الإنهيار يتسارع في كل المجالات، والأفق يزداد انسداداً والدولار يحلّق بلا ضوابط، وغلاء الاسعار نار تزداد اشتعالاً على مدار الساعة، وأساسيات المواطنين تكاد تصبح منعدمة، والمنظومة القابضة على الدولة والقرار ساقطة في إفلاسها الكامل وتخلّيها عمّا يفترض انّه دورها الطبيعي في إخراج الملف الحكومي من دوامة التعقيدات، وانتقالها إلى صفّ المتفرّجين، على الحركة الديبلوماسية؛ الاميركية - الفرنسية - السعودية، وانتظار ما ستُسقطه هذه الحركة من نتائج على الوضع اللبناني بصورة عامة وعلى الملف الحكومي بصورة خاصة.
مثل الاطرش!
في السياسة، دوران داخلي في حلقة الغموض، والمستويات السياسيّة المعنية بالملف الحكومي، بات يصحّ عليها القول الشعبي «مثل الأطرش بالزفة»، تمركزت مع تعقيداتها ومعاييرها وحساباتها وحزبياتها وشروطها المانعة تشكيل حكومة منذ تسعة أشهر، في غرفة الانتظار والترقّب لوجهة الرياح الديبلوماسية التي يبدو انّها دخلت في الخطوات التنفيذيّة لما تمّ الاتفاق عليه في الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة الاميركية انتوني بلينكن، وفرنسا جان إيف لودريان والسعودية فيصل بن فرحان.
وكان لافتاً في هذا السياق، الاجتماع الثلاثي بين السفيرة الاميركية دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية آن غريو والسفير السعودي وليد البخاري في دارة الأخير، ولكن من دون أن يصدر عنه ما يوضح ما دار فيه من مباحثات، حيث اكتفت السفارة الاميركية بإشارة عامة الى هذا الاجتماع وادرجته في سياق «اجراء مشاورات ديبلوماسية ضمن سلسلة من المشاورات الثلاثية»، فيما أوضحت معلومات ديبلوماسيّة، أنّ هذا اللقاء «يندرج في سياق استكمال اللقاءات التي عقدها وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، للبحث في الإجراءات الواجب اتخاذها لترجمة ما تمّ التفاهم عليه في لقاءات السفيرتين في الرياض قبل أيّام».
عدم ترك لبنان
وأدرجت مصادر ديبلوماسية مطلعة على أجواء المحادثات الثلاثية، لقاءات السفراء في خانة «الأهميّة الإستثنائية»، ويفترض أن تخبّر نتائجها عن نفسها في الأيّام القليلة المقبلة، وقاعدة هذه المحادثات ترتكز على تأكيد «الثلاثي» على عدم ترك لبنان يهوي، وحاجة الشعب اللبناني الشديدة الإلحاح الى تشكيل حكومة بصورة عاجلة، تلبّي تطلعاته بإجراء اصلاحات جذرية تنهي حقبة طويلة من الفساد وسوء ادارة الدولة ومقدّراتها، وترسم طريق الخروج من أزمته الصعبة».
وتحدثت المصادر الديبلوماسية عن جهد أميركي - فرنسي مشترك للتأسيس لمرحلة جديّة وطويلة الأمد من الإستقرار في لبنان، انطلاقاً من حثّ الاطراف اللبنانيين، وبصورة ضاغطة أكثر هذه المرّة، على وقف مسلسل التعطيل المستمر منذ اشهر طويلة، وفتح الباب فوراً على تشكيل حكومة الاصلاحات. وحركة السفيرتين المرتقبة في وقت لن يكون بعيداً، في اتجاه القيادات السياسية، تصبّ بصورة صارمة في اتجاه تحقيق هذا الهدف.
عقوبات
وفي السياق نفسه، كان لافتاً ما ذكرته مصادر سياسيّة مطلعة على خلفيّات الحركة الديبلوماسية الثلاثية، بأنّ الأجواء الإميركية والفرنسية تشي بأنّ لغة التمّني على القيادات السياسية في لبنان قد انتهت، وانّ مقاربة الملف اللبناني ستتمّ بصورة صارمة، واكثر حدّة من خطاب السفيرة الفرنسية الذي جاء كمضبطة اتهام جريئة لكلّ الطبقة السياسية المسؤولة عن الفساد والانهيار وتعطيل الحلول.
