في السياسة، واقع متحجّر وقطيعة كاملة، وعلى ما يؤكّد كل المعنيين بملف التأليف، فالامور مقفلة نهائياً، لا كلام في السياسة ولا في الحكومة، ولا احد يتكلم مع احد، ولا أحد يحاول أن يقترب او يتقرّب من احد، ولا أحد يقبل بطرح احد، هناك تسليم قاطع على كل المستويات بأنّ البلد انهار بالكامل، لم يبق فيه شيء، الكهرباء تلفظ انفاسها الاخيرة، الاحتياط في المصرف المركزي في سرعة ذوبان قياسية، البنزين يقترب سعره من ان يحلّق الى ما فوق قدرة المواطن على اللحاق به، ورواتب الموظفين مهدّدة هذه المرة أمام عجز الدولة على دفعها، وأجراس الدولار بدأت تقرع من جديد لصعود رهيب يُحكى عنه في غرف السوق السوداء.. الأدوية شحت، حتى المسكنات لم تعد موجودة، كل الحاجيات صارت مفقودة ونادرة، والليرة صارت عملة ورقية لا قيمة لها، فيما اموال المودعين ومدخراتهم سُرقت وانتهى الامر، ومع ذلك هناك من يصرّ على إشهار انانيته ويقول، انا اريد حقوقي ولا افرّط بصلاحياتي ، فيما البلد قد فرط وانتهى الامر.
ما تقدّم هو غيض قليل من فيض كثير يُقال في كل المجالس والصالونات السياسية. وعلى ما يؤكّد مسؤول كبير لـ"الجمهورية": "أنا بطبعي لا اميل الى التشاؤم، ولطالما كنت مقتنعاً انّ ابواب المخارج والحلول ليست مقفلة، ولكنني مع الأسف اعترف الآن أنني لأول مرة اشعر بهذا القدر من التشاؤم، واستطيع ان اؤكّد، صورة الملف الحكومي سوداوية بالكامل لا يُرى فيها بصيص امل بإمكان توافق الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري على التفاهم على الحكومة. ومع الأسف ايضاً انّ الحاكم لملف التأليف هو اللاعقلانية واللاموضوعية واللاشعور بالمسؤولية".
ورداً على سؤال قال: "كل الامور قابلة لأن تطوّع وان تلين امام ما وصل اليه حال البلد بما فيها الصلاحيات، وكل ذلك يحصل بالتفاهم إن صفت النيات، فالدستور وضع كناظم للبلد وللعلاقات بين السلطات، ولم يوضع ليعطل هذا لذاك، او لنصب متاريس بين الرئاسات على ما هو حاصل اليوم. والذي وصل فيه اطراف التأليف الى نقطة افتراق تكاد تتجاوز الخصومة الى العداوة، فرئيس الجمهورية حدّد مطالبه ولاءاته، والرئيس المكلّف حدّد سقفه وكلاهما قرّرا الّا يتراجعا، فيما البلد امام ناظريهما ينهار، ما يفرض عليهما أن يبادر كل منهما الى التقدّم ولو خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح وتأليف حكومة يجمع العالم بأسره على انّها الوصفة الوحيدة لكي يوضع لبنان على سكة الإنفراج، وتوقف النزيف الجارف لكل مقدرات اللبنانيين وآمالهم. ولكن مع الأسف، حتى الآن لا توحي اجواء الرئيسين بأنّ احداً منهما قابل بأن يخرج من خلف متراسه، وكلاهما متربصان لبعضهما البعض، فيما الوضع يُنذر بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، حيث لا تنفع مصالح او صلاحيات، بل لا يبقى سوى البكاء الذي لن ينفع بالتأكيد، لأنّه سيكون بكاءً على الاطلال.