الشعور بالذنب مُدمِّر... ويمكن تخطّيه
ساسيليا دومط
Saturday, 06-May-2017 00:06
خوف مزيّف، غير منطقي، يُعرَف بـ»جلد الذات»، أو تأنيب وعذاب الضمير. شعور بالندم ولوم النفس على أمور قام بها الفرد أو لم يقم بها. مثال على ذلك صرخة فاليري، أم لطفلتين في سن الخامسة والسابعة، يتآكلها الشعور بالذنب لأنها تترك الفتاتين وتذهب إلى العمل: «أنا أعيش بخوف دائم من أن أقصّر في القيام بدوري كأم، أو أن تشعر البنات بغيابي. بالإضافة إلى أنني أعاني وبشكل مستمر من أن يحدث طارىء سيّئ أثناء غيابي. أنا أعلم بأنّ أمي تعتني بهما جيداً، فهي تسكن معي لمساعدتي في تربيتهما، بالإضافة لوجود مدبرة منزل تهتم بتلبية حاجاتهما، إلّا أنني لا أشعر بالراحة والهدوء طالما أنا خارج البيت. شعور مقلق، متعب، مدمِّر، وهو يزداد يوماً بعد يوم، ويُشعرني بالحزن الشديد والإكتئاب. أتعبني هذا الشعور، أريد التخلص منه، فما الحل؟»
العلاقة وثيقة بين الشعور بالذنب والإكتئاب، لا بل يُعتبر الأول من أهم مسبّبات الأخير، ويؤدي ذلك إلى آلام نفسية وجسدية كثيرة.

• جسدياً: تُسبّب شدّة الشعور بالذنب مشاكلَ جسدية كثيرة، كارتفاع ضغط الدم، السكري، جلطات وانسداد في الشرايين، صعوبة في التنفس، سرطان، أمراض القلب، بالإضافة إلى مساهمتها بظهور علامات التقدّم في العمر والتعب، فترى مَن يشكو من ذلك شاحب الوجه، مفتقداً للنضارة والحيوية، في حين يضعف شعره ويتساقط، وتذبل عيناه، بالإضافة إلى معاناته من اضطراب في النوم والشهية.

• نفسياً: يتميّز هذا الشخص بالشعور بالدونية، بالخجل الزائد، ضعف الثقة بالنفس، العزلة، حال قلق وتوتّر دائمين، ضعف في التركيز، تزايد الشعور بالحزن وصولاً إلى الكآبة. وكلما كان الشعور بالذنب شديداً، كلما أصبح التجاوب مع العلاج أصعب.

يعاني من الشعور بالذنب بعض الناس دون سواهم وذلك بناءً على ركائز شخصية، عائلية وإجتماعية. مثالاً على ذلك رجل تعرّض لخيانة زوجية، دفعته إلى لوم نفسه والإحساس بعدم الثقة بالنفس، وبأنه لا يستحق حبّ الآخر، وبأنه المسؤول عن ذلك، مع أنّ الزوجة تعترف بأنها كانت على علاقة حبّ قديمة مع الشخص الآخر. تحوّل الزوج إلى شخص لجوج، غير واثق، ينتقد ذاته بشدّة، غير ناجح في عمله، متردّد، قلق إجتماعياً ويتجنّبه الجميع.
يصيب الشعور بالذنب المرأة أكثر من الرجل، وقد يعود ذلك لتأثير الهورمونات وتبدّل مزاجها في مراحل دورتها الشهرية.

لا تنعكس نتائج مَن يعاني من الشعور بالذنب على نفسه فقط، بل هو يؤثر سلباً على نفسه والمحيطين به. هو لا يميل إلى إيذاء الآخرين، إلّا أنّ نتائج الحالة التي يتعايش معها قد تكون خطيرة على محيطه بأكمله.

غالباً ما يلجأ مَن يشعر بالذنب إلى لوم نفسه وكبت مشاعره، وعدم مشاركتها مع الغير، ما يبعده عن إمكانية مواجهة الأمر الواقع، والنظرة إلى الأمور بموضوعية، من خلال رأي مَن يثق به ويتشارك معه مخاوفه. لا يستطيع رؤية حسناته، بل يركّز على السلبيات، ما يحرمه السعادة ويبعده شيئاً فشيئاً من أجواء الفرح والتسلية.

