مقلقة هي التطورات التي شهدتها الأجواء اللبنانية امس، عبر إعلان «حزب الله» عن إطلاق مسيّرة فوق الجانب الاسرائيلي من الحدود الجنوبية، وكذلك عبر التطوّر الذي برز بتحليق مكثّف للطيران الحربي الاسرائيلي وغارات وهمية فوق العديد من المناطق اللبنانية، وصولاً عصراً أمس، الى بيروت والضاحية الجنوبية.
أسئلة كثيرة تفرض نفسها في موازاة هذا التطوّر؛ هل انّ ما حصل محصور ضمن نطاق «التحليق المتبادل» بين «حزب الله» واسرائيل، أم انّ الارض اللبنانية تُحضّر لمواجهة او تطوّرات أمنية او عسكرية؟ لماذا هذا التصعيد في هذا التوقيت بالذات؟ ومن يسعى إليه؟ وما هي الغاية منه وأي اهداف له؟ وأي رسالة يُراد إيصالها من خلاله؟ وفي أي اتجاه؟ هل له علاقة بملف ترسيم الحدود البحرية؟ هل له علاقة بملفات إقليمية؟ هل له علاقة بتطورات الملف النووي؟ هل له علاقة بخلق مناخات توتير داخلية تؤثر على استحقاقات لبنانية مثل الاستحقاق الانتخابي؟
فغداة إعلان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن أنّ «المقاومة أصبحت قادرةً على تحويل الصواريخِ التي لديها إلى صواريخ دقيقة، كما بدأت تصنيع الطائرات المسيّرة وزيادة إمكاناتها وقدراتها منذ مدة»، شهدت الأجواء الجنوبية تطوراً على هذا الصعيد، تمثّل في إطلاق «حزب الله» امس، لمسيّرة في الأجواء الإسرائيلية.
وقال الحزب في بيان: «بتاريخ اليوم الجمعة الواقع فيه 18-2-2022 أطلقنا الطائرة المسيّرة «حسّان» داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجالت في المنطقة المستهدفة لمدة أربعين دقيقة، في مهمّة إستطلاعيّة امتدّت على طول 70 كيلومتراً شمالاً، وبالرغم من كل المحاولات المتعدّدة والمتتالية لإسقاطها، عادت الطائرة «حسان» سالمة، بعد أن نفذّت المهمّة المطلوبة بنجاح، ودون أن تؤثر على حركتها كل الإجراءات الموجودة والمتبعة».
واعلن الجيش الإسرائيلي في بيان، «أنّ صواريخ القبة الحديدية اعترضت مسيّرة مفخّخة انطلقت من لبنان». وقال المتحدث بإسم الجيش الاسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي عبر حسابه الخاص على «تويتر»: انّ «مسيّرة صغيرة من لبنان تسلّلت الى الأراضي الإسرائيلية، حيث تمّ تفعيل الإنذارات في منطقة الجليل، وإطلاق صواريخ اعتراض من نظام القبة الحديدية، وتمّ استدعاء طائرات ومروحيات حربية».
وقال في وقت لاحق: «إنّ الطائرة المسيّرة التي انطلقت من لبنان وخرقت أجواء المستوطنات الإسرائيلية، اليوم الجمعة ( امس)، عادت إلى الأراضي اللبنانية». مضيفاً: «أنّ المسيّرة «صغيرة الحجم»، كاشفاً أنّه «تمّ اطلاق صاروخ اعتراض من القبة الحديدية من دون أن يتمكن من اعتراض المسيّرة، في حين أنّه تمّ تفعيل صفارات الإنذار».
وكانت المستوطنات الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة، شهدت استنفاراً عسكرياً اسرائيلياً عقب خرق الطائرة المسيّرة المجال الجوي.
وقد اعقب ذلك، تحليق مكثف للطيران الاسرائيلي في أجواء الجنوب وغارات وهمية فوق بعض المناطق، ووصل بعد الظهر الى فوق العاصمة بيروت على علو منخفض، حيث شاهد المواطنون طائرتين حربيتين اسرائيليتين وهما تخترقان الأجواء وتُحدِثان صوتاً مدوّياً وتقتربان من الأبنية السكنية لاسيما فوق العاصمة بيروت وضواحيها.
