يتعمّق الخلاف السياسي يوماً بعد يوم من دون ان يكون هناك اي أفق للخروج من الأزمة المالية التي تتفاقم بنحو سريع وخطير، فيما الحكومة التي تشكل المدخل الأساسي للحلّ وضعت على الرف من دون ان يكون هناك اي بدائل لمواجهة هذه الأزمة، فلا حكومة تصريف الأعمال قادرة على هذه المهمة، خصوصاً ان الأوضاع واصلت تراجعها إبّان هذه الحكومة، ولا القوى السياسية متوافقة على الانتخابات المبكرة كمخرج من الفراغ والتعطيل والانسداد في الأفق السياسي، ما يعني انه لم يبق سوى التفرُّج على الانهيار، وهذا الخيار أشبَه بالموت البطيء وكأنّ لبنان يعاني مرضاً لا علاج له ومصيره الموت المحتّم، وهذه جريمة ترتكب بحق لبنان واللبنانيين.
تُجمع الاوساط السياسية والشعبية وكل مان يتعاطى الشأن اللبناني في الخارج على ان المسؤولية ملقاة على رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وعليهما إيجاد الحلول للحكومة العتيدة من دون انتظار هذا الديبلوماسي ولا ذاك المسعى الخارجي، فكل الوساطات الخارجية الحريصة على الاستقرار اللبناني تبقى موضع شكر وترحيب، ولكن المسؤولية الأولى والأخيرة في نهاية المطاف هي لبنانية وعلى المسؤولين المنتخبين من الشعب اللبناني تحمل مسؤولياتهم في وقف هذا الانهيار الذي جَوّع أكثر من نصف اللبنانيين ويهدِّد النصف الآخر في حال رفع الدعم قريباً.
فأولوية الأولويات كانت وستبقى وقف الانهيار وليس إقرار قوانين مكافحة الفساد التي على أهميتها تتطلب وجود دولة لتطبيقها، فيما لبنان مهدّد بوجوده كما قال يوماً وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان «انّ الدولة اللبنانية معرضة للاختفاء من الوجود». كما انّ الأولوية ليست لفتح المواجهات يميناً ويساراً حول ملفات ثانوية وقد تكون مهمة، إلا ان الأساس يبقى في إبعاد شبح الفوضى الذي يقترب يوماً بعد آخر مع هاجس رفع الدعم وعدم القدرة على إيجاد البدائل.
وقد جاءت فضيحة المخدرات المهربة الى المملكة العربية السعودية لتزيد الأوضاع سوءاً لجهة علاقات لبنان الخارجية وصداقاته العربية وعلاقاته الخليجية، وإذا كان هناك مَن هو على استعداد لمساعدة لبنان جمّد كل نياته ومساعيه بعد هذه الفضيحة التي وضعت لبنان في موقع المتّهم والمسؤول عن استخدام أراضيه ممراً لاستهداف هذه الدول بنشر آفة المخدرات داخل أراضيها، والتدابير التي اتخذتها الدولة اللبنانية وصفت بالشكلية والإنشائية ولا ترتقي إلى التدابير الحازمة التي تكشف ملابسات ما حصل وتضع حداً نهائياً له.
وأكثر ما يشبه وضع اللبنانيين اليوم قصة أهل القسطنطينية في القرن الخامس عشر حيث دخلوا في جدل بيزنطي لا طائل منه أدى إلى سقوط امبراطوريتهم وحضارتهم، حيث ان المسؤولين يهتمون بأمور كثيرة إلا الحكومة على طريقة «مرتا مرتا تهتمين بأمور كثيرة إنما المطلوب واحد»، والمطلوب وبإلحاح تشكيل حكومة اليوم قبل الغد وان تحوِّل لبنان ورشة مفتوحة تعيد من خلالها الأمل للناس بحاضرهم ومستقبلهم في ظل ارتفاع منسوب المخاوف من الأسوأ والأعظم.
في انتظار الحريري
وقد تحدثت مصادر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» عن ضرورة انتظار عودة الحريري من ابو ظبي، وهي متوقعة خلال الساعات القليلة المقبلة، لاستئناف الاتصالات في شأن تأليف الحكومة.
