رغم كل مساوئ خطة تَرشيد الدعم وكل الشبهات التي أحاطَت بها، يُجمع المسؤولون على أنها تبقى الأفضل في ظل الظروف الراهنة، انطلاقاً من مقولة انّ «الكحل أحلى من العمى».
وُضِع في الفترة الأخيرة موضوع ترشيد الدعم على نار حامية، من خلال اعادة إحياء اجتماعات اللجنة الوزارية المكلّفة متابعته في توجّه جدّي لاتخاذ قرار حاسم في هذا الخصوص. فقد اجتمعت اللجنة خلال هذا الاسبوع برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وبحثت في السيناريوهات المقترحة، كذلك عقد اجتماع مماثل برئاسة نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر للبحث في الموضوع نفسه، شاركَ فيه رئيس لجنة الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط النائب فريد البستاني، الذي يكشف لـ«الجمهورية»، «انّ الحكومة تقدمت بـ4 سيناريوهات الى مجلس النواب حول موضوع ترشيد الدعم على ان يختار المجلس واحداً منها للسير به، لكن بعد اجتماعنا برئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الجمعة الماضي تمّ التوافق على انه ليس من مهمات المجلس اختيار واحد من السيناريوهات المطروحة، لذا أبلغ الرئيس بري الحكومة انّ الاختيار هو من مهماتها، على ان ترفع السيناريو الذي تتوافَق عليه الى مجلس النواب، فيتمّ درسه في لجنة الاقتصاد، وهذا ما حصل.
وأوضح انّ «السلطة التشريعية هي سلطة رقابية من مهماتها ان تساعد في جَعل خطة الترشيد هذه مشروع قانون في حال تَبنّتها لجنة الاقتصاد». وأشار الى انه «من المتوقع ان تستلم اللجنة خلال الأيام المقبلة السيناريو التي ستتفق عليه الحكومة».
أمّا السيناريوهات الأربعة، فهي:
أولاً: رفع الدعم كلياً من دون استثناءات، ويقترح هذا السيناريو وزير الاقتصاد. وبرأي البستاني انّ هذا السيناريو هو الأنسَب للخزينة من حيث الأرقام، لكنه لا يلائم الشعب اللبناني نظراً للأزمة الاجتماعية التي يمر بها، وقد يفجّر الشارع. لذا، نحن نرى انّ خفض الدعم يجب ان يكون تدريجياً.
السيناريو الثاني والثالث يعتمدان اللعب على نسَب الدعم، مثل رفع تعرفة الكهرباء وتسعيرها وفق سعر دولار 3900 ليرة. ومأخذنا على هذا السيناريو انه لا يمكن تغيير طريقة احتساب تسعيرة الكهرباء طالما هي غير مؤمّنة 24/24 بعد.
السيناريو الرابع، وهو الأكثر ترجيحاً، يعتمد الخفض التدريجي ولو انّ كلفته أكبر، لكن ما نصرفه من جهة سنحَصِّله من جهة أخرى لأنه يُريح الشعب.
وقال انّ تصحيح القوة الشرائية للمواطن يتم عبر طريقتين: إمّا رفع الرواتب. لكن إذا رُفِعت الرواتب للقطاع الخاص سنضطرّ الى زيادة رواتب القطاع العام، وهنا ندخل مجدداً في فخ سلسلة الرتب والرواتب. وإمّا إعطاء البطاقة التمويلية، والعامل الايجابي هنا انه يمكن تعديل رصيدها بعد فترة وفق ما تقتضيه الحاجة.
وأضاف: «انّ الارجحية تميل نحو البطاقة التمويلية، فنحن كمجلس نواب لا يمكن ان نوافق على أي خطة من شأنها ان تغيّر من مَعيشة المواطن من دون التعويض عليه من جهة أخرى.
وكما هو معلوم انّ وزارة الاقتصاد سبق لها أن قدمت خطة لترشيد الدعم في السلة الغذائية، فخفّضت عدد السلع من نحو 300 الى 40، بما يعني خفض الدعم من 100 مليون دولار الى 30 مليون دولار، الّا ان هذا الخفض يبقى غير كاف، لذا هناك عدة خطوات على الحكومة ان تتّخذها.
وفي ما يتعلق بالطحين، فإنّ الجميع يلاحظون انّ ثمنه كما السكر يرتفع عالمياً، فإذا تمّ رفع الدفع الدعم كلياً، فإنّ هذا التدبير سيزيد سعر ربطة الخبز من 2500 ليرة الى 4000.
وفي ما خصّ المحروقات، كلنا يعلم بالتهريب الحاصل الى سوريا، لكن في الوقت نفسه اذا ما رفع الدعم عن المازوت ستتضاعف فاتورة المولدات. فعلى سبيل المثال، تُسَعّر فاتورة الـ 10 امبير اليوم بـ 450 الفاً، بينما اذا رفع الدعم سترتفع الفاتورة الى 900 ألف.