وأفادت وكالة «رويترز» عن سماع دوي انفجارات في سماء العاصمة. واشارت المعلومات الى انّ الطيران الاسرائيلي نفّذ غارة وهمية فوق الضاحية الجنوبية، فيما تحدثت معلومات اخرى، انّ الطيران الحربي الاسرائيلي قد خرق جدار الصوت. وقد أرخى هذا المستجد حالاً من التوتر والحذر الشديد، خصوصاً في المناطق الحدودية، المحاذية للشريط الفاصل، وسط حديث عن حال من الاستنفار على الجانبين.
ملهاة الداخل
داخلياً، منذ بداية الأزمة، وأهل السلطة يمارسون سياسة الهروب إلى الأمام، وتغطية إفلاسهم الفاقع، عبر التكرار المملّ لتوصيف الأزمة وتداعياتها الخطيرة، دون ان يبادر أيّ منهم إلى فكرة عقلانية او موضوعية او واقعية او مسؤولة، تضع هذه الأزمة على سكة الحل والعلاج. بل على العكس، يبدو انّ لا شغل لهؤلاء الذين يُفترض انّهم مسؤولون عن شؤون البلاد والعباد، سوى إذكاء هذه الأزمة بافتعال توترات تصبّ الزيت على نارها، وبطروحات وخطوات تزيدها تعقيداً.
باتت الصورة الداخلية اشبه بملهاة، حيث تشي الوقائع التي تتراكم بشكل شبه يومي، بأنّ لبنان مقبل في الايام القليلة المقبلة على الغرق في سجالات مفتوحة حول عناوين وملفات مختلفة، تعمّق الأزمة أكثر، وتزيد في المقابل من سخونة وحدّة الإصطفافات التي بدأت تنبت على طول المشهد الداخلي، استعداداً لمعركة تصفية الحسابات في الاستحقاق الانتخابي في ايار المقبل.
المحطة الاولى
ولعلّ أولى محطات السجال منتظرة، في الجلسة التشريعية التي سيعقدها المجلس النيابي الاثنين والثلاثاء المقبلين في 21 و22 شباط الجاري. وإذا كانت هذه الجلسة قد صنّفتها مصادر مجلسية لـ«الجمهورية» بأنّها من الجلسات المهمّة، لتضمّنها مجموعة من مشاريع القوانين التي تُعتبر من أهم ما طُرح في المنحى الإصلاحي، وفي مقدّمها مشروع قانون المنافسة، وكذلك المشروع المتعلق باستقلالية السلطة القضائية، الّا أنّ هذه الأهمية، كما تقول المصادر «قد تتضاءل او يصيبها تشويش، إن عمدت بعض الكتل النيابية الى محاولة حرف النقاش في الجلسة وأخذه في اتجاهات اخرى، عبر إعادة طرح الموضوع الانتخابي ومحاولة إدخال تعديلات على القانون النافذ حالياً. فهذا الأمر إن حصل، معناه الدخول في نقاشات وسجالات عقيمة، رغم انّ الأكثرية الساحقة من النواب سلّمت بالقانون الحالي، ولا ترى مجالاً لإعادة النقاش فيه، وخصوصاً انّ مجرّد طرح اقتراح تعديلي له، قد يجرّ الى طروحات لا تنتهي. ولا نعتقد في هذا المجال ان يسمح رئيس المجلس النيابي نبيه بري بجعل الجلسة حلبة للنقاش الانتخابي من جديد».