وجزمت المصادر، بأنّ المرحلة الراهنة هي «مرحلة الضغط»، ولن يكون مستبعداً ان يُسمَّى المعطلون بالإسم. وقالت لـ»الجمهوريّة»: «إنّ جوهر الحركة الديبلوماسية، هو التشدّد الأميركي والفرنسي حيال معطّلي الحلول في لبنان، مع ما قد يرافق ذلك من عقوبات مباشرة وقاسية في حقّ هؤلاء، قد لا تستثني أيًّا منهم، وتتجاوز في نوعها وشكلها ومضمونها ما سبق أن تمّ فرضه من عقوبات محدودة على بعض الشخصيات».
باريس: قلق
الى ذلك، وفي موازاة الحديث عن زيارة مرتقبة لمستشار الرئيس الفرنسي للشأن اللبناني باتريك دوريل الى بيروت، أُعلن عن زيارة سيقوم بها وزير التجارة الخارجية الفرنسية فرانك ريستر الى لبنان، وقال في تغريدة له: «سأمضي 24 ساعة في بيروت للتأكيد على التزام فرنسا الكامل والدائم إلى جانب لبنان واللبنانيين، عملاً بما تعهّد به رئيس الجمهورية».
في هذا الوقت، عكست مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية «قلقاً جِدّياً لدى الايليزيه حيال تطورات الوضع اللبناني». وتخوّفت المصادر «من أن ينحدر الواقع المأزوم إلى ما قد يهدّد الاستقرار في لبنان، ويؤدي الى عواقب شديدة الخطورة».
وقالت المصادر لـ»الجمهورية»، انّ «تشكيل حكومة تطبّق اصلاحات ملحّة وجذرية كان ولا يزال يشكّل الباب الذي يمكن من خلاله الولوج الى حلول جدّية للأزمة الصعبة في لبنان. وباريس كانت على تواصل دائم مع الاطراف في لبنان، ولكنّ جهودها مع الأسف اصطدمت برفض القادة السياسيين في لبنان الانصياع لمصلحة لبنان. وهو امر لا ترى باريس أنّ في مقدور الشعب اللبناني ان يتحمّله لمدى مفتوح».
ورداً على سؤال قالت المصادر: «المشاورات الاميركية - الفرنسية - السعودية تبحث في خيارات جدّية لإخراج لبنان من أزمته، بدءًا بتشكيل حكومة باتت ملحّة لتطبيق اصلاحات تشكّل بدورها فرصة خلاص للبنانيين».
وفضّلت المصادر عدم الخوض في تفاصيل هذه المشاورات، واكتفت بالقول: «الاولوية تبقى لحفظ الاستقرار وتعزيزه في لبنان، وتوفير الدعم للشعب اللبناني، والتأكيد على تشكيل حكومة».
وعمّا اذا كانت باريس بصدد فرض عقوبات على معطّلي تشكيل الحكومة، قالت المصادر: «المبدأ الثابت لدى المستويات الفرنسية كلّها من الرئاسة الفرنسية الى وزارة الخارجية، هو أنّ باريس لن تتخلّى عن لبنان، وهي بصدد استكمال التزاماتها بحشد الدعم الدولي للشعب اللبناني. وثمة شعور جدّي بالنفور من القادة السياسيين. وما صرّحت به السفيرة غريو يعكس بعضاً من حجم هذا النفور، الذي يلامس عدم الثقة بهم، لتضييعهم فرص الحلّ عمداً وتجاهلهم حجم الانهيار الذي حلّ ببلدهم، وتجاوزهم لمعاناة الشعب اللبناني».
اضافت المصادر: «انّ وزير الخارجية لودريان كان الاكثر وضوحاً لناحية تشديد الضغوط على معطّلي الحكومة، وموقفه هذا متكامل مع نظيره الاميركي، وتبعاً لذلك فإنّ منطق العقوبات على المعطّلين هو الاكثر احتمالاً وترجيحاً في هذه الفترة».
إنقاذ الانتخابات!
وبالتوازي مع الكلام الديبلوماسي الغربي المتشدّد حيال معطّلي تأليف الحكومة في لبنان، تبرز قراءة مرجع سياسي لحركة المشاورات الاميركية والسعودية والفرنسية، لفت فيها الى انّ جدّيتها تتبدّى في التعتيم عليها. ربما هناك من هو قلق من هذه المشاورات وما قد يتقرّر فيها، ولا استبعد أن يكون المعطلون هم أكثر القلقين، لانّ الحلول إن انتهت اليها هذه المشاورات فستأتي حتماً على حسابهم. واما نحن فلسنا مشغولي البال، ونأمل أن يسفر كل الحراك الجاري الى حلول.