البطاقة التمويلية
ورداً على سؤال عن البطاقة التمويلية، أوضح البستاني انّ الفكرة منها هي ان تكون بالدولار، لكن استحال تنفيذها لأنها في النهاية هي قرض ويستحيل إعادته بالدولار. لذا، اعتبر انه من المقبول ان يكون رصيد البطاقة حوالى مليون و400 ألف ليرة شهرياً لكل عائلة، وطَلبنا من الحكومة أن تُطلعنا على الطريقة التي ستعتمد لتوزيع الأموال، خصوصاً انّ أرقام وزارة الشؤون بعيدة عن الواقع وتحتاج الى تحديث. ولقد تَبيّن، حتى الآن، انّ هناك حاجة لمساعدة نحو 600 ألف عائلة بما يوازي 3 ملايين لبناني أي نحو 80 % من الشعب اللبناني. وقال ربما يكون هناك هامش خطأ بنسبة 7 الى 8 في المئة، بحيث قد تذهب البطاقة الى اشخاص لا يحتاجونها، الّا انّ هذا الخطأ يبقى مقبولاً وسيزيد دفعاً للقوة الشرائية. وقدّر البستاني ألّا تزيد المدة الزمنية لبَدء العمل بهذه البطاقة عن الشهر ونصف الشهر، أو الشهرين كحد أقصى.
ترشيد الدعم
الى ذلك، ورغم كل ما ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي من صور عن التهريب المدعوم الى سوريا والى دول افريقية... فإنّ الوزراء يُجمعون على ان خطة الدعم، ورغم مساوئها، ساعدت المستهلك اللبناني.
وفي السياق نفسه، وفي معرض ردّه على سؤال لـ»الجمهورية»، يؤكد وزير الاقتصاد راوول انّ سياسة دعم السلع المُعتمدة راهناً هي خاطئة، ونحن نعلم بذلك لأنها دعمت التاجر بدلاً من المواطن، وقد أقدمَ التجّار على التخزين والاحتكار وتهريب البضائع المدعومة، لكن في الوقت نفسه لو لم نقدّم الدعم للمستهلك هل يمكن ان تتخايلوا ما كانت ستصبح عليه أسعار العديد من السلع في لبنان؟! فلولا الدعم لكان أصبح سعر صفيحة البنزين 80 الفاً والمازوت 70 الفاً، وما كان تَمكّن المواطنون من شراء أبسط السلع الاساسية الحياتية. وتابع: كنّا مُجبرين على اعتماد هذه السياسة، بينما عملنا في الوقت عينه مع البنك الدولي على إعداد برنامج لدعم المواطن مباشرة، وسنتوجه بهذا الدعم الى حوالى 600 الف عائلة نقدّم إليها النقدي كي يترك لها حرية اختيار السلع التي تريد شراءها.
فياض
وبعدما تَردّد أمس عن بدء رفع الدعم المبطّن عن المحروقات بعدما سجلت أسعار المحروقات زيادات أسبوعية متتالية مؤخراً لتصل الى 30 ألفاً، يؤكد رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض، عبر «الجمهورية»، أن لا جديد في موضوع ترشيد الدعم، وكل ما يُقال حول رفع الدعم عن المحروقات هو مجرد اقتراحات، جازماً أن لا رابط بين ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان وترشيد الدعم حالياً.
وأوضح، عبر «الجمهورية»، انّ أسعار المحروقات ترتفع تدريجاً بناءً على مُعطَيين:
الأول، ارتفاع سعر النفط عالمياً. والثاني، ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة في السوق الموازي لأنها ترتبط بنسبة الـ 15 % من الدولارات التي يحاول المستوردون تأمينها من هذه السوق تطبيقاً للشروط التي وضعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمتعلّقة بدعم المحروقات.
ولفتَ فياض الى انه حتى الساعة يتم التشاور في تخفيف الدعم عن البنزين، إمّا باحتساب دولاره وفق المنصة على 3900 ليرة، وإمّا خفض نسبة الدعم التي يؤمّنها المصرف المركزي من 85 % حالياً الى 60 أو 65 %، على أن يبقى الدعم على المازوت كما هو لأنّ القطاعات التي تستفيد منه كثيرة، ومنها المصانع والمستشفيات والكهرباء والمولدات والمعامل، ويُستخدَم للتدفئة. وأكد فياض انّ كل ما يُطرَح هو مجرد أفكار حتى الساعة، لأنّ ما من طرف قادر على اتخاذ القرار تخوّفاً من تداعياته.
ورداً على سؤال، أشار فياض الى انّ الترويج بأنّ أسعار المحروقات، لا سيما البنزين، تتجه نحو الـ 50 ألفاً، هو مجرد «كَب أرقام» ولا يستند الى أي معطيات. وتابع: في الوقت الراهن، ومع استمرار الدعم، لن تسجّل ارتفاعات قياسية في سعر البنزين، إنما من المتوقع ان تتراوح الزيادة الأسبوعية بين 300 ليرة الى 400.