الحدث في السعودية غداً، مع انعقاد القمة العربية في دورتها العادية الثانية والثلاثين في مدينة جدة، والبارز الاساس فيها المشاركة الناقصة للبنان في هذه القمة، على مستوى رئيس حكومة تصريف الاعمال، بدلاً من رئيس الجمهورية المحبوس في مغارة الصراعات الداخلية، وكذلك مشاركة سوريا لأول مرة منذ 12 سنة ممثّلة بالرئيس السوري بشار الاسد.
ولا تكمن أهمية هذه القمة في كونها تجتمع بكامل النصاب العربي فحسب، بل في كونها متزامنة مع جو عربي واقليمي تحكمه الرغبة في إطفاء نقاط التوتر سواء ما بين الدول العربية، وكذلك ما بينها وبين ايران، وهو ما تجلّى بالاتفاق السعودي الايراني، وكذلك في إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية بعد انقطاع امتدّ الى بدايات الازمة السورية. وايضا في كون هذه القمة، وكما جرى التمهيد لها، ترتكز على تفعيل آلية العمل العربي، وعلى اولوية ترتيب البيت العربي وتحصينه امام التطورات السياسية والتحديات المالية والاقتصادية وغير ذلك، التي تتسارع على الساحة الدولية.
مشهد كئيب
لبنان، الذي يُعرَّف عنه دائماً بأنه ركن أساسي في البيت العربي وعضو مؤسّس في جامعة الدول العربية، لا يدخل إلى القمة العربية بكامل هيبته ومعنوياته اللتين يضفيهما بالتأكيد حضور رئيس الدولة في هذا الحدث، بما له من مكانة ورمزية، إلى جانب نظرائه من القادة العرب، بل يدخل الى هذه القمة من باب الضعف والهوان، مكسور الجناح يتوسّل من يواسيه ويقف على خاطره. هذا المشهد الكئيب، ليس صناعة عربية أو دولية، بل هو صناعة لبنانيّة مئة في المئة، تشاركت فيها مكونات داخلية عابثة، لم يتأتَّ منها سوى صبيانيات ومراهقات، قدمت من خلالها النموذج الأسوأ في التدمير الذاتي، في شلّ وتعطيل الحياة السياسية في لبنان، وفي الحطّ من شأنيّة هذا البلد وقدره، ودوره ومكانته وموقعه وحضوره بين اشقائه العرب، وسائر دول الجمتمع الدولي.
أما وأنّ القمة ستنعقد، فإنّها تشكل فرصة للبنان الممثّل فيها برئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، لأن يخاطب اشقاءه العرب من موقع الشقيق الاصغر الذي ينتظر أن يتلقف الشقيق الاكبر يده، ويمدّه بما يمكّنه من الصمود امام العاصفة المالية والاقتصادية التي تعصف به وتهدد كيانه بالتداعي. والعبرة ليست في ما ستقرره القمة في بيانها الختامي تجاه لبنان، حيث سيفرز حيّزاً للملف اللبناني، ويؤكد على اولوية تقديم المساعدة للبنان، معطوفة على اولوية تتقدم عليها، وتلقي على اللبنانيين كامل المسؤولية في أن يعملوا على انقاذ بلدهم، وانجاز استحقاقاتهم الدستورية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة تفي بالتزامات الانقاذ والاصلاح، بل ان العبرة تبقى في الترجمة العملية للعواطف التي ستُبدى تجاه بلد دفعت به ازمته الى حال بين الموت والحياة، وكذلك في التفاعل الايجابي معها من قبل المكونات اللبنانية المتصارعة.