ولفت المرجع، الى أنّه لا يستبعد ان تكون الانتخابات النيابية احد ابرز دوافع الحراك الخارجي الاميركي- الفرنسي، وذلك بهدف فرض نوع من الاستقرار في البلد، يمكّن من اجراء الانتخابات النيابية في موعدها قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في ايار المقبل. فإجراء هذه الانتخابات يتطلّب ترسيخ جوّ من الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني، وبقاء هذا الجوّ من دون ضوابط قد يفاقم من عناصر الأزمة والتوتر السياسي والإقتصادي والمالي وربما الأمني، ما قد يهدّد إجراء الإنتخابات التي تُعتبر في نظر الأميركيين والفرنسيّين فرصة للتغيير في لبنان.
الإتحاد الاوروبي
في هذا الوقت، حضر لبنان على طاولة الاتحاد الاوروبي في الاجتماع الذي عقد أمس على مستوى وزراء الخارجية، والبند الاساس كان درس فرض عقوبات على شخصيات لبنانية.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان اننا «توصّلنا إلى اتفاق سياسي لتشكيل إطار قانوني نفرض بموجبه عقوبات على أطراف لبنانية»، لافتاً الى انّ هناك «إجماعاً أوروبياً لاتخاذ عقوبات ضد أطراف لبنانية قبل نهاية الشهر اي قبل بداية شهر آب المقبل»، مذكّراً بأننا «طالبنا السلطات اللبنانية بتشكيل حكومة وبدء الاصلاحات منذ وقت طويل».
وكان ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد استبق بحث الملف اللبناني في الاجتماع، بالاعلان انّ الاتحاد الأوروبي سيبحث الأزمة اللبنانية.
وخلال الإجتماع وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على «المضي قدماً في فرض عقوبات على الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان»، على خلفية الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، وفق ما أعلن بوريل.
وقال: «إنّ وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي أعطوا خلال اجتماعهم في بروكسل الضوء الأخضر لوضع إطار قانوني لاتخاذ تدابير ضد قادة سياسيين دفعوا بلادهم إلى الانهيار الاقتصادي». وأوضح أنّ «الهدف إنجاز هذا الأمر في نهاية الشهر الجاري».
وأضاف: «إنّ الانهيار الاقتصادي ومعاناة الشعب اللبناني في ازدياد مستمر». وشدّد على «ضرورة تشكيل حكومة من أجل تجنّب انهيار البلاد، تكون قادرة تماماً على تنفيذ إصلاحات وحماية هذا الشعب».
وأشارت «وكالة الأنباء الألمانيّة» إلى أنه «من المرجّح أن يوافق مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي رسمياً، خلال اجتماعه الذي يُعقد في وقت لاحق الإثنين، على إقرار عقوبات ضد مسؤولين لبنانيّين يُعتبر أنّهم يقوّضون الديمقراطية في البلاد». الا انها أشارت في الوقت نفسه الى «أنّ دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي منقسمون بشأن احتمالية حدوث ذلك. ففي حين قال بعضهم إنه من المتوقع أن يصادق الوزراء سياسياً على العقوبات، كان البعض الآخر أكثر تشككاً، ما سلّط الضوء على أنّ العديد من النقاط الفنية والقضائية لا تزال عالقة».
وكان مسؤول أوروبي قد قال في وقت سابق: انّ العقوبات الجاري الحديث عنها، يتّصل بعضها بـ»تجميد الأرصدة ومنع السفر»، الّا انه استدرك قائلاً: «ما زال العمل في بداياته إذ ليس هناك لائحة معينة ولا نوعية محددة للعقوبات الأوروبية على المسؤولين اللبنانيين، والأمر اليوم هو كناية فقط عن انطلاق العمل على وضع نظام قانوني للعقوبات على شخصيات لبنانية، من خلال نصوص تشريعية تمكّن لاحقاً من تحديد الأسماء بموجبها»، وأوضح أنّ المجموعة الأوروبية التي تهتم بنظام العقوبات تسمّى «بروليكس»، ويوم الاثنين سيتم الاعلان عن بداية العمل على نظام عقوبات خاص بلبنان، ومن الصعب التكهّن مسبقاً بمواقف الدول الأعضاء، والأرجح أنّ المسألة ستستغرق وقتاً لأنه «عمل تقني معقد بالنسبة لوضع معايير خاصة بلبنان».
