يبدأ الحديث بتطورات الساعة، ألا وهي المفاوضات الإيرانية ودور طهران في المنطقة ووجودها كحقيقة جغرافية وحقيقة تاريخية، فيؤكد على «ضرورة وجود علاقات «صحيحة» بين الجمهورية الإسلامية والبلاد العربية، مبنية على الاحترام المتبادل، وامتناع إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأن يدرك الطرفان أنّ مصلحتهما واحدة ويجب تعزيزها، وكلما مرّ الوقت ولم يتم إدراك هذه الحقيقة فالأمور ستؤدي إلى مزيد من الأكلاف والعذابات للفريقين.
فأن يقوم الايرانيون باعتماد نهج الثورة الخمينية في بلدهم فهذا حق لهم، لكن مسألة تصدير الثورة وولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية، والتي تعطي ايران صلاحية التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية أمر مرفوض، ولن تستقيم الأمور طالما بقي هذا المنطق سائداً، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ تبرير تدخل ايران في شؤون جيرانها تحت مختلف العناوين، التطرّف أو الارهاب، سيؤدي إلى إطالة وقت العذابات والأكلاف».
ويرى، في حديثه الى «الجمهورية»، أنّ «الحديث عن العقيدة الخمينية التي تتحدث عن توسيع النفوذ الايراني في المنطقة والعالم، ظواهر عابرة في التاريخ». وفي السياق، يتطرق الى المفاوضات الأميركية - الإيرانية، فيؤكد أنّ «توقيع الاتفاق مجدداً بين الطرفين لا يعني إطلاق يد إيران والسماح لها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى. فالعالم يتجه الى مزيد من التكتلات. الأميركيون يحاولون إجراء ترتيبات تمنع ايران من امتلاك القنبلة النووية. وفي الموازاة هناك مسألتان لا تقلّان أهمية عن الاتفاق النووي، وهما صواريخ ايران البالستية وتعاظم نفوذها في المنطقة».
ويشرح السنيورة: «يركز الأميركيون اهتمامهم على المواجهة مع الصين وروسيا. كلُّ فريق يفتش عن حلفاء. الأميركيون وكذلك الصينيون. وضمن هذه المعطيات الجديدة، السؤال المهم الذي يُطرح، هل ستتعقّل ايران وتطلب بناء علاقات قويمة بينها وبين جيرانها أم انها ستسخّر نفسها لتكون أداة بيد الصين وبالتالي خلق المزيد من الصراعات في المنطقة؟ وهل تريد ايران ان تتحول المنطقة إلى ساحة يتقاتل فيها الأميركيون والروس والصينيون»؟.
موقع لبنان ودوره في هذه القراءة
التخوّف من إعادة تلزيم لبنان إلى إيران على غرار ما حصل في السبعينات مع سوريا، وضمن الحيثيات الموجودة، أمر واقعي ويؤيّده السنيورة. لكنّه يسأل: «أكنّا عرباً أم ايرانيين، هل نريد ان نكون على «ممرات الأفيال الكبرى» ضمن لعبة الأمم؟ «بيدعوسونا. وبلبنان مِنتدَعوَس».
ويدعو إلى «العودة إلى الحقائق الأساسية، والتي تتمثل باحترام الدستور ومصالح لبنان. لأنّه منذ العام 2011 غادرنا إدراكنا لمصالحنا في المنطقة واتخذنا مساراً جعلنا في حال تصادم بيننا وبين الدول العربية، وما نمرّ به على كل الصعد هو نتيجة الممارسة التي عهدناها منذ الـ2011 الى الآن. فالنمو الاقتصادي انخفض من 9 % إلى درجات تحت الصفر. العجز في الموازنة والخزينة يحلّق. ميزان المدفوعات بدل ان يكون فائضاً كل الوقت اصبح سلبياً كل الوقت».
ويضيف: «لذلك يجب إدراك مصلحة لبنان وموقعه ودوره. مصلحتنا أن نكون بعيدين عن سياسة المحاور، حريصون على التضامن العربي، نحترم وثيقة الوفاق الوطني، ونربَأ عن الدخول كطرف في أيّ صراعات وتحويل لبنان ساحة للمعارك، أكانت هذه المعارك إقليمية أو دولية». ولكن، ينبّه الرئيس السنيورة، في حديثه الى «الجمهورية»، إلى أنّ دعوته إلى «تحييد» لبنان استناداً الى ما تم الاتفاق عليه في اعلان بعبدا تختلف عن «الحياد» الذي ينادي به البطريرك الماروني ولو أنّه يؤيّده بالعمق. فالتحييد يسهل الوصول إليه، فيما الحياد مسألة تراكمية تتطلّب عملاً طويلاً ودؤوباً وموافقة العالم أجمع على حياد لبنان، ومثالنا على ذلك سويسرا».