وكانت الاجتماعات التحضيرية للقمة قد انطلقت في جدة امس، باجتماع على مستوى وزراء الخارجية، وركزت خلاله الكلمات الوزارية على التضامن العربي والعمل المشترك في مواجهة التحديات العالمية، وبرزت في السياق كلمة وزير الخارجية الجزائري احمد عطاف، الذي خصّ لبنان بالتفاتة، شدد من خلالها على انّ «الاخوة في لبنان يجب ان يتفاهموا لإخراج البلاد من ازمتها الداخلية». فيما لفت تأكيد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي عقد لقاء بينه وبين وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب، ضرورة عودة اللاجئين السوريين الى سوريا»، مشيرا الى «أنّ سوريا ترحّب بكل أبنائها». أضاف «سواء شجعت الدول الغربية عودتهم أو لم تشجعها فأهلاً بهم في بلدهم». وقال ان سوريا «تتطلع لأن يكون الدور العربي فاعلا في مساعدة اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلدهم»، مشيرا إلى أن «إعادة الإعمار ستسهل عودة هؤلاء اللاجئين».
وموضوع القمة، كان مدار بحث بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، حيث اكتفى ميقاتي بعد اللقاء بالقول ان «اللقاء ايجابي كالعادة وعرضنا النقاط التي سأتطرق اليها في القمة العربية».
الصبيانيات: تعطيل
واذا كانت الصّبيانيات السياسية بحسب ما تؤكد مصادر مواكبة للحراكات على الخط الرئاسي لـ»الجمهورية» قد حرمت لبنان من أن يظهر كدولة مكتملة وبكامل اناقتها الرئاسية في قمة جدة، فإنها ما زالت تحرمه من أن يلتقط الفرصة العربية والدولية المتاحة أمامه لأن يسلك مسار اعادة تكوين سلطاته وتنظيم حياته السياسية، دخولاً من الممرّ الإلزامي المتمثل بانتخاب رئيس للجمهوريّة».
وتشير المصادر الى ان هذا الحرمان يتبدّى في الإمعان في سياسات التصادم والتعطيل ذاتها، وفي بناء الحيطان العالية امام دعوة شقيقة او صديقة الى التوافق على رئيس، وكذلك امام اي جهد او مسعى، كالذي اندرجَ في سياقه الحراك الأكثر من ايجابي، للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، لنزع العوائق والعراقيل من الطريق الرئاسي، وحمل المكونات السياسية على الاقتناع بأن الضرر الكبير الذي جَناه لبنان منذ بداية الأزمة وحتى الآن، سيكون أكبر بكثير إذا ما استمرّ الحال على ما هو عليه، بلا رئيس للجمهورية وبلا حكومة فاعلة تضعه على سكة الإصلاح والإنفراج، وبالتالي حملها على التسليم باللعبة الديموقراطية وكسر حيطان التعطيل لانعقاد مجلس النواب في جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، تنهي الوضع المشوّه في رئاسة الجمهورية بفراغ تُنذر التباينات التي ما تزال قائمة بأنه مفتوح على مديات طويلة الى أن يقضي الله امراً كان مفعولاً».
واللافت في هذا السياق، ما قاله مسؤول كبير ردا على سؤال لـ»الجمهورية» عما اذا كان ثمة دواء متوفّر لانقاذ لبنان من المنحى الصبياني الذي يعطّله: لم اشهد في حياتي هذا العقوق وهذا النهج من الأذية، كالذي يتعرض له لبنان. اقول جازماً بأنّ ثمة اطرافاً في البلد تقول في العلن شيئاً، اما في عمقها وحقيقتها فلا تريد انتخاب رئيس الجمهورية، ولا تشكيل حكومة، ولا لمجلس النواب ان يعمل، ولا التوافق او التفاهم على ابسط البديهيات، ولا أن تسلم اداراته ومؤسساته من الهريان الذي يطيح بها، وأبعد من ذلك لا تعبأ بما أصاب الناس، فقط تريد التخريب والتوتير والتعطيل التي تستمد منها قوة استمرارها وتربّعها على ساحاتها وتحمكها بها. وإن كنت مخطئا فليتفضلوا ويثبتوا العكس».
