تاجر مواد أولية ومفاوض من أجل السّلام، قرّر وضع موهبته كرجل أعمال في خدمة الوساطة السياسية. وبدون تفويض رسمي، في ظلّ الدبلوماسية الموازية، نظر هذا المقرّب القديم من جاك شيراك ونيلسون مانديلا وصديق عدد من رؤساء الدول الافريقية، في ملفّات عدّة حسّاسة منذ عام 1980: نظام الفصل العنصري «الأبارتايد»، والحروب الأهلية في أنغولا وجنوب السودان، وإطلاق الرهائن الفرنسيين في لبنان. أحرز نوعاً من النجاح. عمره 74عاماً وهو يعمل الان في الوساطة بين العديد من العناصر الفاعلة في الأزمة الليبية من خلال مؤسّسته «برازافيل» التي نظمّت أوّل اجتماع بين الليبيين في أيار في داكار سُمّي «داكار 1». ومن المقرّر إجراء جلسة ثانية تحت اسم «داكار 2 «، في نهاية شهر تشرين الأوّل في العاصمة السينيغالية أيضاً. يتحدّث لـصحيفة «جون أفريق» عن مزالق الملفّ الليبي، إضافة إلى ما يدفعه إلى الأمل على الرغم من كل شيء.
• جون أفريق: ما هو دورك تحديداً في الملف الليبي؟
جان إيف أوليفييه: إنّ مؤسّسة «برازافيل» هي جمعية أسّستها وأترأسها ويساعدني أعضاء المجلس. تتكوّن الجمعيّة من شخصيات مختلفة تعمل لصالح السّلام. نحن لسنا هنا لصنع السّلام، ولكن لتسهيل السلام وخلق الظروف لإنشاء سلام دائم وجدّي.
• أنت أيضا رجل أعمال، هل أنت مهتمّ بالسوق الليبي؟
لقد ساهمت بإنهاء نظام «الأبارتايد»، ولكنّني لم أقم بأعمال أبداً في جنوب افريقيا منذ اليوم الذي حُرّر فيه مانديلا. ودوافعي بسيطة: أنا أحب ما أفعله وإذا كان بإمكاني خلق شروط لإحلال السلام، أشعر بأنّه يتوجّب علي القيام بذلك. وأنا أقوم بذلك مع شعور كبير بالارتياح وهذا يكفيني تماماً. ومع ذلك، إذا تقدّمت الفرص غداً في ليبيا، فلماذا أتنازل عنها؟
• كانت الخطوة الأولى من مبادرتكم في داكار في أيار تنظيم لقاء بين مختلف الأطراف. ما كان الهدف؟
أوّلاً، تمّ تحديد جدول الأعمال من قبل المجتمعين. وهدفنا محاولة تحقيق المصالحة بين الليبيين على مبادئ أساسية التزم بها جميع الذين شاركوا في «داكار 1» وهي: دولة واحدة وحكومة مدنية وجيش يستجيب للحكومة المدنية وجهاز قضائي مستقلّ وانتخابات. لذلك، لا بدّ من حوار مفتوح يخلو من العداوة بين الليبيين. يجب وضع الماضي جانباً للتطلّع إلى المستقبل.
• ما الذي تأملونه عندما تنظّمون اجتماعاً في تركيا بين عبد الحكيم بلحاج وبشير صالح، الطرفين المتناقضين من طيف الإيديولوجية الليبية؟
في هذا النوع من الاجتماعات تُحدّد نقاط التقارب وتوضع نقاط الاختلاف جانباً. انتُقد هذا الاجتماع بشدّة من قبل مناصري الطرفين، لكنّه سمح بالاتفاق على المبادئ التي استُند إليها في «داكار 1». فطلبت منهم مساعدتي في تنظيم اجتماع للجهات الليبية في أفريقيا. وكان بلحاج وصالح المحركين الأوّلين لداكار.
