العقوبات الإقتصادية «الذكية».. مفهوم قديم تمّ تجديده
بروفسور جاسم عجاقة
Saturday, 04-Jun-2016 00:12
العقوبات الاقتصادية مفهوم قديم يعود إلى العام 432 قبل الميلاد، قام الأميركيون بتطويره وحولوه إلى عقوبات إقتصادية ذكية تطال الحظر على الأسلحة، تجميد الأصول، حظر سفر الأفراد والمنظمات. فكيف إستطاع الأميركيون انجاز خطوة التطوير؟ وهل المفهوم الجديد أكثر فعالية من المفهوم القديم؟
تُصنّف العقوبات الاقتصادية في خانة أدوات الدبلوماسية وتُعتبر أداة «حادة» تمتلكها الحكومات لفرض واقع لا يُمكن تغييره في السياسة أو الحرب. وتعود العقوبات الاقتصادية إلى زمن الإغريقيين (اليونانيين) حيث قاموا في العام 432 قبل الميلاد بفرض عقوبات تجارية على ميغارا (جارة إغريقيا). ومنذ ذلك الوقت، سجّل التاريخ العديد من الحصارات الاقتصادية للأعداء لاجبارهم على تغيير سلوكهم السياسي أو الاجتماعي.
لمحة تاريخية
في العام 1892 وضع البلجيكي هنري لافونتين المفهوم النظري للعقوبات الاقتصادية حيث طرح فكرة العقوبات السلمية (هنا يقصد عقوبات من دون حرب عسكرية).
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى دعا الفرنسيون إلى عزل الأمم المُتمردة عبر تطبيق عقوبات عليها. وفي العام 1919، دعا الرئيس الأميركي ويلسون إلى المقاطعة المطلقة للدول العدائية عبر منع مواطنيها من القدرة على التجارة، التواصل، أو القيام بأية أعمال تجارية مع المُجتمع الدولي.
لكن إجبار الأمم على الإمتثال عبر العقوبات لم يُتوج دائماً بالنجاح، ففي العام 1935 فشلت العقوبات الإقتصادية التي قادها المُجتمع الدولي على إيطاليا، في دفعها الى سحب قواتها من الحبشة، وسبّبت العقوبات التجارية التي فرضتها الولايات المُتحدة الأميركية على اليابان في العام 1940 بدخول الأخيرة الحرب العالمية الثانية.
في العام 1945، كرّست الأمم المتحدة مفهوم العقوبات في ميثاقها التأسيسي ووضعت القرار في يد مجلس الأمن الذي فرض عقوبات ضد حكومات الأقلية البيضاء في روديسيا وجنوب أفريقيا. وفي الوقت نفسه ناورت الدول العظمى عبر فرض عقوبات أحادية مثل العقوبات الأميركية على كوبا.
وإستمرّ الأمر على هذا النحو إلى تسعينات القرن الماضي، حيث تمّ تشديد العقوبات على حكومة جنوب أفريقيا في الثمانينات، فرض عقوبات على العراق في التسعينات، على المجلس العسكري في هايتي في منتصف التسعينات، وأنغولا في أواخر التسعينات.
نقطة التحوّل
شكّلت الهجومات الإرهابية على الولايات المُتحدة الأميركية في أيلول 2001، نقطة التحوّل في الإستراتيجية الأميركية تجاه الإرهاب. ودفعت بالأمم المُتحدة إلى فرض عدد من الإجراءات لمكافحة الإرهاب على أكثر من 180 دولة، تتضمّن هذه الإجراءات تجميد أصول وتقييد حركة الإرهابيين ومناصريهم.
لكن الملاحظ هو تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش بفرض عقوبات على أي مصرف في العالم لا يلتزم بالعقوبات التي تُفرض على الإرهابيين. وبالتحديد منع المصرف الذي لا يُطبّق العقوبات من إجراء أي عمليات تجارية ومالية في الولايات المُتحدة الأميركية. وبذلك ظهر أول تغيير للنظام العالمي فرضته الولايات المُتحدة الأميركية مُستندة بذلك على إقتصادها الذي يُشكل أكثر من ربع الإقتصاد العالمي.
لكن سرّ نجاح الطريقة الأميركية يكمن بالدرجة الأولى في أن معظم المعاملات التجارية العالمية تتم بالدولار الأميركي بما يفرض حكماً أن تتمّ التحاويل المالية عبر الولايات المُتحدة الأميركية. وبالتالي أصبحت الولايات المُتحدة الأميركية تتحكم بنظام التحويل المالي عبر نظام السويفت مما يسمح لها بمراقبة المصارف التي تُخالف العقوبات.
العقوبات الذكية
برهن عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ أن العقوبات لا تُعطي بالضرورة المفعول المطلوب من ناحية أن الناس تتأقلم مع العقوبات وأحياناً تلتف أكثر حول القيادة الإرهابية. وأضاف إن الطبيعة الجماعية للعقوبات الاقتصادية تجعلها تضرب الأبرياء سواسية مع الإرهابيين.