خلال رحلة صيد، تعرّض لؤي لإطلاق نار عن طريق الخطأ، ما أفقده حاسة النظر، وآلمه كثيراً، إلّا أنّ ما يزيد ألمه هو تحميل أخته لنفسها مسؤولية ذلك، كونها لم تمنعه من الذهاب في تلك الرحلة.

هي تلوم نفسها بشكل مستمر، وتتفرّغ لخدمة لؤي تعويضاً عن خطئها، وقد انقطعت نهائياً عن عملها وعن المجتمع. أخت لؤي مصابة باضطرابات في النوم والشهية، وهي تفقد وزنها بشكل سريع وملفت، وتعيش بقلق وتوتر دائمين مع شعور بالإكتئاب الشديد. يعاني الكثير من تلك المشاعر السلبية عند فقدان أحد المقربين، أو بعد حدث طارئ، وذلك بطريقة بعيدة كل البعد من المنطق والموضوعية.

هذا الشعور الدائم بالتقصير يدفع البعض إلى إدمان الكحول، الحبوب المهدّئة أو المواد المخدّرة، هروباً. إلّا أنّ ذلك يعود بردة فعل عكسية عليهم، لأنّ الشعور بالذنب سوف يمتد إلى فكرة الإدمان والتعاطي، ما يزيد بدوره المبالغة في الإعتماد على تلك المواد للتخلص من الألم.

نَقع في دوامة جلد الذات عندما تتّسع المسافة بين ما نحن عليه فعلاً، حقيقةً وواقعاً، وما نودّ أن نكونه. كلما ازدادت المسافة، ارتفع الشعور بالذنب، عدم تقدير الذات والفشل. كما تؤثر طريقة التربية في عدم تقدير الذات، ولوم النفس، كأن يوضع الأبناء بموقع مسؤولية عن الأشقاء الأصغر سناً. كذلك تؤثر سلباً التجارب السابقة من خيانات، سرقة، فشل وغيرها.

كما يساهم العيش في مجتمع منطوٍ على ذاته، يطلق الأحكام العشوائية، والخوف والهلع من الحساب والعقاب في رفع مستوى الشعور بالذنب. ويشعر بالذنب أيضاً، مَن تربى على أدوار إجتماعية معيّنة، ويعيش تغييراً على هذا الصعيد، وخير مثل على ذلك الأمهات اللواتي يتركن أبناءهن تحت رعاية الأهل طلباً للعلم والعمل، وفي أذهانهن صورة الأم التي يقتصر دورها على الإهتمام بالبيت والأولاد فقط.

كيف نتخطّى الشعور بالذنب؟

يختلف الإعتراف بمسؤولية فعلية لما قمنا به حقيقة، عن الشعور بالذنب غير الموضوعي، غير الواقعي والحقيقي، الذي لو أهملناه لأُغرقنا بآلام نفسية وجسدية لا تنتهي.

لذلك من الضروري في هذه الحال اللجوء إلى الإختصاصيين والمعالجين النفسيين للمساعدة التي قد تقتصر على بعض النصائح في بدايات الحالة، أما في مراحل متقدمة يحتاج المريض إلى جلسات إصغاء، علاج معرفي سلوكي، وفي الحالات القصوى يُحوَّل إلى الطبيب النفسي، وهو الوحيد المخوَّل وصف الدواء له.

بعض النصائح لمواجهة هذا الشعور:

• الإعتراف بالأحاسيس من لوم للذات وتحميل النفس مسؤوليةً لا علاقة لنا بها، للتمكّن من تمييز المشاعر المزيّفة عن الحقيقة الفعلية. بالإضافة إلى مناقشة ذلك مع معالج نفسي، أو أحد الأصدقاء للمساعدة.
• الإعتذار في حال ارتكاب خطأ، ومسامحة الذات على ذلك. بالإضافة إلى السعي لتصحيح الأخطاء التي قمنا بها، والتخفيف من نتائجها.
• الإبتعاد من التحليل الشخصي والأحكام، واعتماد الحكم الموضوعي قدر المستطاع.
• اعتماد الجرأة في رفض إشعار الآخر لنا بالذنب ولومنا.
• العمل على تنمية الثقة بالنفس وتقدير الذات.
• تشتيت الإنتباه وعدم التركيز على الموضوعات التي تُشعرنا بالذنب.
• إعتماد الإيجابية ومسامحة الذات.


من الأهمية بمكان، الفصل ما بين حقيقة الأمور التي نعيشها أي الموضوعية، والإنفعالات والمشاعر الشخصية تجاه الأشخاص والأحداث.
الأكثر قراءة