في الملف الحكومي، يشدد على ضرورة العودة إلى الدولة. ويقول: «الدولة اللبنانية اليوم مخطوفة من قبل «حزب الله». والحزب يتلطّى خلف رئيس الجمهورية لعدم تأليف حكومة، وهمّه ابقاء لبنان مصدر وجع، على غرار ما يحصل في اليمن والعراق، لأنه يستعمله مادة لتعزيز القدرة التفاوضية لايران في المفاوضات الجارية مع اميركا. من هنا نحن في ازمة وجودية، وهذا الامر يتطلب موقفاً وطنياً لبنانياً».
لا يَستسيغه الكلام عن ان سعد الحريري سلّم أمر الحكومة لبري وباسيل لنصرالله، وكأنه تفويض غير مباشر من الحريري لـ»حزب الله» بعملية التشكيل، فيعتبر انّ التفاهم بين الحريري وبري جيد للمصلحة الوطنية اللبنانية وبما يحترم الدستور اللبناني، مشدداً في الوقت نفسه على ان «موقف الحريري يستند إلى أحكام الدستور. اي أن رئيس الحكومة هو الذي يؤلّف، ولكن يحق لرئيس الجمهورية أن يسأل ويعطي رأيه في اي وزير من الوزراء ولكن هذا لا يسحب من رئيس الحكومة حق التأليف»، معتبرا أنه «عندما تسود النوايا الحسنة يستطيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف ان يتواصلا للوصول إلى تركيبة حكومية».
التركيبة الحكومية الملائمة
ويضيف السنيورة: «في غمرة هذه التصريحات نضيّع البوصلة. هناك مشكلة سادت على مدى سنوات، تتجسد بما سُمي حكومات «الوحدة الوطنية» التي كانت تتألف لترضي السياسيين. هذه الحكومات خرّبت النظام الديموقراطي وأصبحت الحكومة انعكاساً لتركيبة المجلس النيابي».
ويضيف: «النظام الديموقراطي مبني على قاعدة أساسية ان هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وهذه الأقلية تصوّب عمل الحكومة. ووجود أقلية تعارض أمر مهم جداً، فهذه الأقلية تسعى لقلب الحكومة وتصبح هي السلطة، وهذا الأمر كان مفقوداً كلياً في السنوات الماضية وباتت الحكومات انعكاساً لتركيبة المجلس، ففقدنا إجراءً مهماً ألا وهو مراقبة عمل الحكومة. وتحولت الحكومة إلى حكومة «الفيتوات المتبادلة» وبالتالي «المقايضات المتبادلة». فيما الحكومة ليست مكاناً للفيتوات بل مكان لاتخاذ القرارات».
ويتابع: «حكومات الوحدة الوطنية ظاهرة في النظام الديموقراطي لكنها ظاهرة استثنائية، بينما في لبنان استمررنا بها لتحقيق أمر أساسي وهو أن تتحكم الأقلية بالأكثرية. وهذا كان بداية لأمر اعمق وأخطر وهو السيطرة على الدولة وهيمنة السلاح على القرار السياسي، فأطبق «حزب الله» على الدولة وباتت مخطوفة. واليوم نرى نتيجة هذه الممارسات الخاطئة التي أوصلتنا الى هنا، وإلى تعطّل النظام الديموقراطي».
ويعود السنيورة ويؤكد أنّه «انطلاقاً من الحقائق التاريخية والجغرافية، إنّ تسلّط ايران على باقي الدول العربية لا يمكن أن يستمر. ومهما توسع نفوذ «حزب الله» لا بد من نهاية. اليوم نحتاج إلى حل. كل شيء غير طبيعي لا يُكتب له العيش».