أخذ التغيير في الإستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب هذا الأمر بالإعتبار. وأظهرت التحقيقات التي قامت بها السلطات الأمنية الأميركية أن مُنفذي الهجومات كانو يتمتعون بتمويل هائل يفوق قدرات منظمة إرهابية لا بل يشمل دولا تُموّل هذا الإرهاب مُستخدمة النظام المصرفي العالمي والأميركي بالتحديد. من هنا ظهرت فكرة العقوبات الذكية لإستهداف المنظمات والدول الإرهابية بشكل موجع أكثر وفي نفس الوقت عدم إلحاق الضرر بالأبرياء في الدول الإرهابية.
وهنا أخذت العقوبات الإقتصادية طريقها مع فرض عقوبات على العراق تطال صدام حسين والمجموعة المُقرّبة منه وذلك في العام 2003، تبعتها عقوبات على النظام الليبي بقيادة معمر القذافي في العام 2004 وعقوبات على نظام كيم جونغ في كوريا الشمالية في العام 2006 (طالت العقوبات على كوريا ساعات الرولكس المُحبّذة لدى كيم جونغ). كما تمّ تشديد العقوبات في العام 2006 على نظام طهران عبر إستهداف القادة ومعاونيهم والأشخاص الذين يقومون بعمليات لصالحهم.
القوانين الوطنية
إن التعقيدات التي تطال مراقبة النظام العالمي لا تسمح برصد كل عمليات تمويل الإرهاب. على سبيل المثال، يُمكن إستخدام قنوات شرعية مثل شركات الأوفشور والسرية المصرفية وغيرها بهدف نقل أموال من دولة إلى دولة بدون أن يكون هناك أي قدرة على رصد العملية خصوصاً إذا ما كانت مدموجة بعملية إقتصادية.
من هذا المُنطلق، الحكومة الأميركية بالطلب من الدول الأخرى سنّ تشريعات مماثلة تحت طائلة العقوبات الإقتصادية عليها. وبالتالي، قامت هذه الدول بالتراجع الواحدة تلو الأخرى حيث أجبرت سويسرا على التخلّي عن السرية المصرفية وقام لبنان بالتصويت على قوانين لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ونقل الأموال عبر الحدود.
وبذلك إنتقلت العقوبات من عقوبات عامة على الدول إلى عقوبات تطال أشخاص ومنظمات داخل الدول تحت مظلة قوانين هذه الدول.
من هنا نستنتج أن الإستراتيجية الأميركية إستخدمت أداة إقتصادية أكثر فعالية من الماكينة العسكرية من ناحية أنها تُقلّل من الضرر على الأبرياء. ويُمكن الإستنتاج أنه ومع التكتلّ الهائل الذي تجمعه الولايات المُتحدة الأميركية حولها، من شبه المُستحيل تفادي عقوبات ذكية تفرضها الولايات المُتحدة الأميركية على دولة، منظمة أو أشخاص.
لمحة تاريخية
في العام 1892 وضع البلجيكي هنري لافونتين المفهوم النظري للعقوبات الاقتصادية حيث طرح فكرة العقوبات السلمية (هنا يقصد عقوبات من دون حرب عسكرية).
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى دعا الفرنسيون إلى عزل الأمم المُتمردة عبر تطبيق عقوبات عليها. وفي العام 1919، دعا الرئيس الأميركي ويلسون إلى المقاطعة المطلقة للدول العدائية عبر منع مواطنيها من القدرة على التجارة، التواصل، أو القيام بأية أعمال تجارية مع المُجتمع الدولي.
لكن إجبار الأمم على الإمتثال عبر العقوبات لم يُتوج دائماً بالنجاح، ففي العام 1935 فشلت العقوبات الإقتصادية التي قادها المُجتمع الدولي على إيطاليا، في دفعها الى سحب قواتها من الحبشة، وسبّبت العقوبات التجارية التي فرضتها الولايات المُتحدة الأميركية على اليابان في العام 1940 بدخول الأخيرة الحرب العالمية الثانية.
في العام 1945، كرّست الأمم المتحدة مفهوم العقوبات في ميثاقها التأسيسي ووضعت القرار في يد مجلس الأمن الذي فرض عقوبات ضد حكومات الأقلية البيضاء في روديسيا وجنوب أفريقيا. وفي الوقت نفسه ناورت الدول العظمى عبر فرض عقوبات أحادية مثل العقوبات الأميركية على كوبا.
وإستمرّ الأمر على هذا النحو إلى تسعينات القرن الماضي، حيث تمّ تشديد العقوبات على حكومة جنوب أفريقيا في الثمانينات، فرض عقوبات على العراق في التسعينات، على المجلس العسكري في هايتي في منتصف التسعينات، وأنغولا في أواخر التسعينات.
