كان الاضطراب الحكومي بدأ نهارا على أثر عدم مثول وزير المال السابق النائب علي حسن خليل امام المحقق العدلي الذي رد بإصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، في الوقت الذي تسلّم طلب كف يده عن القضية بناء على مذكرة «الارتياب المشروع» التي قدمها خليل ووزير الاشغال السابق النائب غازي زعيتر امام المحكمة المختصة. وفي هذه الاجواء وما رافقها من مواقف من هنا وهناك انعقد مجلس الوزراء في القصر الجمهوري بعد اجتماع قصير للمجلس الاعلى للدفاع رفضّ فيه طلب المحقق العدلي التحقيق مع المدير العام لأمن الدولة طوني صليبا، وذلك بعد موقف مماثل للمجلس ولوزير الداخلية رفض مثول المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم امام المحقق البيطار.
وقد تحولت الجلسة الرابعة لمجلس الوزراء منذ نيل الحكومة الثقة حلبة كباش ومكاشفات ولو بقفازات لتشكل اول اختبار واضح لمدى تماسك الجسم الحكومي وتجانسه وانسجامه في مواجهة التحديات الكبرى الماثلة امامه، وتحديدا عند طرح وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى الذي يمثل حركة «امل» داخل الجلسة قضية التحقيقات في انفجار المرفأ، طالباً موقفاً واضحاً من الحكومة بهذا الشأن فطار جدول الاعمال وحط مكانه بند وحيد هو اداء المحقق البيطار وتحقيقاته.
وفي معلومات «الجمهورية» انه بعد كلام رئيس الجمهورية ميشال عون كانت لوزير الثقافة محمد مرتضى مداخلة نارية حمل فيها على البيطار وادائه، مفنداً «التجاوزات القانونية في تحقيقاته»، ومتهماً اياه بـ»الخروج عن كل النصوص القانونية والدستورية بتحوّله اداة مشروع سياسي واضح». ودخل ممثل «حزب الله» الوزير مصطفى بيرم على خط النقاش مسانداً مضمون كلام مرتضى، لينتهي بإصرار وزراء الثنائي الشيعي على اتخاذ مجلس الوزراء موقفا واضحا على مسارين: الاول يُبطل وزيرا الداخلية والدفاع مذكرات التوقيف التي اصدرها البيطار واعتبارها كأنها لم تكن، والثاني استبدال بيطار بقاض آخر..
وفُتح النقاش على مداخلات عدة وتحفظ عدد من الوزراء التابعين لرئيس الجمهورية عن هذا الطلب وفي مقدمهم وزير العدل هنري خوري الذي علّق مذكراً بمبدأ «الفصل بين السلطات»، ولافتا الى انه غير مطلع على تفاصيل التحقيقات. واوضح ان مجلس الوزراء دوره فقط احالة الملف الى المجلس العدلي، اما كل الآلية بعد ذلك فهي من اختصاص وزير العدل ومجلس القضاء الاعلى.
وعلى الاثر بدأت الامور تتخذ منحىً متوتراً، خصوصا عندما لفت مرتضى الى تركيز البيطار في التحقيق على شخصيات دون سواها. ثم كانت مداخلات لوزراء آخرين حذروا من تأثير هذا الملف على الاستقرار وطالبوا باحترام مشاعر اهل الضحايا.
