وزير الخارجية والمغتربين في الجمهورية التركية
خلال زيارتي التضامنية لبيروت برفقة نائب رئيس الجمهورية التركية عقب الانفجار الرهيب لمرفأ بيروت الذي خضّ العالم العام الماضي، وقد أحرقت مناظر الدمار في بيروت قلبي، لفتت انتباهي لوحة مُعلّقة فوق الأبنية المُدمّرة تقول «بيروت، ماتت ألف مرة وعاشت ألف مرّة». كانت هذه الكلمات للشاعرة الشهيرة اللبنانية ناديا تويني، تصف «قدرة تحمُّل» ليس فقط بيروت بل وكذلك اللبنانيين أجمعين.
وبينما كنا نُسرع لمساعدة إخواننا اللبنانيين، كان المصابون المصدومون بعد الواقعة، يُحاولون أيضًا إزالة الأنقاض وتضميد الجروح. ونحن نشهد أنّ هذا البلد الجميل الذي نجا عبر التاريخ من العديد من الشدائد، بما في ذلك الحرب الأهلية، استطاع في كل مرة أن ينهض من رماده. وإنني على ثقة تامة من أنّ لبنان سيَتجاوز هذه المرحلة المضطربة التي يمرّ فيها.
كما قال مولانا جلال الدين الرومي: «هناك أملٌ بعد اليأس، والكثير من الشموس بعد الظلمة»، فإنّ التراث والقيم في البقعة الجغرافية التي نتشاركها، تُساعدنا كبشر وبشكل مستمر، وتمنحنا القوة وتنوّر طريقنا في مواجهة العديد من الإختبارات الصعبة، بما في ذلك جائحة كورونا.
ناهيك عن الجغرافيا والمصير المشترك، فإنّ لتركيا ولبنان تاريخاً عريقاً وروابطَ ثقافية عميقة الجذور، ولطالما وقفت تركيا إلى جانب الدولة اللبنانية وأشقائها وأخوانها اللبنانيين أجمعين ودون أي تمييز.
وفقًا للبنك الدولي، يمرُّ لبنان بواحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في العالم خلال الـ 150 عامًا الماضية، وسنواصل بذل قصارى جهدنا لينهض لبنان من جديد من تحت الأنقاض، وأن يحافظ على هويته الفريدة، حيث تعيش فيه مختلف الأديان والثقافات في سلام. نتمنى أن يستخدم لبنان طاقته وقوَّته، ليس لدفع ثمن المفاوضات الإقليمية وعدم الاستقرار، بل ليقف شعبه على أقدامه ثابتاً.
لقد تحطّمت قلوبنا عندما أُصيبت بيروت برصاصة في القلب في 4 آب 2020. وكما يقول المثل التركي: «الصديق وقت الضيق»، فلقد حَشَدَ فخامة رئيس جمهوريتنا جميع مؤسسات الدولة، وأَمَرَ بإرسال فرق البحث والإنقاذ لإيصال جميع المساعدات الإنسانية والطبية والفنية اللازمة إلى لبنان. وعند وقوع الانفجار الأليم في عكار في آب الماضي، كانت تركيا أوّل الدول التي تُسارع لمساعدة أشقائنا اللبنانيين. وبمساهمة وكالاتنا الحكومية ومنظماتنا الإنسانية، سنواصل إرسال مساعداتنا الى لبنان.
إلى جانب مساعداتنا الإنسانية وخصوصاً تلك التي تقدّمها الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، نحاول تقديم المزيد من الدعم الفني الدائم للبنان، من خلال دعم المشاريع في مجالات الصحة والتعليم والعدالة والزراعة والثروة الحيوانية والطاقة المتجددة. فمنذ عام 2010، دعمنا بمساهمة (تيكا) 140 مشروعًا بقيمة ملايين الدولارات في لبنان. وبعد انفجار المرفأ، أعدنا تجهيز المستشفى التركي التخصصي للحروق والصدمات في صيدا بمعدات حديثة، كتلك التي كنا قد تبرّعنا بها للشعب اللبناني في عام 2010. نُولي أهميّة كبيرة لجهة فتح السلطات اللبنانية المستشفى بهدف خدمة اللبنانيين ولتجاوز المشاكل القائمة بسرعة.
من ناحية أخرى، وانطلاقًا من الأهمية التي نُوليها لاستقلال لبنان وسيادته وأمنه واستقراره، فقد تبرّعنا في هذا الوقت الصعب بالمواد الغذائية ومستلزمات النظافة ومواد الوقاية الشخصية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي خلال هذه الفترة الصعبة. وفي نفس السياق، وافق مجلس النواب التركي في 28 تشرين الأول، على قرار مواصلة مساهمتنا في قوات حفظ السلام (اليونيفيل) لسنة أخرى. وسنواصل دعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية كافة.
إنّ أجَندَتِنا الوحيدة في لبنان هي المساهمة في إحلال السلام والهدوء والرفاهية للشعب اللبناني الصديق والشقيق، ودعم أمن واستقرار وسيادة لبنان.
في نطاق سياستنا الخارجية الريادية والإنسانية، سنواصل وبكل الفرص المتاحة لنا، توفير جميع إمكانياتنا وقدراتنا لأشقائنا اللبنانيين. وتواصل تركيا، كونها «الدولة الأكثر سخاءً في العالم» تخصيص ما يقارب 1٪ من دخلها القومي الإجمالي للمساعدات الإنسانية في العام 2020.
سيخرُج لبنان حتماً أقوى من الأزمة التي يمرُّ فيها. وستواصل تركيا القيام بدورها من أجل ازدهار ورفاهية لبنان الصديق والشقيق.