ولفتت هذه المصادر الى انّ هذه الإشارة غير الجديدة لانتظارالحريري مردّها الى اتفاق تم بين رئيس الجمهورية ميشال عون والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي يتولى جانباً من الاتصالات بين الرجلين. مع العلم انّ الراعي أطلع عون خلال لقائهما الاثنين الفائت على نتيجة الاتصال الطويل الذي جرى بينه وبين الحريري بعد لقاء الاخير مع قداسة البابا فرنسيس، حيث جرى استعراض لنتائج اللقاء وما شهده من مواقف.
رسالة البابا
تجدر الإشارة الى ان رسالة البابا فرنسيس الى عون التي تسلمها في الساعات الماضية تضمنت فقرات من البيان الصادر عن الفاتيكان بعد لقاء البابا مع الحريري.
وقد شدّد قداسته في هذه الرسالة على أنّ «لبنان لا يمكنه أن يفقد هويته ولا تجربة العيش الاخوي معاً التي جعلت منه رسالة الى العالم بأسره». وأكد رغبته في أن «تتحقّق زيارته للبنان وشعبه الحبيب»، مشيراً الى «صلاته الحارة على نية اللبنانيين لكي يحافظوا على الشجاعة والرجاء في المحنة التي يجتازونها». كذلك رفع الحبر الأعظم الدعاء الى الله لكي «يساعد الرئيس عون والمسؤولين السياسيين ليعملوا بلا هوادة في سبيل الخير العام في بلاد الأرز». وقال: «أوكل أمتكم الغالية الى حماية سيدة لبنان»، طالباً من «أمير السلام» أن «يبارككم ويحفظ لبنان وجميع أبنائه».
مواقف
وفي جديد المواقف السياسية من الازمة الحكومية أشار تكتل «لبنان القوي»، بعد اجتماعه الاسبوعي الالكتروني، إلى أنّه «لا يزال ينتظر ان يسمح الوقت لدولة رئيس الحكومة المكلّف بتقديم صيغة حكومية متكاملة وفقاً للأصول الدستورية والميثاقية وللمنهجية المعروفة، مؤكّداً استعداده الدائم لتقديم اي معونة لازمة للإسراع بتأليف الحكومة».
وشدد على موقف رئيسه النائب جبران باسيل الذي سيغادر الى موسكو اليوم من «أنّ الاستقالة من مجلس النواب قد تقدّم حلّاً لموضوع حجز التكليف بيد رئيس الحكومة المكلّف، لكنّها لا تعطي اي نتيجة فعلية بتحقيق المطالب الاصلاحية، في ظل الوضع السياسي والتوازنات القائمة في البلاد».
في هذه الاثناء، وجّهت النائب ستريدا جعجع، أمس من بكركي، نداءً الى تكتل «لبنان القوي» كي «يبادر الى التنسيق معنا في تكتل «الجمهورية القوية» بغية أن نستقيل جميعاً من مجلس النواب، الأمر الذي من شأنه أن يفقد هذا المجلس ميثاقيته وبالتالي الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة». وقالت: «ما من أمل مَرجو من أي حكومة تؤلّف في ظلّ هذه الأكثرية الحاكمة». وأكدت أنّ «الحلّ هو بإعادة إنتاج السلطة، بغية رفع يد هذه الأكثرية النيابية عن البلد بعد النتائج الكارثية التي أوصلتنا إليها، الأمر الذي سيفسح في المجال أمام الأكثرية الجديدة لتحقيق الإصلاح المطلوب، وبالتالي الإنقاذ، ولا مجال لتحقيق كلّ ذلك سوى عبر الخطوة العملية الوحيدة المتاحة وهي الانتخابات النيابية المبكرة».