• هل يُشكّل المارشال حفتر عنصراً لا غنى عنه من أجل تحقيق السلام؟
المرشال حفتر هو واحد من أولئك الذين سيكون من الضروري أخذهم في الحساب لتحقيق السلام، هذا أمر واضح. لكن ليس بمقدور مؤسستنا أن تقدر قيمة تمثيل أحد الأطراف الليبية، مقارنةً بالأطراف الأخرى، كما أنّه ليس من مهامنا الحكم على ذلك. المارشال حفتر مواطن ليبي، ويمثّل جزءًا من الرأي الليبي، وله الحق في ذلك، ونحن ندعوه للمشاركة في مؤتمر داكار. وذلك على قدم المساواة مع بلحاج، وسيف الإسلام وغيرهما.
• لقد وصفتم سيف الإسلام القذافي بـ«رمز المصالحة». هذا يبدو كدعم لإدراج القذافيين في اللعبة الليبية.
أنا لست قذافيّاً، أنا أعتبر ببساطة أنّه لا يمكننا تجاهل أولئك الذين يطلق عليهم اسم القذافيين في المعادلة الليبية. جميعهم لديهم الحقّ في إسماع أصواتهم، حتى أولئك الذين كانوا قذافيين. لا يجب إسكاتهم كما في الصخيرات. إستعادة سيف الإسلام كامل قدرته على العمل، وهذا ما أتمنّاه، رمز للمصالحة بالفعل.
• ما وزن «القذّافية» على الساحة السياسة الليبية؟
يجسدّها أوّلاً المنفيون الذين فروا من البلاد خوفاً من القمع. ويُقدّر عددهم بمئات الآلاف، ولكن أيضاً المنفيون داخلياً الذين ذهبوا بحثاً عن ملجأ لدى القبائل. ويُمثّلها أيضاً الذين يشعرون بالحنين إلى الماضي، في بلد يعرف نقصاً في المياه والكهرباء وتسود فيه حال انعدام الأمن. أمّا الّذين ناضلوا ضدّ القذافي، فهم يعترفون جميعاً بأنّه، على الرغم من كل شيء، قد ترك القذّافي إرثاً يمكن الاعتماد عليه في المستقبل.
• ماذا تأملون في الدورة الثانية؟
كان «داكار 1» إثباتاً أنّ الليبيين من مختلف الانتماءات السياسية يمكنهم الجلوس حول الطاولة نفسها. صحيح أنّه غاب أشخاص مهمّون، لكنّ حفتر أرسل مندوبَين غادرا لأنّهما لا يريدان الجلوس مع بعض الشخصيات. لديّ اليوم مؤشّرات تجعلني أتفاءل بشأن مشاركته في «داكار 2». كان «داكار 1» ناجحاً ويُعتبر خطوة نحو «داكار 2»، الذي سيكون هو أيضاً مرحلة. لن يدّعي «داكار 2» حلّ المشكلة الليبية نهائياً، لكنّنا نحرز تقدّماً.
• كيف يجب التعاطي مع الجرائم المرتكبة خلال الحرب ومسألة الدِّيَة التي تطالب بها مختلف الجهات الفاعلة؟
في رأيي، إنّ أكثر منهجيّة تتّسم بالمسؤولية تنطوي على التأجيل كما في إسبانيا وتشيلي: تُؤجّل محاكمة مختلف الأطراف إلى 20 عاماً، ما يساعد في تهدئة القلوب. في التقاليد الليبيّة، تتفهّم القبائل التأجيل فلماذا لا يعتمدونه؟ أنا أرى أنّ هذا النظام مثير للاهتمام، لكنّ هيئة إنصاف ومصالحة، كما هو الحال في جنوب أفريقيا، لن تجدي نفعاً في ليبيا.