على انّ ما يجعل تلك المصادر تعتقد بوجود محاولة لإثارة الملف الانتخابي من جديد، هو امران، الأول، هي الوقائع التي برزت في الايام الأخيرة، والتي اكّدت وجود توجّه لدى بعض الكتل لطرح اقتراح نيابي معجّل مكرّر لإعادة إحياء الدائرة السادسة عشرة المتعلقة بالمغتربين، والتي تحصر انتخابهم بالنوّاب الستة الممثلين للقارات، ويؤيّد ذلك بقوة «تكتل لبنان القوي»، وهو أمر خلافي حاد من غالبية الكتل النيابية الاخرى. وإعادة طرحه سيخلق سجالات قاسية، مع أطراف لا تعتبره مسهّلاً لإجراء الانتخابات، بل هو عامل لتعطيل هذه الانتخابات. واما الامر الثاني، فهو ما أثاره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل ايام قليلة، لناحية دعوته الى العمل بـ»الميغاسنتر». ويُشار هنا، الى انّ عون ألحّ عليها، باعتبارها تمكّن المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي من دون ان يضطروا إلى الانتقال إلى بلداتهم البعيدة عن اماكن سكنهم، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة، ما يؤثر على نِسب المشاركة في الانتخابات.
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ في الوقت الذي تعاطى فيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ادبياً مع طلب رئيس الجمهورية، وطلب بدوره من وزير الداخلية دراسة إمكانية استحداث «الميغاسنتر»، الّا انّ مصادر معنية بهذا الامر اكّدت صعوبة هذا الامر لأسباب تقنية ولوجستية، يستحيل توفيرها خلال فترة الأشهر الثلاثة الفاصلة عن موعد الانتخابات في 15 ايار، وخصوصاً انّ «الميغاسنتر» ينبغي ان تكون مقرونة بالبطاقة الممغنطة. علماً انّ الهيئة العامة للمجلس النيابي في جلستها التي عقدتها في تشرين الماضي، قد علّقت العمل بالبطاقة الممغنطة و»الميغاسنتر» في الدورة الانتخابية المقبلة.
وعلى ما تقول مصادر نيابية لـ«الجمهورية»، «انّ لا خلاف على الإطلاق على اهمية «الميغاسنتر» لناحية تخفيف العبء على الناخبين، وزيادتها نِسب المشاركة في الانتخابات، الّا انّ إعادة طرح العمل بها، في الوقت الحاضر لا في زمانه ولا في مكانه، حيث انّه جاء في الوقت الضيّق، بما يعدم إمكانية السير فيه، حيث كان يمكن لهذا الامر ان يكون ممكناً لو انّه طُرح قبل اشهر، وخصوصاً انّه كان هناك متسع من الوقت (اربع سنوات) بعد دورة الانتخابات الاولى التي جرت على أساس القانون الحالي في العام 2018».
وفي سياق انتخابي متصل، وقّع رئيس الجمهورية مراسيم فتح الاعتمادات لتغطية نفقات إجراء الانتخابات، وجدّد التأكيد على انّ الانتخابات النيابية سوف تجري في موعدها في 15 ايار المقبل، داعياً الى عدم الأخذ بما يُشاع عن وجود توجّه لتأجيلها.
سجال الموازنة
وليس بعيداً عن المجلس النيابي، فمع وصول مشروع قانون الموازنة للسنة الحالية الى مجلس النواب، باتت الأنظار مشدودة الى لجنة المال والموازنة التي يفترض ان تنطلق قريباً في رحلة درس طويلة للمشروع، التي قد تستغرق شهراً على أقل تقدير.