جنبلاط
الى ذلك، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، خلال مشاركته في اجتماع الهيئة العمومية للمجلس المذهبي أمس برئاسة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن «لا استطيع اليوم ان أبشّر بشيء ولن اقوم بأي مبادرة، فقط لَبّيت دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون وقامت القيامة يميناً ويساراً، لم اكن المُبادر وقلت لا بد من تسوية. ففي أوج الحرب عندما كانت المدافع تقصف، شكّلنا حينذاك حكومة وفاق وطني مع امين الجميّل الذي كنّا على عداء مع عهده في حينه، وإذا كانت لم تعط نتيجة فهذا أمر آخر، لكننا شكلنا حكومة في أوج الحرب في الـ 84 «بَدّك تتعاطى وتحكي مع الناس»، قمنا بمحاولة تسوية، الظروف لم تسمح. واليوم اذا كان هناك احد في البلد يظن انهم يفكرون بنا، فلا احد يفكر بنا، واذا لم يقم أصحاب الشأن الكبار بتسوية داخلية، فلا موسكو ولا غيرها تستطيع ان تنوب عنا بتسوية داخلية، نعتقد انها قد تفتح الباب امام التفاوض مع الهيئات الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من اجل تخفيف العبء الاقتصادي والاجتماعي ومَدّنا ببعض المال ولا مهرب». وكرر القول: «لم أقم بمبادرة وإنما طرحتُ تسوية، انسحب من كل الموضوع وان شاء الله يأتيهم الالهام، لأنّ الآتي اصعب والظروف المحيطة لا احد يفكر بالآخر، وربما هناك امل من المبادرة الفرنسية بما تبقّى».
التحقيقات في التهريب
من جهة ثانية، وفي خطوة أعقبت الاجتماع الوزاري - الامني - القضائي ـ الزراعي في قصر بعبدا أمس الأول، الذي خصص لمتابعة المقاطعة السعودية للمنتجات الزراعية اللبنانية وتهريب المواد المخدرة الى المملكة العربية السعودية، اتصل عون امس بوزير الداخلية محمد فهمي المكلف متابعة تنفيذ القرارات المتخذة والتواصل مع السعودية، واطلع منه على مسار الإجراءات التي اتخذت ومصير التحقيقات الجارية على اكثر من مستوى إداري وامني وعلى الارض حيث عبرت شحنة «الرمان المخدر».
وفي المعلومات الرسمية أفيد انّ فهمي أطلع عون في آخر التفاصيل المتعلقة بالموضوع، وما توافر من معطيات لدى الأجهزة الأمنية. كما أبلغه بنتائج اتصاله مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مؤكداً له «إدانة لبنان لعملية التهريب وكل ما يمسّ امن المملكة واستقرارها وسلامة شعبها». وانتهى الى اطلاعه على الإجراءات التي اتخذها لبنان في هذا الصدد.
التحقيقات اللبنانية
وفي المعلومات التي توصلت اليها التحقيقات واطّلعت عليها «الجمهورية» انّ التوقيفات على مستوى المسؤولين في شبكة تصدير «الرمان المخدر» انحصرت بتوقيف سوريين من بينهما علي سليمان وشقيقه. كما تبين ان لهما شقيقين آخرين احدهما انتقل قبل فترة الى السعودية تحضيرا لاستقبال الشحنة التي ارسلت اليها، وآخر الى العاصمة التركية انقرة.
وفي المعلومات تبين ان «شركة الارز» التي نسبت اليها عملية التزوير هي وهمية ولا اساس لها في مختلف المؤسسات التي تعطي «شهادة المنشأ» ولا الموافقة المسبقة لتصدير البضاعة التي نالتها من وزارة الزراعة وكل ما ارتبط بها من معاملات.
الشريك السعودي
وعلمت «الجمهورية» من مراجع معنية ان لبنان تبلّغ بالتحقيقات التي باشَرها الجانب السعودي، وأسفرت في الايام الاولى التي اعقبت اكتشاف «الرمان المخدر» انها أوقفت شبكة تعمل على الاراضي السعودية مرتبطة بالشبكة المصدرة من سوريا عبر الاراضي اللبنانية، وان من بين الموقوفين 5 سعوديين ورجل سوري مسجل على لائحة النازحين السوريين، ويعتقد انه يدير مجموعة من السوريين النازحين الى المملكة من ضمن الشبكة عينها.