لا جديد حكومياً
وفي وقت يطغى على ملف التأليف انتظار ما يتخذ من قرارات وخطوات بين شريكي التأليف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وما سيؤول إليه هذا الملف في ضوء اعتذار الرئيس المكلّف عن تشكيل الحكومة او عدمه، رجّحت مصادر مواكبة لهذا الملف انّ الأسبوع الجاري يفترض ان تتحدد فيه الوجهة النهائية لمسار التأليف، إمّا في اتجاه انفراج وامّا في الاتجاه الآخر الذي قد يفتح الواقع الداخلي على احتمالات شتى.
بري
من جهة ثانية، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري لمناسبة ذكرى عدوان تموز 2006، وتعليقاً على التصريحات الاسرائيلية عن الوضع في لبنان: «اننا وعلى مقربة من الذكرى السنوية لشهداء انفجار المرفأ، ومن موقعنا في حركة أمل، حركة الشهداء ومقاومة الشهداء، ومن موقعنا السياسي والبرلماني نؤكّد لذوي الشهداء والجرحى والمتضررين أنّ جريمة انفجار مرفأ بيروت هي جريمة وطنية أصابت اللبنانيين في الصميم، ولن نقبل تحت اي ظرف من الظروف أقل من معرفة الحقيقة كاملة بكل تفاصيلها ومعاقبة كل مَن تسبّب بها في أي موقع كان، وانّ أقصر الطرق الى الحقيقة تطبيق القانون بعيداً عن التحريض والتجييش والسمو بقضية الشهداء وقدسيتها فوق أي اعتبارات سياسية او انتخابية أو شعبوية. ونؤكد بكل شفافية وهدوء أن لا حصانة على أي متورّط في أي موقع كان، وأنّ المجلس النيابي سيكون مع القضاء الى أقصى الحدود تحت سقف القانون والدستور، فالحصانة فقط هي لدماء الشهداء وللوطن وكرامة الانسان وللدستور والقانون وليس لشريعة الغاب».
واعتبر انّ «إسقاط لبنان بضربات التعطيل وإغراق مؤسساته في الفراغ القاتل والامعان في العبث السياسي والدستوري والتضحية بالوطن على مذبح الاحقاد الشخصية هو فِعل يرقى الى مستوى الخيانة بحق للبنان واللبنانيين»...
باسيل
بدوره، اعتبر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في تغريدة امس، أنّ «فاجعة مرفأ بيروت اكبر من جريمة واكثر من ظلم». وطالبَ برفع الحصانة حتى تأخذ العدالة مجراها، ويعاقب المرتكب ويُبرّأ المظلوم. وقال: «من المؤكد أنّ هناك أشخاصاً، ومنهم مسؤولون، يعلمون بموضوع نيترات الأمونيوم وباستعمالها، وسكتوا، ومن الظلم ألا تتم محاكمتهم. ولكن أيضاً من الظلم أن تتم محاكمة مَن عَلموا وقاموا بعملهم ولم يسكتوا!». وختم: «يجب الاستماع إلى كل المطلوبين، ومن كان مذنباً ومرتكباً يتم توقيفه ومحاكمته، ومن كان بريئاً وقام بعمله يتم إخلاء سبيله. هكذا تكون العدالة».
التحقيقات
في هذا الوقت، لا جديد على خط رفع الحصانات وإعطاء الاذونات للملاحقة والاستماع الى من طُلِب استدعاؤهم في ملف انفجار المرفأ، فيما تمّ أمس إرجاء جلسة الاستماع الى مدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني العميد كميل ضاهر، الذي مَثل مع محاميه امام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، الى 23 تموز، وذلك التزاماً بإضراب نقابة المحامين.
رد القاضي البيطار
الى ذلك، في معلومات خاصة لـ»تلفزيون الجمهورية» انّ المحقق العدلي أرسل كتاب رَد الى مجلس النواب، بعد ان وصله كتاب المجلس الذي يطلب فيه وجوب تسليمه الادلة والمستندات التي يستند إليها التحقيق للنظر في طلب رفع الحصانة عن النواب. وجاء في كتاب الرد أنه وبحسب المادتين 91 و98 من قانون المجلس النيابي فإنّ المحقق العدلي غير ملزم بتقديم اي مستند او دليل، إنما يتوجب على المجلس رفع الحصانة بمجرد الطلب.