نقطة التحوّل
شكّلت الهجومات الإرهابية على الولايات المُتحدة الأميركية في أيلول 2001، نقطة التحوّل في الإستراتيجية الأميركية تجاه الإرهاب. ودفعت بالأمم المُتحدة إلى فرض عدد من الإجراءات لمكافحة الإرهاب على أكثر من 180 دولة، تتضمّن هذه الإجراءات تجميد أصول وتقييد حركة الإرهابيين ومناصريهم.
لكن الملاحظ هو تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش بفرض عقوبات على أي مصرف في العالم لا يلتزم بالعقوبات التي تُفرض على الإرهابيين. وبالتحديد منع المصرف الذي لا يُطبّق العقوبات من إجراء أي عمليات تجارية ومالية في الولايات المُتحدة الأميركية. وبذلك ظهر أول تغيير للنظام العالمي فرضته الولايات المُتحدة الأميركية مُستندة بذلك على إقتصادها الذي يُشكل أكثر من ربع الإقتصاد العالمي.
لكن سرّ نجاح الطريقة الأميركية يكمن بالدرجة الأولى في أن معظم المعاملات التجارية العالمية تتم بالدولار الأميركي بما يفرض حكماً أن تتمّ التحاويل المالية عبر الولايات المُتحدة الأميركية. وبالتالي أصبحت الولايات المُتحدة الأميركية تتحكم بنظام التحويل المالي عبر نظام السويفت مما يسمح لها بمراقبة المصارف التي تُخالف العقوبات.
العقوبات الذكية
برهن عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ أن العقوبات لا تُعطي بالضرورة المفعول المطلوب من ناحية أن الناس تتأقلم مع العقوبات وأحياناً تلتف أكثر حول القيادة الإرهابية. وأضاف إن الطبيعة الجماعية للعقوبات الاقتصادية تجعلها تضرب الأبرياء سواسية مع الإرهابيين.
أخذ التغيير في الإستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب هذا الأمر بالإعتبار. وأظهرت التحقيقات التي قامت بها السلطات الأمنية الأميركية أن مُنفذي الهجومات كانو يتمتعون بتمويل هائل يفوق قدرات منظمة إرهابية لا بل يشمل دولا تُموّل هذا الإرهاب مُستخدمة النظام المصرفي العالمي والأميركي بالتحديد. من هنا ظهرت فكرة العقوبات الذكية لإستهداف المنظمات والدول الإرهابية بشكل موجع أكثر وفي نفس الوقت عدم إلحاق الضرر بالأبرياء في الدول الإرهابية.
وهنا أخذت العقوبات الإقتصادية طريقها مع فرض عقوبات على العراق تطال صدام حسين والمجموعة المُقرّبة منه وذلك في العام 2003، تبعتها عقوبات على النظام الليبي بقيادة معمر القذافي في العام 2004 وعقوبات على نظام كيم جونغ في كوريا الشمالية في العام 2006 (طالت العقوبات على كوريا ساعات الرولكس المُحبّذة لدى كيم جونغ). كما تمّ تشديد العقوبات في العام 2006 على نظام طهران عبر إستهداف القادة ومعاونيهم والأشخاص الذين يقومون بعمليات لصالحهم.
القوانين الوطنية
إن التعقيدات التي تطال مراقبة النظام العالمي لا تسمح برصد كل عمليات تمويل الإرهاب. على سبيل المثال، يُمكن إستخدام قنوات شرعية مثل شركات الأوفشور والسرية المصرفية وغيرها بهدف نقل أموال من دولة إلى دولة بدون أن يكون هناك أي قدرة على رصد العملية خصوصاً إذا ما كانت مدموجة بعملية إقتصادية.
من هذا المُنطلق، الحكومة الأميركية بالطلب من الدول الأخرى سنّ تشريعات مماثلة تحت طائلة العقوبات الإقتصادية عليها. وبالتالي، قامت هذه الدول بالتراجع الواحدة تلو الأخرى حيث أجبرت سويسرا على التخلّي عن السرية المصرفية وقام لبنان بالتصويت على قوانين لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ونقل الأموال عبر الحدود.
وبذلك إنتقلت العقوبات من عقوبات عامة على الدول إلى عقوبات تطال أشخاص ومنظمات داخل الدول تحت مظلة قوانين هذه الدول.
من هنا نستنتج أن الإستراتيجية الأميركية إستخدمت أداة إقتصادية أكثر فعالية من الماكينة العسكرية من ناحية أنها تُقلّل من الضرر على الأبرياء. ويُمكن الإستنتاج أنه ومع التكتلّ الهائل الذي تجمعه الولايات المُتحدة الأميركية حولها، من شبه المُستحيل تفادي عقوبات ذكية تفرضها الولايات المُتحدة الأميركية على دولة، منظمة أو أشخاص.
الأكثر قراءة