• ما الفرق بين مبادرتكم والمبادرة الفرنسية؟
كل ما يجعلنا نتقدّم على طريق السلام يكون في الاتجاه الصحيح. إنّ الرئيس ماكرون يعمل من أجل ذلك على مستوى المؤسّسات. ولكن بالنّسبة إليّ، يجب صنع السّلام بين الليبيين على الأرض، وليس مع المنظمات التي يتمّ إنشاؤها بواسطة اتفاقات دولية وحسب.
• لماذا يواجه تشكيل حكومة الاتفاق الوطني صعوبة إلى هذا الحدّ؟
هل أخذ هؤلاء الذين ساعدوا فايز السراج ليصبح رئيساً للحكومة بعين الاعتبار كلّ أنحاء الساحة السياسية الليبية؟ وهؤلاء الليبيون الذين لم يُعطوا حتى الفرصة للتعبير عن رأيهم، لما عليهم أن يدعموا شخصاً لم يُستشاروا بشأن تعيينه؟ يجب ألا ننسى أنّ ليبيا مؤلّفة من قبائل ومدن، فتجاهل هذه العوامل، والرغبة في فرض حكم لا ينبثق من هذه المعطيات الأساسيّة يؤدّي إلى الفشل.
• اين تقع مبادرتك تجاه عملية الوساطة التي يقوم بها الاتحاد الافريقي بقيادة الكونغولي "دينيس ساسو نغيسو"؟
كان "دينيس ساسو نغيسو" رئيساً لمجموعة الاتحاد الافريقي التي تفاوضت مع القذافي في عام 2011؛ لكن كان ذلك بعد فوات الاوان. لقد كانت الخطيئة الاصلية لأفريقيا عند تصويتها في مجلس الامن، حيث سمحت جنوب أفريقيا للقوات الاجنبية بالتدخلّ في بلد افريقي. ونهجنا يمثل في العمل على تدارك هذا الخطأ، والذي تم الاعتراف به على هذا النحو. إنّ الاتحاد الافريقي يشعر بالمسؤولية، ومن ثم فهو يرغب في المساعدة على تحقيق السلام في ليبيا، وبما يتماشى مع دور مؤسسة برازافيل؛ وسوف يكون عملنا أمراً مساعداً ومحضراً لمؤتمر السلام الذي ينوي الاتحاد الافريقي تنظيمه.
• تعدّد الجهات الفاعلة على الأرض يُعقّد عملك ...
المشكلة الليبية تتكوّن من مصالح دول معيّنة. لا يسعى هؤلاء بالضرورة إلى إيصال أتباعهم إلى السلطة، بل إلى منع البعض من الوصول إليها. وتتعارض نزعتان: يرغب البعض بإرساء ديكتاتورية عسكرية من النوع المصري، ويعتزم البعض الآخر على العكس إنشاء حكومة مدنية يهيمن فيها الإخوان المسلمون. هناك أيضاً مشكلة الهجرة ومشكلة الإرهاب اللتان تقلقان كلّ دول المنطقة. وتدافع إيطاليا وفرنسا من جهتهما عن مصالحهما الاقتصادية المحتملة: فمن المفترض أن تكون ورشة إعادة إعمار ليبيا أهمّ ورشة في العالم، ناهيك عن مسألة الطاقة. تتعدّد إذاً المصالح وفي هذه القضية، نسينا 6 ملايين ليبي لا تُسمع أصواتهم.
• هناك موعد استحقاق في انتظار ليبيا: الاستفتاء الدستوري (في 17 أيلول) والانتخابات الرئاسية في 10 كانون الأوّل. هل هذان التاريخان واقعيّان؟
ما أسمعه من جميع الجهات حول هذا الموضوع ، هو أنّهما غير واقعيين، ولكن ليس من شأني أن أقول هذا. مشكلتي هي في اتّخاذ الخطوات لجمع الليبيين مرة ثانية. ولا تستهدف مبادرتي أحداً، بل على العكس سوف تسهّل وتواكب عمليّة السلام.