المصارف تستنفر.. وغادة عون: «ما بمشي تحت الضغط»
عماد مرمل
Friday, 18-Mar-2022 07:04

احتدمت المواجهة بين القضاء والمصارف، وتعدّدت أشكالها وجبهاتها، على وقع توقيف رجا سلامة بعد التحقيق معه، وإطلاق موجة ملاحقات واسعة للبنوك التي تهّدد بقلب الطاولة رأساً على عقب، ما يوحي بأنّ «دوز» المبارزة آخذ في الارتفاع.

مع قرار المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس، بتوقيف رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، غداة إلقاء الحجز على موجودات «فرنسبنك» من قِبل القاضية مريانا عناني، وعقب التدابير التي اتخذتها عون نفسها ضدّ عدد من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات المصارف.. تكون معركة كسر العظم قد انتقلت الى أرض البنوك و»غرف نومها»، مع ما يعنيه هذا المسار التصاعدي من كسر للخطوط الحمر والتابوهات التي أحاطت بالقطاع المصرفي على امتداد عقود.


وعُلم انّ اتصالات عاجلة جرت بين بعض كبار المسؤولين السياسيين عقب الحجز على فروع «فرنسبنك» لتدارك الأمر ومحاولة معالجته قبل تفاعله، وسط امتعاض لدى بعض المراجع الرئاسية من قرار القاضية عناني، عكسه الرئيس نجيب ميقاتي عبر مداخلته في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، حيث اعتبر انّ ما يحصل في القضاء ينطوي على عشوائية وانفعالية، منبّهاً الى انّ «الطريقة الاستعراضية والبوليسية في مقاربة ملف الحقوق والملفات المرتبطة بالمصارف خطرة».


وبينما يلوّح القطاع المصرفي المستنفر بتصعيد غير مسبوق رداً على الإجراءات القضائية والقانونية المتدحرجة ضدّه، تؤكّد القاضية عون لـ«الجمهورية»، انّها ستواصل بالتأكيد ملاحقة المصرفيين الذين تحوم حولهم شبهات محدّدة. مشدّدة على أنّ من واجبها حماية حقوق الناس الذين حُجزت إيداعاتهم. وتضيف: «انا ما بمشي تحت الضغط، بمشي بس حسب الحق والقانون والضمير».


وقد انقسمت الآراء حيال ما يجري الى اتجاهين:
الاول يعتبر انّ القرارات القضائية في حق البنوك ورموزها هي مشروعة ومحقة، وكان يجب اتخاذها أمس قبل اليوم، بعدما فرّطت المصارف بودائع الناس وامتنعت عن إرجاعها اليهم، فيما لجأت في المقابل إلى تهريب أموال أصحاب الحظوة والنفوذ الى الخارج من دون أي وازع أخلاقي.


ويلفت أصحاب هذه المقاربة، الى انّ «ومع استمرار غياب قانون «الكابيتال كونترول»، اعتمدت المصارف الاستنسابية في التعاطي مع المودعين الذين كانوا ولا يزالون رهائن مزاجيتها وتعسفها، وبالتالي لم يعد هناك من وسيلة لإحقاق الحق، او بعضه على الأقل، سوى الاستعانة بالقضاء وإسقاط الحصانات المعنوية والسياسية التي تحمي المصرفيين، وصولاً الى استدعاء عدد منهم للتحقيق ومنعهم من السفر، وكذلك وضع إشارة منع تصرّف على العقارات والسيارات والمركبات والأسهم والحصص في جميع الشركات التجارية العائدة لرؤساء وأعضاء مجالس إدارات المصارف الخاضعة للملاحقة، خصوصاً انّ هؤلاء لا يزالون يصرّون على عدم تحمّل تبعات ما لحق بالناس الذين صدّقوهم، من خسائر، ويواصلون سياسة الهروب الى الأمام وإلقاء المسؤولية حصراً على الطبقة السياسية ومصرف لبنان، وكأنّ البنوك لم تكن شريكة بدورها في «هندسة» الهاوية، بمعزل عن ترتيبها على لائحة المتهمين».


اما الاتجاه الآخر في المقاربة، فيجد انصاره، انّ تحميل المصارف الجزء الأكبر من عبء الانهيار وكلفته هو ظلم لها، لافتين الى انّ «المساءلة يجب أن تبدأ اولاً من عند الدولة التي أهدرت المال وبعدها البنك المركزي الذي أقرضها، ثم يأتي دور البنوك».


ويحذّر أصحاب هذا الرأي من مغبة ان «يؤدي تهور القضاء في سلوكه الشعبوي الى القضاء على القطاع المصرفي برمته، مع ما سيرتبه الأمر من تداعيات وخيمة على المودعين والبلد»، معتبرين انّ ما يجري «هو أقرب إلى انتحار جماعي تحت شعار الانتقام من البنوك التي تمّت شيطنتها لتحوير الحقائق والتمويه على الفاعل الحقيقي الذي يقف خلف معاناة اللبنانيين».


وينبّه المدافعون عن المصارف الى انّ استهدافها قد يروي غليل الناقمين عليها إلى حين، «ولكن ماذا عن اليوم التالي وكيف ستتمّ استعادة الودائع على أنقاضها؟».


ويشدّد هؤلاء على أنّ «هناك فارقاً بين إصلاح القطاع المصرفي، وهذا أمر ضروري بعد التجربة القاسية التي مرّ فيها، وبين نسفه كلياً بحجة البناء من جديد، وهذه مغامرة غير مضمونة النتائج».


اياً يكن الأمر، المهم هو أن لا يدفع المودعون في نهاية المطاف ثمن النزاع المتفاقم، وأن لا يستسهل البعض استخدامهم «دروعاً بشرية» لتأمين الحماية له.

الأكثر قراءة