على مسافة 20 يوماً من جلسة انتخاب الرئيس المقرّرة في 9 كانون الثاني المقبل، ينقص عدّاد الأيام وترتفع سخونة المعركة، وكل الأحجار التي تُرمى في مستنقع الاستحقاق الرئاسي، تحرّك المياه الراكدة لكنها لا تسمن ولا تغني من معرفة هوية سيّد قصر بعبدا العتيد، فعلى العكس فإنّ الأمور تزداد تعقيداً وتجعل الجلسة في مسار ضبابي... وآخرها تطوّران بارزان خلطا الأوراق: عدم انسحاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من لائحة المرشحين، وتسمية الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لقائد الجيش العماد جوزف عون. في الوقت الذي تؤكّد أوساط واسعة الاضطلاع، أنّ مفاجأة الرئاسة ربما ستحصل في الربع الساعة الأخير.
واكّد مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية»، انّ احتمال التوافق على أي من الأسماء المطروحة ضعيف جداً، فـ«الفيتوات» من هنا او هناك غير معلنة في الشكل، ولكن عند النقاش تبرز في وضوح، وحتى الآن إحصاءات الصوت على الصوت لمن أعلن مرشحه ولمن يميل او يتّجه إلى الإعلان، لا يمكن البناء عليها أبداً، لأنّها لا تتعدى نصف المئة، فكيف برئيس توافقي هناك اقتناع تام بأنّه يجب ان يحصل على 86 وما فوق ليتمكن من الحكم!!!».
وكشف المصدر، انّ دعم كتلة جنبلاط الدرزية وبعض المستقلين لقائد الجيش، لم يغيّر شيئاً. فـ«الثنائي الشيعي»، بحسب المصدر لا يضع «فيتو» على عون لكنه يرفض تعديل الدستور، وهذا الموقف هو التزام بالدستور، ثم انّ وجوه المرشحين من الفئة الجديدة تظهر في شكل يومي وتعقد اجتماعات عدة بعيداً من الإعلام وآخرها سمير عساف الذي تقصّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إظهار زيارته لمعراب في الإعلام على غير عادة».
وقال المصدر: «إنّ «الثنائي» وبعض الكتل لم يبدوا أي موقف تجاه ترشيح جعجع طالما أنّ الأخير لم يعلن هذا الأمر رسمياً، فالأمور لا تُبنى على افتراضات، والأوراق لم تُكشف كلها بعد»، يقول المصدر، مؤكّداً انّه حتى الآن كل الأسماء جدّية إلى ان يثبت العكس.
صورة ضبابية
وإلى ذلك، أكّدت مصادر تواكِب الاتصالات في شأن الملف الرئاسي لـ«الجمهورية»، أنّ «صورة جلسة 9 كانون الثاني لا تزال ضبابية على رغم من المؤشرات التي توحي احياناً باقتراب التفاهم على هذا المرشح او ذاك». وأشارت إلى «انّ قرار رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بالاستمرار في ترشيحه وربط انسحابه بالتوافق على شخصية وازنة إنما يعكس الغموض الذي لا يزال يحوط بمسار الاستحقاق الرئاسي ووجهة جلسة 9 كانون».
ولفتت المصادر إلى «صعوبة فوز اي مرشح ما لم يحصل على موافقة الكتلتين المسيحيتين النيابيتين الكبيرتين او إحداهما على الاقل، إلى جانب كتل أخرى، بحيث يتمكن من نيل اكثرية مريحة ومحصنة بالشرعية المسيحية في الوقت نفسه».
ولاحظت المصادر «انّ بعض مكونات اللجنة الخماسية بادرت اخيراً إلى تفعيل دورها في المشاورات الرئاسية»، لافتة إلى «انّ التحول الدراماتيكي في الساحة السورية قد يكون ترك أثراً على حسابات بعض القوى الخارجية حيال الملف اللبناني».
المعارضة مرتبكة
وفي السياق، بدت أجواء المعارضة المسيحية في وضعية ارتباك أمس. وقالت مصادرها لـ«الجمهورية» إنّ «مردّ الإرباك لا يعود إلى عدم اقتناعها بترشيح قائد الجيش الذي تربطها به علاقات ثقة لا تحتاج إلى إثبات، بل هو احتمال وقوع الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في فخ يُراد منه إحراق عون والمرشح الذي يمكن أن تتوافق عليه المعارضة في آن معاً».
وتخشى المصادر «أن يكون الهدف من استعجال جنبلاط تسمية مرشحه، استباق تسمية المعارضة لمرشحها، فيما تتحسن حظوظها لإيصال هذا المرشح إلى سدّة الرئاسة. فالمعارضة، في ضوء التطورات المتسارعة، باتت تمتلك هامشاً أكبر لإحداث تغييرات في «ستاتيكو» السلطة الذي كان سائداً منذ سنوات، والذي تميل فيه الكفة لمصلحة «حزب الله» وحلفائه». ووفق هذه المصادر، «تخشى المعارضة أن تكون عرضةً لعملية التفاف هدفها قطع الطريق على أي محاولة منها لتغيير هذا «الستاتيكو»، بدءاً بموقع رئيس الجمهورية.