ويبدي السنيورة رهاناً على تطورات الأحداث، فيستذكر ما جرى في شباط 2005، عندما اجتمع السفير الأميركي آنذاك ديفيد ساترفيلد مع ما سمّوا لاحقاً مجموعة 14 آذار، أي قبل استقالة الرئيس عمر كرامي، وطلب منهم ساترفيلد بما معناه «دبّروا حالكم مع السوريين». لكن، بعدها بأسبوع فُرضت استقالة عمر كرامي، وتبدلت كل المعطيات. وفي المغزى انه لا يجب ان نستهين بقوتنا. فنحن شعب لدينا قضية، وقضيتنا هي لبنان، ووجود لبنان في المنطقة وما يعنيه هذا الوجود. من هنا، نؤكد التمسك باتفاق الطائف. وأي تغيير لهذا الاتفاق بالقوة والعضلات سيؤدي إلى مشاكل كبيرة»، معتبراً أن «أكثر مَن يُمعن بضرب الطائف هو رئيس الجمهورية وتياره. فهو لم يؤمن يوماً بهذا الاتفاق، رغم أنه أقسم يميناً عليه ليصبح رئيساً».
السنيورة ذكّر بالأخطاء الكبيرة التي ارتُكبت، وخصوصاً لجهة انتخاب عون لرئاسة الجمهورية، ولجهة إقرار قانون انتخابي يشد العصبيات الطائفية، مجدداً الدعوة إلى العودة إلى الدولة. ويقول: «اذا كنا لا نستطيع الآن ان نغيّر، لا يجب ان نسلّم ونستسلم».
ويأسف لأنّ «هناك من يخضع لسياسة الإلهاء التي يعتمدها البعض، وصرف الناس إلى تأمين معيشتهم وخبزهم، فيما تُعتبر هذه المظاهر هامشية أمام أساس المشكلة، ألا وهي ان الدولة مخطوفة، وبوجود سلاح غير شرعي، وخرق مستمر للدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني».
مالياً
ويوضِح اننا لم نصل بعد الى «الارتطام الكبير». لذا، يجب التركيز على كيفية تقويم البوصلة بالاتجاه الصحيح للخروج من المأزق. لا احد يتوهّم انه بمقدورنا خلال 24 ساعة الانتقال من مرحلة الظلام الدامس إلى مرحلة الضياء الكامل، لكن يجب وضع البلد على المسار الصحيح، وهذا لم يحصل بعد. أضَعنا العديد من الفرص الانقاذية. في مؤتمر أصدقاء لبنان 1996، وباريس 1، وباريس 2، وباريس 3، ومؤتمر ستوكهولم، ومؤتمر فيينا، ومؤتمر سيدر، قطار الإصلاح أتى وأطلق صفاراته وانتظرنا طويلاً على امل ان يخرج لبنان ويقرر المضي في الإصلاح، لكننا لم نفعل».
ويتمسّك بمقولته: «اعطي خبزَك للخبّاز وراقبو كرمال ما ياكل نصّو». هذا يعني في قاموس السنيورة، أولاً، إسناد المسؤولية إلى أصحاب الجدارة والكفاءة، وبطريقة تنافسية وشفافة. وثانياً، إخضاعهم للمساءلة والمراقبة والمحاسبة بطريقة مؤسساتية، وليس على طريقة غادة عون و Robespierre أبرز وجوه الثورة الفرنسية».
واعتبر انّ رئيس الجمهورية آخر من يحق له الحديث عن التدقيق الجنائي، لأنه وتياره أول مَن وقفا ضد القانون الذي أرسلته إلى مجلس النواب عام 2006. وعن واقعنا المالي، يجيب بمثل: «حرامي البيت لا يُنتظر»...
الانتخابات النيابية ودور الرؤساء السابقين
لا يعارض فكرة أنه يجب الرهان على الانتخابات النيابية، لكن يدعو إلى إقرار قانون انتخابي يبعدنا عن العصبيات الطائفية.
وعن دور رؤساء الحكومات السابقين، يؤكد أنه «يجب أن يُدعم بموقف من خلال منصة وطنية». ولا يرى الرئيس السنيورة حكومة في الأفق، لكنه يعتبر ان «لا خيار إلا عبر تأليف حكومة. ولا بديل حالياً عن الحريري، ويجب الآن إعادة الاعتبار للدستور».
«الوصفة الوطنية»
ويختم: «وصلنا الى مرحلة تحتاج الى حلول جذرية. وعبر المواجهة السلمية وبموقف وطني وجبهة معارِضة عابرة لحدود الطوائف والمناطق نحقّق الهدف. هناك محاولات وينبغي ان تكون. فلا المسيحي يريد أن يسكن في مربّعه الطائفي ولا المسلم أيضاً».