وعندما تمت العودة الى الجلسة بعد تعليقها لبعض الوقت لاحظ وزراء الثنائي بحسب ما افادت مصادرهم «الجمهورية» تراجع وزير العدل ورئيس الجمهورية عن اتخاذ الحكومة موقفا في شأن البيطار، فعادت الامور الى منحاها التصعيدي بتهديد وزراء حركة «امل» و|حزب الله» بالانسحاب من الجلسة في حال لم يتخذ القرار. وعندها تدخّل رئيس الجمهورية وضرب يده على الطاولة قائلاً: الامور «ما فينا نعالجها بهيدي الطريقة»، ويجب ان نحترم الاصول القانونية وان نعود الى مجلس القضاء الاعلى». متحدثاً عن منطق آخر يخالف المنطق الذي تردد في الجلسة، وحسم الجدل بطلبه الى وزير العدل درس الموضوع من مختلف جوانبه والعودة الى مجلس الوزراء لمناقشته بموضوعية وفقاً للاصول والقواعد القانونية، ورفع الجلسة بعد تحديد موعد لجلسة جديدة تعقد عند الرابعة بعد ظهر اليوم لاستكمال النقاش.
وعلم ان وزراء حركة أمل أصروا خلال جلسة امس على إزاحة القاضي البيطار عن القضية، وقال احدهم «بدّو قَبع»، محذراً من ان عدم استبداله قد يؤدي إلى تداعيات في الشارع.
هذا الموقف استفز وزراء آخرين توجهوا الى الوزير صاحب الموقف بالقول: شو.. عم تهددونا؟ ما أدى إلى توتر في الجلسة.
وتفيد المعلومات ان وزراء حركة امل وحزب الله وتيار المردة قد ينسحبون من جلسة اليوم اذا لم تتخذ الحكومة قرارا واضحا في شأن البيطار.
الى ذلك، وتنديداً بقرارات البيطار، وُجهت دعوة للمشاركة في وقفة احتجاجية امام قصر العدل عند الحادية عشرة قبل ظهر غد الخميس، بمشاركة محامين وحقوقيين ومواطنين ومناصرين للاحزاب المعترضة على إجراءات القاضي.
وعلمت «الجمهورية» أنه وفي معرض المداخلات التي حصلت على طاولة المجلس تم التنبيه الى ان شارعاً يمكن ان يقابله شارع ومن توريط البلد في مواجهات، وان هناك تعويضات لأهالي الضحايا وطلب البعص اتخاذ موقف يراعي كل هذه الامور، منبهين الى ان مجلس الوزراء يمكنه ان يتخذ موقفاً سياسياً لا تنفيذياً لأن دوره يقتصر على احالة ملف الانفجار الى المجلس العدلي او سحب هذه الاحالة وهو لا يمكنه ان يفعل هذا الامر لأن القيامة ستقوم عليه ولن تقعد.
واكدت مصادر الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية» ان «سيناريو جلسة اليوم سيكون مشابهاً لسيناريو جلسة أمس اذا لم تعالج الحكومة هذه القضية، ونحن ذاهبون الى مزيد من التأزم، وموقف الحكومة اليوم سيحدد موقفنا من المشاركة في جلساتها». وعلمت «الجمهورية» أن موقف الحكومة اليوم سيحسم موضوع دعوة الثنائي الشيعي «الى تحرك شعبي واسع غدا الخميس في وجه القاضي بيطار وتسييس الملف.
وفي رواية أخرى انه عندما ارتفعت حدة المناقشات نتيجة المواقف المتشنجة وبلوغ النقاش «منحى غير طبيعي» تدخل رئيس الجمهورية ودعا الوزراء الى النظر الى القضية من جوانبها المختلفة. لافتا الى «ان هناك متضررين جراء الانفجار وضحايا يدعمهم الشارع وان كان هناك اي منحى للتأسيس لشارع مضاد فهو أمر يجب التنبه الى انعكاساته ومخاطره على الأمن والاستقرار في البلاد».
وحضّ عون المجتمعين الى «معالجة الموضوع بهدوء وواقعية من ضمن دور المجلس في هذا الاطار». ودعا الى «تكليف وزير العدل اجراء الاتصالات الضرورية ليعود إلينا في جلسة الغد (اليوم) بالمخرج الذي يمكن الوصول إليه ضمانا لمناقشة هادئة تحترم مبدأ الفصل بين السلطات وتحفظ دور مجلس الوزراء».