ولفت المسؤول عينه الى «انه لعبور هذه الاجواء بحلحلة وسلام، بتنا نحتاج الى معجزة، فلقد استبشرنا خيراً بالجهد الذي بذله السفير البخاري، وما زلنا نعوّل على هذا الجهد، الذي عكس تقدما جديا في الموقف السعودي من الملف الرئاسي، وعبّر عن رغبة صادقة لدى المملكة العربية السعودية في ان يتلاقى اللبنانيون على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن ويجنّبوا اللبنانيين مرارات الأزمة، ولكن بدل ان تلتقط هذه الفرصة، تسود لغة التحدي والتعطيل، التي تعكس بما لا يقبل ادنى شك انّ اصحابها لم يكتفوا بالاثمان الباهظة التي دفعها لبنان واللبنانيون جراء هذا المنحى، بل يريدون له أن يدفع اثماناً اكبر».
طريقان للانتخاب
واذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد حدّد 15 حزيران موعداً يفترض أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية قبله، فإنّ اجواء عين التينة تستغرب التأويلات والتفسيرات الخيالية التي شطحت الى تحليلات همايونية التي أحاطت بهذا الموعد.
واكدت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» ان الرئيس بري حدد موعد 15 حزيران بدافع الحثّ للاطراف السياسية بأن تحسم خياراتها وتتفاعل ايجاباً مع حركة الجهود والمساعي الخارجية، وان تلتقط فرصة الانفراجات الاقليمية وتلاقيها بانفراج لبناني، يُنهي الشغور في سدة الرئاسة. فضلاً عن ان سببا اضافيا أوجَب ذلك، وهو ان ثمة استحقاقات اساسية باتت داهمة، تفترض ان تكون لرئيس الجمهورية كلمته فيها، لا سيما بالنسبة الى ما خص تعيين حاكم مصرف لبنان».
وردا على سؤال، اكدت المصادر «أننا ما زلنا ندور في الدوامة ذاتها، حيث انه على الرغم مما نسمعه عن اتصالات تجري هنا وهناك، فإنّ التعطيل هو الغالب حتى الآن، وهذا يؤكد أقله حتى الآن، انّ مَن شبّ على التعطيل شاب عليه».
وقالت المصادر: «لو انه من بداية الطريق، تم التجاوب مع الدعوات المتتالية التي وجهها الرئيس بري الى الاطراف السياسية للدخول في حوار داخلي يمهّد الى التوافق على رئيس للجمهورية، لما كنّا بلغنا هذا الحال من الانسداد، بل لكنّا انتخبنا رئيساً للجمهورية منذ اشهر. امّا وقد وصلنا الى ما وصلنا اليه، فإنّ انتخاب رئيس الجمهورية في وقت قريب جدا يتم وفق خط من اثنين: الاول هو التوافق، اما الثاني فهو تحديد المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية، والنزول الى المجلس النيابي بمرشح او اثنين او اكثر، وانتخاب رئيس الجمهورية في جو ديموقراطي تنافسي، وليربح من يربح، وهو ما سبق للرئيس بري أن دعا اليه منذ اعلانه دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية».
نقاط ضعف
في هذه الاجواء، يبدو انّ الطافي نظريا على سطح المشهد الرئاسي هو الحديث عن اولوية عقد جلسة انتخابية لرئيس الجمهورية في غضون اسابيع قليلة، الا ان المعطيات المرتبطة بهذا الملف لا تؤشّر الى تحولات ايجابية في المواقف، او الى رغبات جدية في تأمين نصاب جلسة الانتخاب، فما عدا موقف ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» المحسوم لناحية دعم الوزير فرنجية كمرشح وحيد ونهائي بالنسبة اليهما، تبدو الصورة معقدة على ضفة المعارضة، او بمعنى أدق المعارضات المتفرقة في الجانب الآخر، حيث تؤكد الوقائع ان ثمة استحالة حتى الآن في اجتماع هذه المعارضات على مرشح تخوض فيه معركة الرئاسة في وجه الوزير فرنجية».