وعلى ما تؤشر الوقائع المحيطة بهذا المشروع والطريقة التي أُحيل فيها الى المجلس النيابي، والتي وصفتها بعض الكتل النيابية، بأنّها كانت فوضوية وخلافاً للاصول، فإنّ هذا الامر، إضافة الى ما تضمنه مشروع الموازنة من رسوم وأعباء، لن يكون عبوره سلساً في المجلس النيابي، وخصوصاً انّ كافة الكتل النيابية أعلنت معارضتها مشروعاً يزيد الأعباء على المواطنين، ما يعني انّ الرسوم المدرجة في متن المشروع ستكون عرضة للتعديل او النسف، وهو ما قد لا يخدم ما تتوخاه الحكومة من هذا المشروع. فضلاً عن انّه بالطريقة التي أُحيل فيها، والكلام بحسب ما تؤكّد مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، قد يكون معرّضاً لشتى الاحتمالات، إذا ما بادر أي من النواب الى طرح دستورية وقانونية الإحالة، وطلب الجواب مباشرة من الحكومة على أسئلة: كيف صُدّق مشروع الموازنة في مجلس الوزراء؟ هل تمّ ذلك وفق الأصول؟ وهل تمّ التصويت عليه أساساً؟ وهل تمّ ذلك بالثلثين كما يوجب الدستور؟ وهذه الأسئلة مشروعة في رأي المصادر، وخصوصاً انّ عدداً من الوزراء اعلنوا صراحة انّهم فوجئوا بإعلان رئيس الحكومة بأنّ الموازنة قد أُقرّت في مجلس الوزراء، ونفوا علمهم بأنّ الموازنة قد صُوّت عليها وفق الاصول، فضلاً عن انّها لم تُوزّع على الوزراء لمناقشتها بنداً بنداً.
الاتحاد البرلماني يدعم
من جهة ثانية، حضر لبنان في البيان الختامي لمؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الذي انعقد في القاهرة خلال اليومين الماضيين، حيث تضمّن تقرير اللجنة السياسية جملة من التوصيات، من بينها توصية قاربت الموضوع اللبناني وجاء فيها: «يعلن الاتحاد البرلماني العربي التضامن مع الشعب اللبناني الشقيق في ظلّ الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها حالياً من أجل إستعادة عافيته وإستقراره، وإعادة الحياة الطبيعية لمؤسساته بغية صون سيادته ووحدة اراضيه».
بري يتحفظ
واللافت في ما خصّ سائر التوصيات التي تضمنها التقرير، انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد اعلن «تحفّظ لبنان على ما تضمنه التقرير»، وقال: «اعتقد أننا نلتقي في هذا المؤتمر تحت عنوان «التضامن العربي»، أين التضامن في هذا التقرير؟ أين السوق العربية المشتركة؟ هذه السوق أنشأها العرب قبل السوق الاوروبية المشتركة، وأين اوروبا اليوم وأين العرب الآن؟ وأين التضامن في موضوع مواجهة الارهاب، وفي هذا العنوان أو هذا التحدّي المطلوب ان يكون هناك تضامن عربي لمواجهة الإرهاب؟». واقترح بري أن يكون هناك تنسيق عربي في هذا المجال، تكون القاهرة مقراً لتنسيق هذا التعاون.
وطالب الرئيس بري «بضرورة تبنّي مؤتمر الإتحاد البرلماني العربي الدعوة لبدء حوار لبناني مع دول الخليج العربي برعاية من دولة الكويت».
كما طالب الجامعة العربية «بضرورة عودة سوريا الى الجامعة من دون تردّد، وناشد الفلسطينيين وجوب أن يبادروا الى إنجاز المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية برعاية مصرية. وأخيراً لا آخراً، وقف التقاتل في اليمن وانطلاق الحوار بين كل مكوناته».
ميقاتي في ميونيخ
على صعيد آخر، شارك الرئيس ميقاتي في افتتاح أعمال الدورة الثامنة والخمسين لمؤتمر «ميونيخ للأمن»، بعد ظهر امس، في فندق «بايريشرهوف» في مدينة ميونيخ - جنوب ألمانيا، بمشاركة دولية وعربية واسعة.
وعلى هامش المؤتمر، اجتمع ميقاتي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وبحث معه في الأوضاع اللبنانية وعمل قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان. كما اجتمع مع نائب رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن، ومع وزير الدولة للشؤون الخارجية الألمانية توبياس ليندر، ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيسة جمهورية كوسوفو فيوزا عثماني. ووفق بيان مشترك، «تمّ الاتفاق خلال اللقاء على تطوير العلاقات بين البلدين، بما يخدم تطلعات الشعبين للتعاون معاً».