمقاربة كافة القضايا الخلافية تحت سقف الدستور وحماية السلم الأهلي. وليكن اقتراعكم لإستقلالية القضاء وإصلاحه وجَعله سلطة فوق الكيدية وبمنأى عن التدخلات السياسية، سلطة قادرة على إحقاق الحق وإرساء قواعد العدل وفقاً لمنطق الدستور والقانون، ولحوار صريح وشفاف تحت قبة البرلمان لإقرار خطة للتعافي الإقتصادي تكرّس حقوق المودعين كل المودعين كاملة كحقّ مقدس غير خاضع للتفريط به تحت أي عنوان من العناوين.. وللبنان الدولة المدنية وإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي على أساس النسبية، ولصَون عناوين قوة لبنان جيشاً وشعباً ومقاومة من أجل كبح عدوانية إسرائيل واستثمار كافة ثروات لبنان في البحر من دون أي انتقاص أو تفريط بالحقوق السيادية ورفضاً لأيّ من أشكال التطبيع وللتوطين ودعماً لإعادة النازحين.
مجلس المطارنة
بدوره، اكد مجلس المطارنة في بيان بعد اجتماعه الشهري امس، برئاسة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «وجوب سعي المسؤولين جدياً إلى إزالة كل الألغام من أمام إجراء الانتخابات النيابية في الخامس عشر من الشهر الجاري، وتحرير إرادة الناخبين والمرشحين من الضغوط المختلفة التي تعرقل حسن هذا الإجراء». وحثّ المجلس جميع المواطنين على الإقبال بكثافة على ممارسة حقهم الدستوري، بضمير واعٍ والتزام وطني صادق، لعلهم يسهمون في إحداث التغيير المنشود، وإخراج البلاد من الإنهيار الذي يدهمها».
واستنكر المجلس «مماطلة المسؤولين في القيام بالإصلاحات التي لا بد منها، لكي يتم التعاون بين لبنان وصندوق النقد الدولي، لِما فيه خير الوطن والبدء في تنفيذ خطة التعافي التي ستنتشل البلاد من محنتها، وتعيد الاقتصاد الحر فيها إلى الأوضاع الطبيعية بأسرع وقت». وحذّر من «ظاهرة تفشي الإخلال بالأمن، المتنقّل من منطقة إلى أخرى، ولا سيما جرائم القتل التي تحدث في شكل شبه يومي»، مُناشداً المعنيين «التنبّه لمحاذير ذلك، ومُحيياً الأجهزة العسكرية والأمنية الساهرة على ضبط الأوضاع الميدانية بما تملك من إمكانات ولو محدودة.
الحكومة
وفيما تطغى كوما الانتخابات على البلد بصورة عامة، يعقد مجلس الوزراء جلسة في السرايا الحكومية بعد ظهر اليوم، برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مخصصة للبحث في جدول اعمال عادي يضم 40 بنداً، يتعلق بعضها بفتح ونقل اعتمادات مالية الى عدد من الوزارات والمؤسسات العامة وفق القاعدة الاثني عشرية ومجموعة من الاتفاقيات الدولية الخاصة ببعض القطاعات وتفويض الوزير المختص توقيعها. ومنها البَت بمجموعة من اقتراحات القوانين. وطلب الموافقة على مشروع اتفاقية التعاون الجمركي بين الحكومة السعودية والحكومة اللبنانية وتوقيعها، وعرض لوزارة الخارجية والمغتربين للاتفاقية الموقعة بتاريخ الأول من نيسان الماضي بين الحكومة اللبنانية وحكومة الولايات المتحدة الأميركية على سبيل التسوية وهي تتعلق بالمساعدات الامنية والوحدات غير المؤهلة بموجب قوانين معتمدة بنسختيها العربية والانكليزية، والطلب التمهيدي لاستكمال الإجراءات الآيلة إلى إبرامها ووضعها بصيغتها النهائية.
الى ذلك، وفيما لم يتبق من عمر الحكومة الحالية سوى ايام معدودة لتدخل بعدها مدار تصريف الاعمال مع انتخاب المجلس النيابي الجديد، رجّحت مصادر وزارية عقد جلسة ثانية لمجلس الوزراء خلال الفترة السابقة لموعد الانتخابات النيابية في 15 ايار للبت في عدد من القضايا والملفات المالية والاقتصادية، وخصوصاً تلك التي تتطلبها مقدّمات التفاهم مع صندوق النقد الدولي.