رسم بياني
وفي ما يبدو رسماً بيانياً يوثّق حصيلة اعمال التهريب في اتجاه المملكة منذ ان كشفت شحنة «الرمان المخدر»، أعلن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري عبر «تويتر» تحت عنوان «الحرب على المخدرات» أن إجمالي ما تم ضبطه من المواد المخدرة من لبنان منذُ بداية عام 2020 حتى شهر نيسان 2021، بلغَ 57,184,900 مادة مخدّرة. كذلك أعلن البخاري عن ضبط: 5383400 حبة مخدرة داخل رمان، 20 مليون و190 الف و500 حبة داخل عنب، 5 ملايين و580 الف حبة داخل عنب ايضا، 4 ملايين و335 الف حبة مخدرة داخل تفاح، 6 ملايين و480 الف حبة مخدرة داخل بطاطا و15 مليون و216 الف حبة مخدرة داخل عنب.
رفع الدعم
على الصعيد الاقتصادي، حذّرت مراجع اقتصادية، عبر «الجمهورية»، من انّ رفع الدعم او ترشيده قريباً سيؤدي الى تداعيات مالية واجتماعية، حتى لو ترافق هذا الاجراء مع اعتماد البطاقة التمويلية.
ونَبّهت المراجع الى ان الدولار سيسجل عندها ارتفاعا كبيرا من شأنه ان يلتهم مفعول البطاقة المفترضة وما تبقى من قدرة شرائية لرواتب الموظفين، خصوصا في القطاع العام. ولفتت الى انّ وقف سياسة الدعم يجب أن يترافق أصلا مع سلة متكاملة من الإجراءات الضرورية لحماية الأمن الاجتماعي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إيجاد شبكة للنقل العام في مقابل زيادة اسعار المحروقات، بينما يبدو حتى الآن ان الدولة ستكتفي بإجراء وحيد ومُجتزأ يتمثّل في البطاقة التمويلية التي لن تكون كافية وحدها للجم التداعيات.
واشارت المراجع الى انّ وجود حكومة مستقيلة يحول دون حصول اي اتفاق مع صندوق النقد الدولي، علماً انّ رفع الدعم او ترشيده ينبغي أن يكون جزءا من هذا الاتفاق وليس معزولا عنه.
ونقلت المراجع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تصميمه على وقف الدعم بعد نهاية أيار المقبل، مؤكداً ان هذا القرار نهائي ولا تراجع عنه.
مساعدة عراقية للجيش
على صعيد آخر أعلن وزير الثقافة المتحدث باسم الحكومة العراقية، حسن ناظم، أنّ بلاده وافقت على طلب لمساعدة الجيش اللبناني. وقال خلال مؤتمر صحفي إن «مجلس الوزراء وافق على طلب بمساعدة الجيش اللبناني لما يمرّ به لبنان من ظروف صعبة». وبحسب معلومات حصلت عليها قناة RT الروسية إنّ قيمة المساعدات قد تبلغ 3 ملايين دولار.
ترسيم الحدود
وعلى صعيد ترسيم الحدود البحرية، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن إسرائيل تستعد للرد على رفع سقف المطالب اللبنانية في ملف ترسيم الحدود البحرية، عبر «توسيع متطرف» للمنطقة التي تطالب بها إسرائيل.
ونشرت الصحيفة خريطة جديدة أعدّتها وزارة الطاقة الإسرائيلية، تظهر ما أطلقت عليه إسرائيل اسم «الخط 310» أو الخط الأحمر، الذي يمتد إلى الشمال بنحو أكبر من موقف إسرائيل التفاوضي الحالي، وهو الخط الأزرق على الخريطة.
ويمثّل الخطان الأزرق والأخضر على الخريطة المواقف الرسمية للبنان وإسرائيل، كما تم تقديمها إلى الأمم المتحدة، حيث تبدأ المنطقة المتنازع عليها من حدود الجانبين على البحر الأبيض المتوسط وتبلغ مساحتها من 5 إلى 6 كلم. ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنّ المنطقة محل النزاع ستكون في الأصل نحو 2 % من المياه الاقتصادية لإسرائيل.
وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر «تويتر»، انّ «قوات الجيش أسقطت مسيّرة تابعة لـ»حزب الله»، وعثرت على أخرى تم إسقاطها على الحدود اللبنانية قبل أسابيع حيث رصدت القوات المسيّرة الأولى بعد أن اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي من لبنان... كما عثرت القوات على مسيرة أخرى لـ»حزب الله» تم إسقاطها بعد تسللها من لبنان».