جنبلاط وترشيح عون
في غضون ذلك، قال جنبلاط أمس في لقاء مع مجلس العلاقات العربية – الأميركية: «اخترنا دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون للرئاسة، لأنّه يمثل مؤسسة مهمّة وقام بعمل ممتاز من أجل استقرار لبنان، وهو مهمّ جداً في هذه المرحلة للاستقرار والأمن في البلد». واضاف: «أفضل انتخاب رئيس للجمهورية خلال عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، وهذا لا يعني أنني أوافق على سياسته. لقد رأينا ما حصل في غزة، لكن لا يجب انتظار الإدارة الأميركية الجديدة، وقد رأينا نماذج من ستضمّ».
وتمنّى «انتخاب رئيس في جلسة 9 كانون الثاني»، وقال: «أعتقد أنّ جوزف عون مرشح مدعوم من الإدارتين الأميركيتين القديمة والجديدة». ورأى جنبلاط، أنّ «الاستقرار في سوريا ضروري للاستقرار في لبنان»، وقال: «سوريا تحتاج إلى فرصة ومساعدة، وسأزورها الأحد ( بعد غد) مع «الحزب التقدمي الاشتراكي» وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبو المنى».
«حزب الله»
في المقابل، أكّد نائب رئيس المجلس السياسي في «حزب الله»، محمود قماطي، تمسك الحزب بدعم ترشيح فرنجية، مشيرًا إلى أنّ «هذا الموقف ثابت طالما ظل فرنجية مرشحًا لهذا المنصب». وأضاف في حديث إذاعي أنّ «حزب الله» لم يتلق أي إشعار بانسحاب فرنجية من السباق الرئاسي»، موضحًا أنّ «موقف الحزب في دعمه لهذا الترشيح لن يتغير». وانتقد «المشروع الذي يطرحه الفريق الآخر في لبنان، الذي يسعى إلى ترشيح أكثر من شخصية للرئاسة». وأوضح أنّ «هناك تباينًا في المواقف داخل الكتل السياسية، حيث توجد تكتلات مسيحية غامضة حول ترشيح الرئيس، فيما يعلن البعض عن رفضهم لموقف «حزب الله». وشدّد على أنّ «حزب الله» يدعم ترشيح فرنجية، وهو موقف ثابت لم يتغير».
الخروقات الإسرائيلية
وعلى صعيد اتفاق وقف اطلاق النار وغداة اجتماع الناقورة للجنة الإشراف عليه، تواصلت الخروقات الاسرائيلية لهذا الاتفاق. إذ لليوم الثالث على التوالي عملت الجرافات الاسرائيلية على تدمير وجرف منازل في الأحياء الداخلية في بلدات الناقورة وطير حرفا وبني حيان فضلًا عن تنفيذ تفجيرات متتالية على أطراف بلدة علما الشعب، قبالة موقع حانيتا. فيما كشفت وحدات من قوات «اليونيفيل» على الأودية الواقعة عند مجرى نهر الليطاني في ظل تحليق للمسيّرات التجسسية الإسرائيلية على علو منخفض في أجواء المنطقة.
وناشدت بلدية بني حيان «الحكومة اللبنانية وجيشنا الوطني الذي نثق به والمجتمع الدولي والهيئة المولجة مراقبة تنفيذ مضمون القرار 1701، بالعمل الفوري على إجبار العدو الإسرائيلي على الخروج والانسحاب من بلدتنا بني حيّان الذي، يُمعن منذ صباح يوم الأربعاء 18/12/2024 ولا يزال، بتدمير منازل البلدة وأماكن العبادة فيها وتجريف البنية التحتية دون رادع».
واشار عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» ابراهيم الموسوي في احتفال تأبيني في الضاحية الجنوبية لبيروت امس، إلى «الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، تحت أعين لجنة المراقبة والأمم المتحدة وكل العالم»، وقال: «إنّ ما يحدث من تدمير للمباني في الأماكن التي لم يتمكن العدو من دخولها أثناء الحرب، يدل إلى عجزه خلال المواجهة مع أبطال المقاومة. هذا هو دليل قاطع أنّ المقاومة هي من تحمي لبنان، أرضه، سيادته وشعبه». وشدّد على أنّ «الخط والنهج مستمران، رغم كل التحدّيات، ونحن على المستوى الداخلي سنكون الأقوياء دائمًا، مهما فعل البعض».
مسؤول أميركي إلى دمشق
وفي تطور لافت على الصعيد الحدث السوري، وفي زيارة هي الأولى لمسؤول أميركي إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تصل المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية، باربرا ليف، إلى دمشق في الأيام المقبلة. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال الأسبوع الماضي، إنّ الولايات المتحدة كانت على اتصال مباشر مع جماعة المعارضة الإسلامية السنّية «هيئة تحرير الشام» (HTS)، التي قادت الهجوم الذي أطاح نظام الأسد.