ولفتت المصادر الوزارية الى انه على الرغم من اهمية الاستحقاق الانتخابي والتحضيرات له، الّا ان المرحلة الاكثر اهمية وحساسية هي التي تَلي الانتخابات، وخصوصاً في ظل التحديات الماثلة امام لبنان، ليس فقط تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض الا يطول وقته وابقاء الوضع الحكومي في حالة تصريف اعمال، بل في ما هو مُلحّ إنجازه من قبل لبنان من ملفات عاجلة لوضع الازمة على سكة العلاجات، واهمها خطة التعافي وما يتطلبه برنامج التعاون المرتقَب مع صندوق النقد الدولي، سواء ما يتعلق بالخطوات والاجراءات الاصلاحية او ما يتعلق بإقرار قانون الكابيتال كونترول وقانون رفع السرية المصرفية وصولاً الى الاجراء الذي لا يقلّ اهمية عن ذلك والمتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
تحذير من التهويل
على انه في موازاة ذلك، لوحِظ خلال الايام القليلة الماضية انّ بعض منصات التسريب، سواء من بعض «الغرف السوداء» أو على مواقع التواصل الاجتماعي، دأبت على التهويل واشاعة اجواء مقلقة تُنذر باهتزاز مالي كبير في فترة ما بعد الانتخابات مباشرة.
وفيما ابلغت مصادر حكومية «انّ هذه الشائعات ليست مبنية على وقائع جدية، بل هي من باب التهويل الذي يعمد اليه المتضررون من سلوك لبنان طريق الانفراج، والذي تسعى اليه الحكومة»، اكدت مصادر مالية لـ«الجمهورية» انّ «الوضع في أسوأ حالاته ويقترب من ان يصبح ميؤوسا منه، ومشرّع على مخاطر كبيرة. فأي سيناريوهات او شائعات تطلق من هنا وهناك ليست مستغربة او مفاجئة، خصوصاً ان العامل الاساس في توقّع الأسوأ وتشجيع مطلقي الشائعات على المضي في ذلك من دون اي رادع او حسيب هو الضعف الذي تعانيه السلطة، وتراجع هيبتها وانعدام الثقة بقدرتها على توفير العلاجات المطلوبة. وبالتالي، فإنّ بقاء السلطة في وضعها الانحداري الراهن لا يترك امام البلد طريقاً يسلكه سوى السقوط والغرق أكثر فأكثر في وحول الازمة.
ملف النازحين
على صعيد آخر،علمت «الجمهورية» أنّه وفي أوّل نشاط رسميّ له بعد انتهاء عطلة عيدي العمال والفطر السعيد، يترأس رئيس الجمهورية اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا اجتماعا موسعا لأعضاء الوفد المشارك في المؤتمر الخاص بالنازحين السوريين الذي سيعقد في بروكسيل ما بين 9 و10 ايار الجاري.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان الاجتماع سيضع إطاراً للموقف اللبناني الثابت من ملف النازحين انطلاقاً من سلسلة المواقف الثابتة لرئيس الجمهورية من هذا الملف، والذي سبق له ان عبّر عنه امام مجموعة من الوفود الغربية والعربية والشخصيات الاممية والموفدين الذين زاروه في الفترة الاخيرة، والذي يؤكد على ضرورة التنبّه الى المخاطر الناجمة عن عدم قدرته على تحمّل عبء النزوح السوري ومطالبته التي لم تتوقف عن العمل بالسرعة القصوى لإعادتهم الى المناطق الآمنة في سوريا وتوفير المساعدات التي يتقاضونها في لبنان، والتي ستكون جدواها مضاعفة بنسَب كبيرة مما هي في لبنان.
كما علمت «الجمهورية» انّ وفد لبنان الى المؤتمر سيكون برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار ومعه عدد من المستشارين، وسينضمّ إليه سفير لبنان في بروكسيل المكلف لبنان لدى المنظمات الاممية المعنية.