وبحسب المعلومات فإنه حتى الآن لا يمكن الجزم بإمكان حسم المعارضة خياراتها والاتفاق على قاسم انتخابي مشترك، برغم وجود مجموعة من الاسماء المتداولة في الجانب المعارض، واذا كان اسم الوزير السابق جهاد ازعور هو الاكثر تداولاً من غيره في اوساط الاحزاب المسيحية المعارضة، الا ان نقطة الضعف الاساس لهذا الخيار تتبدّى في انّ بحوراً عميقة من الخلافات الجذريّة والجوهرية تفصل ما بين هذه الاحزاب. اكثر من ذلك، وحتى ولو افترضنا انه قد أمكَن للمعارضات القواتية والكتائبية والبرتقالية، ولسبب ما او لمصالحة مشتركة، او لظروف استثنائية دافعة الى التقائها، ان تجمع على تبنّي ترشيح الوزير ازعور (وهو ما لم يحصل حتى الآن)، فإنّ النتيجة التي يمكن ان تحصدها قد لا تتجاوز النسبة من الاصوات التي كان ينالها النائب ميشال معوّض في مسلسل الجلسات الانتخابية الفاشلة التي عقدها المجلس النيابي».
وتتبدّى نقطة الضعف الثانية في انّ تلك المعارضات القواتية والكتائبية والبرتقالية متفرقة او مجتمعة، تفتقد قدرة جذب اطراف اخرى الى خياراتها، وهو ما ظهر جلياً خلال مسلسل الجلسات الفاشلة، الذي سعى فيه حزب «القوات اللبنانية» ولم يوفّق في جَمع المعارضة حول مرشّح. يضاف الى ذلك ان الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي تسلّى بتأييد ميشال معوض على مدى 11 جلسة انتخابية فاشلة، قد أخرج نفسه من الاصطفافات الانتخابية، وحسم تموضعه في وسطيته، نافضاً يده من اي مرشّح تطرحه المعارضة، ورئيس التقدمي وليد جنبلاط كان واضحا في هذا السياق بتبنّيه ترشيح شبلي الملاط، واكثر من ذلك، ذهب الى التلويح بالتصويت الابيض، حيث قال جنبلاط صراحة إننا قد نصوّت او لا نصوّت.
واما نقطة الضعف الثالثة، فتتبدّى في تعدّد الخيارات الرئاسية ضمن المعارضة التغييرية، فبعضها يماشي الموقف القواتي، ويرفض ان يماشي التيار الوطني الحر ويمت بالعداء السياسي لرئيسه النائب جبران باسيل، اما بعضها الآخر فيرفض من موقعه التغييري والسيادي الانخراط في موقع التابع لأيّ من تلك الاحزاب، بينما البعض الثالث هو معارض تغييري متمايز عن كل تلك المعارضات، وسبق له ان عبّر عن ذلك بالتصويت لمرشحين آخرين مثل الدكتور عصام خليفة.
الأمل موجود
رغم هذه الاجواء، يؤكد مرجع سياسي لـ»الجمهورية» ان الفترة الراهنة لا تعدو اكثر من مراوحة انتظارية لما قد تشهده فترة ما بعد القمة العربية من حراكات، إن على الصعيد العربي او على الصعيد الخارجي، والفرنسي تحديدا، بالتناغم مع الحراك السعودي المستمر. وربطاً بما يؤكده الديبلوماسيّون حول تزخيم منتظر لحركة المساعي والجهود على اكثر من خط داخلي وخارجي، على قاعدة ان الوقت قد حان لحسم الملف الرئاسي في لبنان، فإنّ ذلك يعزّز الاعتقاد بأنّ الأمل ما يزال موجوداً في امكان حصول اختراق جدي في الجدار الرئاسي، ينفذ من خلاله لبنان الى صيف رئاسي، وضمن مهلة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة الى اربعة اسابيع على ابعد تقدير».
قطر: لا اجتماع
في سياق عربي متصل بالملف الرئاسي، قال مستشار رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري انه أن لا يوجد حالياً أي اجتماع حول لبنان في الدوحة.
وخلال إحاطة إعلامية عقدتها وزارة الخارجية القطرية، أوضح أنّ الدور القطري مستمر في تقريب وجهات النظر، وأن الخارجية القطرية تقوم بالاتصالات بين الجهات المختلفة، ومستمرة في القيام بدورها الإيجابي بالتنسيق مع الجهات الإقليمية والدولية.